اعداد:حساين محمد
رغم الصعوبات المرتبطة باستمرار انتشارجائحة كورونا، واصلت مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع مؤسسة الجمال ، للسنة الثانية على التوالي تنظيم فعاليات ليالي الوصال الرقمية الموسومة بعنوان “ذكر وفكر في زمن كورونا “، من خلال تنظيم الليلة الرقمية التاسعة والأربعين السبت 17 ابريل 2021، والتي بثت عبر المنصات الرقمية الرسمية لمؤسسة الملتقى.
علماء ومثقفون وباحثون ومنشدون أغنوا هذا السمر العلمي والروحي بمساهماتهم الناطقة بعدة لغات الى جانب اللغة العربية، والتزامن مع العشر الأوائل من شهر رمضان منح هذه الليلة رونقا خاصا.
بداية تم بث حصة من القرآن الكريم ومن الذكر، مباشرة من الزاوية الام بمداغ، أولى المداخلات العلمية كانت للأستاذ محسن الطاهري، باحث في الدراسات الاسلامية، تحت عنوان “منهج الصوفية في قبول ورد الحديث النبوي الشريف”، أبرز من خلالها جهود السادة الصوفية في خدمة الحديث النبوي والنهج الذي اتبعوه في سبيل ذلك.
فيما جاءت المداخلة الثانية للدكتور محمد كوحيلة، أستاذ جامعي بجامعة القاضي عياض بمراكش، تحت عنوان “التصوف هو المنقذ من السكتة الروحية”، أكد من خلالها أن التربية الصوفية تتميز بطابعها العملي التطبيقي، وأنها لاتقف عند الرسوم وإنما تنفذ الى الجوهر وتأثر يشكل إيجابي في الحياة العملية.
الفقرة الصحية قدمها الدكتور محمد الساسي من باريس، المتخصص في امراض السكري، والتي ضمنها نصائح حول التغذية السليمة التي ينبغي اتباعها في شهر رمضان الكريم، حتى يتسنى الاستفادة من الصيام وفوائده الصحية.
أما الدكتور حكيم فضيل الإدريسي، أستاذ التعليم العالي ورئيس المجلس العلمي المحلي للدار البيضاء -انفا، في سلسلته التي يتناول فيها بالشرح والتحليل قاعدة من قواعد التصوف للشيخ زروق ، بين من خلالها أن التصوف تجربة عرفان وشهود عيان يتجاوز حدود اللغة، وأن محاولة نقل التجربة الى الكلمة مجازفة، كما أبرز أن الصوفية هم من تمكنوا من تحقيق المعنى واثبات المبنى، وأنهم أخذوا الإشارة من ظاهر النص وباطن المعنى.
بعد ذلك قدم الأستاذ محمد السعيدي المستشار في المالية بفرنسا مداخلة باللغة الفرنسية تحت عنوان : .« le jeune entre le juridique et le spirituel»
فيما تناول الدكتور منير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، موضوع “توضيح المراد في الترغيب بالحلم والصبر بين العباد”، أكد من خلالها أن القسوة في القلوب، والغلظة في الأخلاق تشكل دليلا على نقص كبير وعيب في نفس الإنسان، وعلامة فساد ومرض أخلاقيٍّ يهدد المجتمع، وأضاف أنه إذا زاد الإيمان في القلب وأطمأنت النفس بذكر الله، ازدادت السماحة وإزدان القلب بالحلم، واتسع الصدر لتحمل هفوات الناس.
ولفت الى أنه إذا كان الصبرُ المحمود هو ما كان عند الصدمة الأولى، فإن خيرَ التسامُح ما كان بعد الخطأ مباشرة، لأنَّ فيه تجرُّعًا للغيظ، واحتمالاً لبلاء عظيمٍ يَرِدُ على النفْس في لحظات الغضب، مستشهدا بقوله صلى الله عليه وسلم “ما من جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله، مِن جَرْعَةِ غَيْظٍ كظمها عبد ابتغاء وجه الله”، وأضاف أن للحلم والبعد عن الغضب مغانم، لقوله تعالى “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” (سورة فصلت، الآيتين 34 35).
واستعرض مجموعة من الواجبات القلبية لكل مسلم، مشددا على أن الحلم من أشرف الأخلاق، وأحقها بذوي الألباب، لأن فيه سلامة العِرض وراحة الجسد، واكتساب الحمد، كما تطرق الى مجموعة من الأشياء المعينة على الحلم و الصبر.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن التربية على الأخلاق الاحسانية في التجربة الروحية بين يدي الشيخ المربي لم تكن يوما مجرد نظريات فلسفية، وإنما ممارسة حية عملية ومجاهدات عرفانية، قوامها المصاحبة والمجاهدة والإطلاع، فهي أمر لا يكتسب إلا بالتربية على مكارم الأخلاق والممارسة الذوقية الشخصية، لقوله صلى الله عليه وسلم “إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يطلب الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه” .
كما تناول فضائل ضبط النفس والصبر وأثرهما على الفرد والمجتمع خلال كلمته باللغة الفرنسية، التي حملت عنوان » Précisions sur l’incitation aux vertus de maîtrise de soi et de patience ».
المداخلة العلمية الموالية كانت باللغة الإنجليزية، للدكتور إدريس شاريي، تطرق من خلالها الى الدور الذي تلعبه التربية الصوفية في تحقيق التوازن بين المتطلبات المادية والمتطلبات الروحية، والتي جاءت تحت عنوان « Sufism balance between material and spiritual »
وتخللت هذه الليلة الروحية وصلات من النغم والمديح الصوفي لمسمعين من داخل المغرب وخارجه، شنفوا مسامع وقلوب المتابعين، ويتعلق الأمر بكل من بلال علي الحموي من تركيا، حكيم خزران من المغرب، المجموعة الرسمية للطريقة، مجموعات السماع الخاصة بمدن الجديدة بالمغرب ومجموعتي السماع بباريس (فرنسا) واورلاندو بالولايات المتحدة الامريكية، بالإضافة لمجموعة البرعمات للطريقة بمداغ.
وعرفت هذه اللية تقديم شهادات لمريدين للطريقة القادرية البودشيشية من خارج المغرب عبروا فيها عن الاثر الايجابي للتربية الروحية التي يتلقونها في الطريقة على حياتهم ونذكر منهم السيد ايفان وهو مسير شركة بسويسرا والطالب طه الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من برمنكهام بانكلترا.
اختتمت أطوار هذا السمر الروحي بفقرة “من كلام القوم”، خصصها الأستاذ إبراهيم بلمقدم وهو باحث مؤطر بمركز أجيال للمواكبة والوقاية والتمنيع بالناظور والتابع للرابطة المحمدية للعلماء، لعرض مختارات من كلام الشيخ الغزالي رحمه الله، حول اسرار الصيام، مختتما كلمته برفع الدعاء الصالح للبلاد ولملكها ولسائر المسلمين.