اعداد:حساين محمد
تمحورت الجلسة التاسعة للملتقى العالمي للتصوف، الذي تعقده الطريقة القادرية البودشيشية ومشيختها بشراكة مع مؤسسة الملتقى والمركز الاورومتوسطي لدراسة الاسلام اليوم، حول موضوع “دور البعد الأخلاقي في تدبير الأزمات الاقتصادية والبيئية”، وترأسها الدكتور لحسن السباعي الإدريسي، باحث في التصوف والاقتصاد الرباط، يوم الثلاثاء 03 نونبر الجاري، وبثت أطوار هذه الجلسة عبر المنصات الرقمية لمؤسسة الملتقى.
تناول الكلمة في البداية الدكتور مصطفى زكري، أستاذ التعليم العالي بجامعة ISMAT LUSOPHONE بالبرتغال، والتي ألقاها باللغة الفرنسية، تطرق فيها إلى أزمة الاقتصاد بسبب عدم الاهتمام بالجانب الأخلاقي والروحي، مشيرا إلى أن علم الاقتصاد مع الحداثة ومنذ القرن 19 يؤسس لنفسه استقلالا عن العلوم الأخرى، لكنه يفتقر إلى القيم الروحية والأخلاقية التي لا يمكن أن تقوم له قائمة بدونها.
بعد ذلك تدخل الدكتور ربيع العايدي، مفكر وباحث في الفلسفة والعقيدة الإسلامية المملكة الهاشمية الأردنية، بكلمة تحت عنوان ” أزمة الاقتصاد من منظور أخلاقي”، حيث أشار إلى أن الإسلام بنى الاقتصاد على أسس أخلاقية تراعي ثنائية الظاهر والباطن، وأكد أن مسألة الزكاة باعتبارها فريضة أخلاقية ودينية من الحلول التي قام عليها الاقتصاد الإسلامي في تجاوز الأزمات، من خلال قيم التضامن بين الناس للقضاء على الفقر، ولذلك حرم الإسلام مجموعة من المعاملات السيئة كالغش والاحتكار، كما نبه إلى الجانب التزكوي للزكاة، فهي تطهر صاحبها وتنمي ماله، مستشهدا بقوله “تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها” (سورة التوبة).
وعقب ذلك تقدم الدكتور أحمد سعيد الخطيب، أستاذ في جامعة الأزهر بمصر، بمداخلة عنوانها “الأزمات الاقتصادية وغياب البعد الروحي: المشكلة والعلاج من منظور قرآني”، أبرز من خلالها أن المشكلة تكمن في سيادة الأنانية والاحتكار والمصلحة الذاتية واستغلال الأزمة للاغتناء على حساب الآخرين، بدل قيم التضامن والتعاون والتآزر، وركز في مداخلته على الاستشهاد بمجموعة من الآيات القرآنية التي تدل على أن الأرض غنية بخيراتها، والتي من شأنها أن تضمن العيش الكريم، مثل قوله تعالى: “ولقد مكنا لكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون” (سورة الأعراف).
انتقلت الكلمة إلى الدكتور إبراهيم ابا محمد، أستاذ التعليم العالي، كلية الشريعة بفاس، طرق موضوع “دور القيم الروحية والأخلاقية في معالجة الأزمات الاقتصادية”، انطلق من التصور الإسلامي للعقيدة والكون والحياة، مؤكدا أنه لا يمكن النظر إلى الإنسان إلا من زاوية الاستخلاف في الأرض، مستشهدا بقوله تعالى في سورة البقرة “إني جاعل في الأرض خليفة”، لإقامة الحياة الطيبة بين سائر البشر، وكل فعل يخالف عمارة الأرض(العمران)، فهو فساد وإفساد يضيف الأستاذ المحاضر، داعيا إلى ضرورة العودة إلى القيم الإسلامية الربانية التي جسدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي ثنايا مداخلات هذه الجلسة العلمية، أثار الدكتور سمير الحلوي، أستاذ الاقتصاد بالمدرسة الوطنية العليا للإدارة بالرباط باللغة الفرنسية، مسألة القيم الروحية والأخلاقية في الاقتصاد المعاصر، وأكد على تبني مبادئ التضامن والتكثل والمصلحة العامة من أجل العيش الكريم، والتخلي عن الأنانية المفرطة التي تنهجها الحياة المعاصرة، مستشهدا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله”، مبرزا دور الصوفي في بناء المجتمع وإسهامه في تطويره، مفندا مزاعم الذين يرمون الصوفية بالانزواء والانغلاق، واعتبر ذلك مجرد أوهام تسربت إلى عقول أصحابها.
وقبل الختام أسهم الدكتور محمد كوحيلة أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض بمراكش، بمداخلة دارت في فلك ” التصوف والأزمة البيئية”، حيث قارب الموضوع من زاوية إسلامية علمية دينية، وربط الصلة بين عالم الأفكار وعالم الأنوار، منبها إلى خطورة الاختلال البيئي بفعل العدول عن القيم الأخلاقية والروحية التي تحقق رسالة الاستخلاف في أرض الله، مشيرا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتفاعل مع الموجودات كلها ويرى فيها خلق الله.
اختتمت هذه الجلسة العلمية بمداخلة للدكتور محمد أديوان، أستاذ التعليم العالي جامعة محمد الخامس بالرباط ونائب رئيس جامعة القرويين في البحث والتعاون بفاس، تحت عنوان: ” من أجل حكامة صوفية أخلاقية مشتركة لأجل تجاوز الجائحة” ، أوضح من خلالها أن هذه الجائحة حلت بمشيئة الله وحكمته، محددا تعريفا للحكامة باعتبارها آلية للتفكير في حلول شاملة وناجعة، بشكل يحيط بكل جوانب المشكلة، وقد كشف النقاب عن مجموعة من المبادئ التي تشكل أسس حكامة صوفية مشتركة أخلاقية واجتماعية، تقوم على استحضار دور الصوفي الذي يفكر في كل الناس، ويتطلع إلى الحلول الشاملة، بموجب ميثاقه الرباني الذي يربطه بالإنسانية، وذلك من خلال بعث قيم الإيثار والمحبة والتواضع وتبادل الأخذ والعطاء والأخوة الإنسانية، كل ذلك من شأنه أن يبدد آثار الجائحة.