اعداد:حساين محمد
في مداخلته السبت 21 من الشهر الجاري، في الليلة الرقمية 105 ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال، اختار رئيس مؤسسة الملتقى الدكتور مولاي منير القادري الحديث عن رجالات التصوف في المغرب وإسهامهم الإيجابي في بلورة التميز المغربي في التدين والثقافة والسلوك، ودورهم الفعال في إرساء ثوابت الهوية الدينية والوطنية للمغرب، وتضحيتهم في سبيل الدفاع عن وحدته الترابية وتمنيعه من الأفكار الهدامة والمتطرفة، ويشار الى أنه تم خلال هذه الليلة الرقمية تقديم التهنئة لفريق نهضة بركان بمناسبة فوزه بلقب الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم .
في مستهل كلمته لفت القادري الى أن قدوم المولى ادريس الى المغرب بعد أن نجاه الله من موقعة فخ التي وقعت سنة 785م -169ه، شكل منعطفا وتحولا حاسما في تاريخ المغرب، وأردف أن هذا القدوم ارتبط بقيام الدولة المغربية المستقلة القائمة على تعاليم وأخلاق الإسلام مع احتفاظ المغاربة بعاداتهم وخصوصياتهم .
وأضاف أن قبيلة أوربة التي بايعته فعلت ذلك عن قناعة ومحبة، لما رأت فيه من الاخلاق المحمدية التي ورثها عن جده المصطفى صلى الله عليه وسلم، وزاد أنه لم يدخلها بجيش ولم يفرض على أهلها مبايعته بالسيف، وانما كانت بيعة مؤسسة على المحبة، بيعة لا غصب فيها ولا اكراه.
وواصل موضحا في ذات السياق أن المولى ادريس لم يعتمد على الناحية العسكرية أكثر من اعتماده على الإقناع، معتبرا أن هذا ما يفسر التفرد والتميز المغربي الذي لا يزال مستمرا الى يومنا هذا، والذي أثمر الشخصية المغربية المتزنة والمعتدلة في اختياراتها العقدية والمذهبية والتربوية، والتي أصبحت نموذجا متميزا في التدين القائم على ثوابت المذهب المالكي والعقيدة الاشعرية والتصوف السني وإمارة المؤمنين، وأردف أن هذه الثوابت كلها مجتمعة شكلت الصرح الضامن والحصانة الذاتية والروحية من كل أشكال الاختراقات الاستعمارية الهدامة والإيديولوجيات والأفكار المتطرفة، الشيء الذي جعل المجتمع المغربي ينعم بالأمن الروحي و السلم المجتمعي .
وذكر بالمقولة المشهورة: ” إذا كان المشرق بلد الأنبياء فإن المغرب بلد الأولياء”، مبرزا أن أرض المغرب الطيبة تخرج منها علماء أفذاذ وصلحاء أوفياء منهم أبي الحسن الشاذلي الذي عم خيره المشرق و المغرب، وأحمد التجاني الذي له فضل كبير في نشر الإسلام في تخوم إفريقيا، ومولاي علي الشريف وفضله الكبير في الدفاع عن بيضة الإسلام… وغيرهم كثير.
وأوضح أن هؤلاء أسسوا زوايا، هي عبارة عن مدارس تربوية لعبت أداورا طلائعية في تأمين حاجيات المجتمع المغربي ليس فقط الروحية، وإنما أيضا الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، دون إغفال دورها الجهادي، حيث حافظت على وحدة البلاد السياسية من خلال وطنية صادقة تدافع عن حوزة الوطن والذود عن ثغوره.
ونوه بمساهمة الزوايا في المغرب في نشر العلوم من خلال تأسيسها خزائن علمية، حيث شكلت مدارس لتلقي مختلف العلوم، وقدم أمثلة على ذلك مثل الخزانة الناصرية بتمكروت جنوب المغرب، والتي خرجت العلماء والصلحاء أمثال سيد احمد بناصر الدرعي وغيره، مشيرا الى أنها لا تزال الى اليوم ملاذا للباحثين في التراث.
كما أشار إلى مساهمة الصوفية المغاربة في التأليف، مستحضرا نموذج القاضي عياض من خلال كتابه “الشفا في التعريف بحقوق المصطفى”، والذي قيل في حقه ” لولا عياض ما عرف المغرب”.
وعلى الصعيد الاجتماعي أبرز دور أعلام التصوف المغربي في إرساء قيم التضامن والتآزر خاصة في أيام الأزمات، موردا مثال الشيخ أبو العباس السبتي دفين مراكش، الذي قدم نموذجا متميزا في العطاء والجود، حتى قال فيه ابن رشد ” هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود” .
كما سلط الضوء على الدور الجهادي الذي قامت به الزوايا في محاربة المستعمر والحفاظ على المغرب المستقل، موضحا أنهم كانوا روح الجهاد المغربي، وأنهم كانوا طالبين للشهادة ذودا عن العقيدة والوطن، وانهم كانوا يحرضون المغاربة على تصحيح الأوضاع ومقاومة الأطماع، مقدما المثال على ذلك بمقاومة سيدي المختار بن محيي الدين القادري بودشيش سنة 1907 للمستعمر في شرق المغرب وقيادته لقبائل بني يزناسن ، وكذا حركة الهيبة ولد ماء العينين بأقاليمنا الجنوبية، الذي كان له الفضل في توحيد قبائل جنوب المغرب في مواجهة القوى الأجنبية الفرنسية والإسبانية والبرتغالية، والذي لم تعقه العوالم الطبيعية للصحراء ووعورة المسالك الرملية في مد جسور التواصل بين القبائل والعرش العلوي، حيث كانت للشيخ ماء العينين علاقة بيعة وولاء مع ملوك الدولة العلوية الشريفة.