اعداد:حساين محمد
كلمة الأستاذ فيل الادريسي الوكيل العام للملك خلال الاجتماع الجهوي للخلية القضائية المنعقد الاسبوع المنصرم بوجدة:
” في ظل التحولات التي عرفها المنتظم الدولي في مجال حماية الأطفال و النساء من العنف و ضمان حقوقهم على مستوى إصدار تشريعات و معاهدات و اتفاقيات و إنشاء آليات موازية، سعى المشرع المغربي بدوره إلى مواكبة التحولات المذكورة، إذ سن مجموعة من القوانين و عدل البعض منها و احدث مؤسسات و آليات تسهر على تنفيذها، و لعل من أبرز هذه النصوص القانونية ما يقضي بحماية الفئة المذكورة على مستوى سوق الشغل و منها ما يحميها على مستوى الأسرة و منها ما يوفر لها حماية عامة على جميع المستويات و ذلك لما تتطلبه الفئة المذكورة من خصوصية باعتبار المرأة نصف المجتمع و لها دور فعال في تنشئة الأجيال و المساهمة في التنمية المستدامة و لاعتبار الأطفال جيل المستقبل و المعتمد عليهم في نمو و تطور المجتمعات.
و من هذه القوانين ، نجد القانون رقم 19.12 و تاريخ 10/08/2016 المتعلق بتحديد شروط التشغيل و الشغل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين المكون من 27 مادة، و الذي اكتسى أهمية كبرى في ظل الوضعية التي تعرفها بعض العاملات و العمال المنزليين دون السن القانوني للتشغيل و الذين غالبا ما يستثنون من تطبيق أحكام مدونة الشغل كعاملات المنازل و عمال الحراسة و غيرهم، الأمر الذي بات يفرض ليس فقط التدخل التشريعي بل ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التزامات المغرب الدولية باعتباره مصادقا على الاتفاقية الدولية رقم 182 بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال و الإجراءات الفورية للقضاء عليها،و الاتفاقية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام. و تعزيزا للدور الحمائي و تماشيا مع الاتفاقيتين حدد سن التشغيل في 18 سنة كحد أدنى مع إمكانية تشغيل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و 18 سنة خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ دخول القانون حيز التنفيذ، كما منع أي تشغيل يكون ليلا بالنسبة لهذه الفئة العمرية أو في الأماكن المرتفعة غير الآمنة و في حمل الأجسام الثقيلة، و في استعمال التجهيزات و الأدوات و المواد الخطيرة، و في كل الأشغال التي تشكل مخاطر بينة قد تضر بصحتهم أو سلامتهم أو بسلوكهم الأخلاقي، أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة، إلى غير ذلك من المقتضيات القانونية الحمائية سواء على مستوى مدة الشغل و شروطه أو على مستوى الحقوق كالأجر و العطل و التعويض عن إنهاء العقد…..
و من جهة أخرى و تماشيا مع الطابع الحمائي الذي يشمل فئة النساء و الأطفال، سن المشرع المغربي القانون رقم 27.14 بتاريخ 25/08/2016 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر المتكون من سبع مواد، و الذي جاء بناء على انضمام المغرب سنة 2009 إلى البروتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المتعلق بالاتجار بالبشر خاصة النساء و الأطفال، و جاء اعتماد هذا القانون على اعتبار أن المغرب لم يعد في مأمن من هذه الجريمة و تداعياتها المختلفة، سواء تعلق الأمر بالاستغلال في العمل أو الاستغلال الجنسي. و قد تضمن القانون المذكور عدة مقتضيات خاصة تهم فئة الأطفال و النساء، سواء في إطار التعريف بالاتجار بالبشر عندما نص على انه يقصد به تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله أو الوساطة في ذلك بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. و في المقابل، فان المشرع لم يشترط استعمال أي وسيلة من الوسائل المنصوص عليها أعلاه لقيام جريمة الاتجار بالبشر تجاه الأطفال الذين تقل سنهم عن 18 سنة بمجرد تحقق قصد الاستغلال، كما منح المشرع عناية خاصة للأطفال و النساء على مستوى العقوبة، إذ قام بتشديد العقوبة إذا ارتكبت الجريمة تجاه قاصر أو ضد امرأة حامل، أو إذا كان الفاعل زوجا للضحية أو احد أصولها أو فروعها أو وصيا عليها أو كافلا لها أو مكلفا برعايتها أو كانت له سلطة عليها.
و في نفس الإطار الحمائي و في ظل الترسانة القانونية التي خصها المغرب لفئة الأطفال و النساء بصفة خاصة و الأسرة بصفة عامة، فقد راعى المشرع المغربي المصلحة الفضلى للأطفال عندما سن الزواج في 18 سنة تماشيا مع الاتفاقيات الدولية، إذ اعتبرت المادة 19 من مدونة الأسرة أن أهلية الزواج تكتمل بإتمام الفتى و الفتاة المتمتعين بقواهم العقلية ثمان عشرة سنة شمسية، و فتح باب الاستثناء عبر مجموعة من الضوابط و الشروط حتى لا يتم الشطط في حق الطفولة، فلا ينجز الزواج إلا بإذن القاضي بمقرر معلل يبين فيه المصلحة و الأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع إلى الطرفين و الاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي و هي ضمانات يتعين على القضاء تحقيقها و تفعيلها على ارض الواقع و ذلك تحقيقا لمصلحة القاصرين و رفعا لأي ضرر يلحق بهم قد تترتب عنه عواقب وخيمة على صحتهم الجسدية أو النفسية. و بذلك يتضح أن مدونة الأسرة سلكت مسلكا وسطا، حين تركت لمن لم يبلغ السن المحددة قانونا و الراغب في الزواج الحق في أن يرفع أمره إلى القاضي للنظر في أمره وفق ما تقتضيه مصلحته الفضلى و ذلك تماشيا مع الاتفاقيات الدولية و القوانين المقارنة.
و في إطار الحماية الشاملة للنساء و الأطفال من جميع أشكال العنف سعى المغرب إلى مسايرة المجتمع الدولي من حيث إصدار القانون رقم 103.13 و تاريخ 22/02/2018 الخاص بمحاربة العنف ضد النساء و الذي جاء تماشيا مع التطورات الدولية في مجال حماية النساء من جهة و استجابة لمطالب الحركة النسائية و منظمات المجتمع المدني من اجل تعزيز حقوق المرأة انسجاما مع مقتضيات دستور المملكة الذي نص على المساواة و النهوض بحقوق المرأة و حمايتها و حظر و مكافحة كل أشكال التمييز ضدها.
و مما لاشك فيه أن هذا القانون شكل قفزة نوعية من حيث تبنيه مقاربة حقوقية و ليست زجرية فحسب تستجيب للانتظارات المنصفة للمرأة من جهة و قيامه على أربعة أبعاد وفق معايير دولية و هي البعد الوقائي و الحمائي و الزجري و التكفلي. و يتضمن هذا القانون خلق آليات مؤسساتية و مندمجة للتكفل تعمل وفق قواعد محددة من شأنها ضمان المواكبة اللازمة و التوجيه الصحيح نحو مختلف الخدمات المتوفرة و الولوج إليها مع الحرص على ضمان سرعة التدخلات و نجاعتها لمختلف الجهات المكلفة بتطبيقه و إعماله بما يمكن المغرب من نص قانوني متماسك و كفيل بضمان الحدود الدنيا من شروط و ضوابط الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف. و تتجسد أهم مضامين القانون 103.13 في:
•تحديد إطار مفاهيمي محدد و دقيق لمختلف أشكال العنف ضد النساء.
•إحداث هيئات و آليات للتكفل بالنساء و الأطفال ضحايا العنف.
•اعتماد منهجيات و اطر مؤسساتية للتنسيق بين مختلف المتدخلين مثل السلطة القضائية و الأمن الوطني و الدرك الملكي و القطاعات الحكومية المعنية و الغير الحكومية…
•تجريم بعض الأفعال باعتبارها عنفا يلحق ضررا بالمرأة.
•تشديد العقوبات على بعض الأفعال الموجهة ضد النساء في وضعية خاصة.
•اعتماد تدابير حمائية جديدة.
•التنصيص على عنصر الفورية في اتخاذ التدابير الحمائية و هي مقتضيات سيتطرق لها الأستاذ نبوتي نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتاوريرت في إطار مداخلته حول موضوع قراءة في مقتضيات القانون رقم 103.13.
و من اجل تفعيل مقتضيات القوانين المشار إليها أعلاه سعت رئاسة النيابة العامة إلى مواكبة هذه المستجدات التشريعية من خلال إصدار مناشير و دوريات تحدد الإطار العام لعمل النيابات العامة بالمحاكم و التوجهات الأساسية للسياسة الجنائية و مواكبة عمل المحاكم على مستوى مدى التقيد بأحكام القوانين و تفعيلها ووضع الترتيبات اللازمة لذلك و الرجوع إلى رئاسة النيابة العامة في حالة وجود صعوبات تحول دون تحقيق الأهداف المتوخاة منها.
و في هذا الإطار نشير إلى الدورية عدد 20 س/ر ن ع و تاريخ 29 مارس 2018 حول زواج القاصر التي دعا من خلالها رئيس النيابة العامة السيد محمد عبد النباوي النيابات العامة بجميع المحاكم إلى العمل على تفعيل الدور و الصلاحيات المخولة لهم قانونا فيما يتعلق بالطلبات الرامية إلى زواج القاصرين عبر تقديم الملتمسات و المستنتجات الضرورية للحفاظ على حقوق الطفل و مصالحه الفضلى، و المنشور عدد 31/س/ر ن ع و تاريخ 28 يونيو 2018 حول قانون محاربة العنف ضد النساء الذي دعا من خلاله السيد رئيس النيابة العامة إلى تعميمه و تنظيم اجتماعات و لقاءات للتعريف به و الفهم الصحيح لمضامينه و تفعيل القواعد الموضوعية و الإجرائية للقانون المذكور.
و الدورية عدد 32 س/ر ن ع و تاريخ 03/07/2018 حول حماية ضحايا الاتجار بالبشر التي دعا من خلالها السيد رئيس النيابة العامة السادة الوكلاء العامون للملك و وكلاء الملك إلى استحضار الجانب الحمائي للضحايا منذ المراحل الأولى للبحث و تفعيل مقتضيات حمايتهم المنصوص عليها في المواد 448-14 و 1-5-82 و 4-82 من قانون المسطرة الجنائية بشان حماية الضحايا و توظيف الآليات المتوفرة لدعم التكفل بهم.
و هناك أيضا الدورية عدد 49 س/ر ن ع و تاريخ 06/12/2018 حول صدور القانون رقم 19.12 الخاص بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين و الإجراءات اللازمة لتطبيقه التي دعا من خلالها السيد رئيس النيابة العامة إلى مراعاة أحكامه التي تضمن الحماية القانونية اللازمة.
و كذلك المنشور عدد 48 س/ر ن ع و تاريخ 06/12/2018 حول حماية الحياة الخاصة للأفراد في ظل القانون رقم 103.13 و الذي دعا من خلاله السيد رئيس النيابة العامة إلى التطبيق الصارم و السليم للقواعد القانونية و الحرص على تنزيل مقتضياتها الرامية إلى حماية الحياة الخاصة للأفراد وفق ما كرسه الدستور و التعاطي بإيجابية مع الشكايات المقدمة في هذا الخصوص و تحريك المتابعات في حق المعتدين وفق ما يقتضيه القانون و مراعاة المقتضيات القانونية التي تحمي الضحايا و المبلغين عن الجرائم و كذا المقتضيات القانونية الأخرى الجاري بها العمل.
و عليه، فان رئاسة النيابة العامة إذا كانت مواكبة للترسانة القانونية بجميع مكوناتها و ساهرة على التطبيق السليم لها من خلال مواكبة آليات تفعيلها و تتبع الأجهزة المكلفة بها، فإننا كجهاز نيابة عامة سنسعى بدورنا على مستوى هذه الجهة إلى تنفيذ كل ما من شأنه أن يساهم في التطبيق السليم للقانون بناء على المناشير و الدوريات الموجهة إلينا و التفعيل الصحيح للمقتضيات القانونية بما يضمن حقوق الأفراد و الجماعات و يحمي الحريات و التنسيق مع مختلف القطاعات و الفعاليات وفق ما تقتضيه المصلحة العامة للبلاد في ظل السياسة الحكيمة لصاحب الجلالة نصره الله القائمة على أسس دولة الحق و القانون.
و في الختام، أجدد الشكر للسادة الحضور و لجميع القطاعات حكومية و غير حكومية التي تساهم في تفعيل المقتضيات القانونية المعمول بها في مجال حماية الأطفال و النساء، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر و ذلك من خلال المجهودات التي تبدلها من اجل الرفع من جودة الأداء و تحقيق التكفل الناجع بالفئة المذكورة كل من جهته و موقعه لكون القضاء على العنف أو الحد منه يستلزم مقاربة شمولية و متكاملة متعددة الأطراف و الوظائف.
و إننا نعرب عن عزمنا على تتبع تفعيل القوانين الصادرة في مجال حماية الفئة المذكورة بما يضمن تحقيق النجاعة و العدالة الاجتماعية”.