قالَ وزيرُ الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، إنّ تطوَّر السينما المغربية رهين باشتغال العاملين في القطاع على القضايا التي يمُور بها المجتمع المغربي، بما يُفضي إلى تحوُّلٍ يقوم على بناء سينما مغربية تستند على رصيد المكتسبات وتتطور في إطار مناخ الحرية، وفي إطار القيم والثقافة المغربية، والانفتاح على العالم وعلى الإنسانية، بما يؤدّي إلى السموّ بواقع المجتمع.
واعتبرَ الخلفي في حديثٍ لهسبريس، أنّ التحوّل نحو بروز صناعة سينمائية ذاتِ وزْن لا يُمكن أن يتحقّق إلّا إذا استطاعَ السينمائيون المغاربة تقديم إنتاج سينمائي ينطلق من الواقع المغربي، ويعالج إشكالاته، ويشتغل على قضاياه، استنادا على رصيد المكتسبات الذي تحقّق، لافتا إلى أنّ ثمّة حاجةً للمصالحة بيْن المجتمع والسينما، وهو ما لا يُمكن أن يتحقّق إذا لم يجد المجتمع في هذه السينما صورة تشبهه.
وأشار وزير الاتّصال إلى أنّ هناك قسْما من العاملين في ميْدان السينما المغربية معنيّ بالاشتغال على قضايا المجتمع المغربي، وأسئلته وقضاياه، قائلا إنّ هناك عطاءات سينمائية دالّة وبارزة استطاعت أن تقدم هذا النموذج، لكنّه في المقابل أشار إلى وجود مُخرجين ومنتجين آخرين ظلوا ينتجون أعمالهم السينمائية وفق رهانات وأسئلة الآخر الأجنبي، وليس انطلاقا من أسئلة الواقع المغربي وإشكالاته وقضاياه.
واعتبرَ الخلفي أنّ التحدي الأكبرَ أمام تقدّم السينما المغربية في الوقت الراهن، يكْمُن في كيفية الانتقال من التطور الكمّي (إنتاجُ حوالي 25 فيلما سينمائيا سنويا، وتنظيم 50 مهرجانا في السنة)، إلى التطوّر الكيفي (إنتاجُ أعمال سينمائية ذاتِ مضمون جيّد)، فضلا عن تحدّي الجودة من الناحية التقنية، موضحا أنّ التحولات الرقمية والتكنولوجية انعكست إيجابا على تكلفة الإنتاج، حيث تقلصت الكلفة بشكل كبير، لكن في الآن نفسه تفرض مواكبة تقنية وتأهيلا للخبرات.
وفي الوقت الذي يرى كثير من النقاد أنّ السينما المغربيّة لمْ تتطوّر، رُغم الاعتمادات المالية التي تضعها الوزارة الوصيّة على القطاع لدعْم الأفلام السينمائية، قال الخلفي إنّ المؤشرات الموجودة تعكس عناصر إيجابية في تطوّر الصناعة السينمائية بالمغرب، غيْر أنّه استدرك أنّه ليْس من السهل تجاوز التحدّيات المطروحة، والتي اعتبرها “تحدّيات كبيرة”، ترتبط بتأهيل الموارد البشرية، وتطوير القدرات التقنية، والخبرات المرتبطة بالسيناريو والإخراج.
وأكّد الخلفي أنّ التحدّيات التي تواجهها السينما المغربيّة تقتضي تضافر جهود الفاعلين في المجال السينمائي، قائلا “هذه مسؤوليات مهنية ولا يمكن أن ننتظر من حكومة أو وزيرٍ أن يعالج كل هذه الإشكالات، ولهذا أعتبر أن أنّ أحد العناصر الإيجابية حاليا هو وجود عمل تشاركي جماعي بين مختلف الهيئات المعنية، وهذا من شأنه أن يساعدنا على التقدم بهذا القطاع”، وتابع أنّ مهمّة الوزارة تنحصر في توفير الشروط التي من شأنها أن تمكّن المهنيين من النهوض بمهنتهم.
علاقة بذلك، قال الخلفي إنّ منهجية العمل التي وضعتْها الوزارة للنهوض بالقطاع السينمائي بعد مجيئه انبنتْ على سياسة رامتْ في المقام الأول الاشتغالَ على إصلاح منظومة الدعم، سواء المخصّص لإنتاج الأعمال السنمائية، أو المهرجانات، أو القاعات السينمائية، موضحاً أنّ الدّعم الذي يتلّقاه المهنيّون العاملون في مجال السينما أصبح يتمّ عن طريق لجان مستقلة، ومنظومة محكومة بالمنافسة الحرة، وتخضع لافتحاص مالي من قبل المفتشية العامّة لوزارة المالية.
وأضاف أنّ الخطوة الثانية في عمل الوزارة تمثّلت في العمل على مستوى تطوير إدارة المركز السينمائي المغربي، عبر إصلاح نظام المستخدمين بشكل أوّلي، واعتماد منظومة إطار قانوني جديد، وصياغة مشروع قانون جديد لإطلاق استشارة تهم الصناعة السينماتوغرافية، وهو بيد الأمانة العامة للحكومة، مضيفا أنّ كلّ هذه الإجراءات استوعبت مجموع التحولات التي طرأت على المجال السينمائي في المغرب خلال أزيد من الثلاثين سنة الأخيرة.
وشدّد الخلفي على ضرورة العمَل الجماعي وتكثيف جهود جميع الفاعلين في المجال السينمائي للرقيّ به نحوَ الأفضل، مشيرا إلى أنّ الورش الثالث من بيْن الأوراش التي فتحتْها الوزارة للنهوض بالقطاع، تمثّل في إطلاق مقاربة تشاركية للنهوض بالقطاع السينمائي، بناءً على خُلاصات المناظرة الوطنية حول السينما، والتي كان من نتائجها كتاب أبيض “يشكل خارطة طريق للنهوض بالسينما المغربية”، يقول الخلفي.
وأكّدَ وزيرُ الاتصال على أهمّية التكوين للنهوض بالقطاع السينمائي في المغرب، مشيرا في هذا الصدد إلى أنّ الورش الرابع الذي فتحتْه الوزارة همَّ إطلاق المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما، وهو في سنته الثانية، من أجل توفير برامج للتكوين والتكوين المستمر للمشتغلين في مجال السينما والسمعي البصري، لافتا إلى أنّ الوزارة أطلقتْ أيضا، برنامجا وطنيّا لدعم الأفلام الوثائقية المتعلقة بالصحراء المغربية، لإبراز تاريخ المنطقة الثقافية، بشراكة مع المكتب الشريف للفوسفاط، بغلاف مالي يصل إلى 15 مليون درهم.
وعلاقة بالدّعم المالي للإنتاجات السينمائية، أشار الخلفي إلى إنّ الوزارة عملت على إصلاح منظومة الدعم، من أجل حكامة جيدة للأموال المرصودة، والتي تربو عن 90 مليون درهم سنويّا سنويا، تخصّص 60 مليونا منها لدعم الأفلام السينمائية، و25 مليونا لدعم المهرجانات السينمائية، و 7 ملايين لدعم القاعات السينمائية، وأضاف أنّ المنظومة الجديدة للدعم تقوم على فلسفة المرافعة، حيثُ يَلزم أصحابَ المشاريع التقدّم بمشاريعهم أمام اللجنة المكلفة بالدعم، “وهذا لم يكن في السابق”، يقول الخلفي.
وأرْدفَ أنّ الدّعم الماليّ المُخصّص لدعم الانتاجات السينمائية يُصرف بناء على إعمال إطار جديد لضبط النفقات الخاصة بالإنتاج السينمائي، وفق دفتر تحمّلات واتفاق موقّع بين المركز السينمائي المغربي وشركات الإنتاج، كما يخضع الدعم المصروف للافتحاص اللاحق من طرف المركز السينمائي المغربي، والمفتشية العامة للمالية، ولفتَ الوزير إلى أنّ الحكامة على مستوى الدعم ستمكّن على المدى المتوسط من معالجة معضلة التوفيق بيْن الكيْف والجودة.
من ناحية أخرى، قالَ الخلفي إنّ الاستثمارَ الأجنبي في مجال السينما بالمغرب عرَفَ خلال السنوات الأربع الأخيرة تطوّرا لافتا، مشيرا إلى أنَّ مدينة ورزازات، التي تُعتبرُ قبْلة عدد من المخرجين السينمائيين العالميين، “كانت تعيشُ حالة شبه إفلاس، غيرَ أنّه مع مجيء الحكومة الحالية، تضاعف حجم الاستثمار السينمائي الأجنبي في المغرب ما بين 2011 و 2014 عشْرَ مرّات”، مُعتبرا أنّ هذا التطوّر يعزّز موقع المغرب كوجهة في مجال الصناعة السينمائية على المستوى العالمي