الدكتور منير القادري..الحاجة الى حسن الخلق كالحاجة الى الهواء

Mohammed31 أغسطس 2020آخر تحديث :
الدكتور منير القادري..الحاجة الى حسن الخلق كالحاجة الى الهواء

اعداد:حساين محمد
كان لمتابعي الليلة الافتراضية الثامنة عشر، السبت 29 غشت 2020، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية بشراكة مع مؤسسة الملتقى ومؤسسة الجمال، موعد مع مداخلة للدكتور منير القادري بودشيش، مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، حول موضوع ” الأبعاد الأخلاقية للتربية الروحية”.


أبرز في بدايتها أن التجربة الصوفية في جوهرها هي تجربة روحية مفعمة بصـدق العاطفـة، وإخـلاص التوجه إلى الله وعمق الإيمان، عمادها الشريعة الإسلامية المتمثلة في القـرآن والسـنة، ومنطلقها التجرد من علائق الدنيا، وغايتها امتلاء القلب بأنوار المحبة الإلهية، وأوضح أنه سيحاول في مداخلته بناء تصور للأبعاد الأخلاقيـة في التربية الروحية، انطلاقا من أن الغايةَ مِن البعثةِ المحمديةِ هي تمامِ صالحِ الأخلاقِ، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم “إنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلَاقِ” ولأن التصـوف هو الدخول في كل خلـق سـني، والخـروج عـن كـل خلـق دنـيء.
وأشار الى أن هذه الأخلاق شكلت مصدر إعجاب للباحث والمستشرقClément Huart كليمان هوارت، مما دفعه الى القول : “لم يكن محمدٌ نبياً عادياً، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء، لأنه قَابَلَ كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه … نبي ليس عادياً…..! ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في مكارم الأخلاق لأصبح العالم مسلماً”،وذكر أن المستشرقين خصوصًا والغربيين عمومًا وجدوا في التصوّف بسموّه وتعاليه وقيمه الأخلاقية والروحية علاجًا لأدواء الحياة المعاصرة، لما فيه من روحانية عالية وأبعاد إنسانية سامية وقيم أخلاقية راقية.
وأضاف أن الاخلاق هي جوهر التصوف علما وعملا، موردا مقولة لابن القيم الجوزية عن التصوف “وقد اجتمعت كلمة الناطقين في هذا العلم، أن التصوف هو الخلق”، وشدد على أن التصوف في هذا المجال ذو ثراء روحي استثنائي لأنه يستجيب لحاجة في قرارة النفس الإنسانية تجد إشباعها في روحانيته العميقة، وهو ما يفسر الاقبال على التصوف الذي هو مقام الاحسان من كثير من الناس الذين يتدبّرون قيمه الروحية ويطمحون في قيام علاقة قرب وأنس بالله و مع الله مصداقا لقوله تعالى ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾، تلك العلاقة التي تسمو على ما سواها من علائق الدنيا ومُتَعها ومباهجها.

وأوضح أنَّ حاجةَ العبدِ المؤمنِ إلى حُسْنِ الخُلُقِ كحاجتِهِ إلى الهواءِ، بل أشدّ؛ لأنَّ فقْدَ الهواءِ يعني موتَ البدنِ، وفقْدَ الخُلُقِ الحَسَنِ يعني موتَ القلبِ، وفي موتِ القلبِ فَقْدُ الدينِ والخسران المبين، وأكد أن الصوفي المحسن يعيش الحياة المادية ولكنّه دائم التعبّد والتفكّر والذكر، يقبل على العبادة باجتهاد، ويحاول أن يكون أكثر استقامة وأكثر إحسانًا وتسامحًا، وخدمة للإنسانية.
وأشار إلى أن الصوفية أدركوا أن الإسلام في جوهره أخلاق بين العبد وربه، وبين العبـد ونفسـه، وبينه وبين مجتمعه، فالإيمان بالله لا يلتقي مع الأخلاق الدنيئة كالكذب والرياء و حب الشهوات، لذلك وجهوا اهتمـامهم إلـى الأخلاق وذهبوا إلى أن أي علم لا يقترن بخشية الله لا جدوى منه فكانت الأخلاق أهـم ثمـار التصوف.
وبين أن كل معراج روحي هو وليد مجاهدة وطريق فيه جهاد للبدن وشهواته، فتتخلـى الـنفس عن صفاتها الذميمة وتتحلى بالصفات الحميدة، من خلال توطين النفس على الصَّبر عند البلاء، والشَّكر عند الرَّخاء، والرِّضى بِمُرِّ القضاء، والدعوة لمكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، تحققا بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم “أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ” رواه أبو داود والترمذي، وأضاف أنها كيمياء السعادة كما رمز إليها الشيخ ابن عربي للتحول في النفس الإنسانية من الطبيعة الخسيسـة بعد المجاهدة إلى أسمى مستوياتها.
ونبه إلى أن “الطريقة” عند الصوفية هي السفر إلى الله تعالى؛ حقيقية ومعنى، سفر يقوم على تحلية النفس والجوارح بالأخلاق والأعمال الحميدة، ويمكنه من الرجوع إلى أصله ومركزه كعبد لله، ويجعله آمنا مطمئنا، كما جاء في الأثر “لما علمت أن رزقي لا يأخذه غيري إطمأن قلبي”.
وأكد أن الدارس لتاريخ الصلاح و الإصلاح في الإسلام لا يكاد يعرف عهدا قصيرا أضرب فيه الفكر الإسلامي عن العمل، ذلك أن الله تعالى يقيض لهذه الأمة في كل زمان أسباب نهضتها، فظهر شيوخ مصلحون حافظوا على الإسلام في جِدَتِهِ وشبابه وحيويته وقضوا على كثير من الفتن والبدع والمؤامرات والتحريفات، مشيرا الى أن السر في حيوية هذا الدين بناءه الروحي لشخصية المسلم المتخلق بالأخلاق المحمدية حيث لا نكاد نجد شخصية إصلاحية مجددة في التاريخ الإسلامي إلا ونجد لها أساسا وسندا روحيا.
وأكد القادري أنه انطلاقا من هذا المنظور يضحى تمثل المضامين المقاصدية الأخلاقية للتصوف، على أكمل وجه ضرورة حضارية يمكن أن تسهم في حل النزاعات وفك التوترات وتقليص الفوارق وإشاعة ثقافة التعاون والتعايش المشترك، وأضاف أن التصوف إذا ما قورب بصدق، وأحسن تدبير مخزونه القيمي قادر على صناعة إنسان كوني من غير استيلاب، إنسان يؤمن بالخصوصيات من غير انغلاق، ويسارع إلى الخيرات بمحبة وتفان وإخلاص.
واستنتج أن التربية على القيم الأخلاقية وفق هذه الخصائص والمرتكزات تكون كفيله بضمان تربية واقيه من هذه الأزمة الحضارية التي تعاني منها الإنسانيه وقادرة على تحقيق الأمن الروحي الذي يمكّن من تبديد وتلاشي الصراع الحضاري المفتعل وكفيلة بتصحيح الإختلالات وتحقيق التوازن النفسي و التكامل العقلي والقلبي والتوافق المادي والروحي.
و أكد أن الطريقة القادرية البودشيشية إيمانا منها بضرورة قيامها بواجبها الديني والوطني، ووعيا منها بكل ما تقتضيه هذه الظرفية الاستثنائية من حكمة وتبصر ويقظة، تحرص على توجيه همم مريديها وأتباعها ليكونوا على قدر كبير من الإلتزام بالمسؤولية ومراعاة حق الله و حق العباد في وطنهم، مجندين وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده خدمة للصالح العام لوطننا الحبيب.

الاخبار العاجلة