تميزت الندوة الدولية حول “المنازعات الإدارية بالدول المغاربية: محاولة لتقييم المسارات”،التي احتضنتها كلية العلوم القانونية والاقتصادي بوجدة،مؤخرا،بكلمة السيد عبد الله الإدريسي،عميد الكلية وهي على الشكل التالي:
“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
– السيد رئيس المحكمة الإدارية،
– السيد رئيس مدير معهد الدراسات الإفريقية،
– السيد رئيس مركز الدراسات الإنسانية والاجتماعية،
– السيد المحترم ممثل المنظمة الألمانية هانس سايدل،
– السيد ممثل اللجنة المنظمة المحترم،
– زملائي رؤساء ومدراء المؤسسات الجامعية،
– السادة الأساتذة والزملاء المحترمين،بمختلف المؤسسات الجامعية المغربية والمغاربية والعربية،
– السادة موظفي الكلية والجامعة الذين ساهموا في إخراج هذه الندوة إلى الوجود،
– السادة المحترمون الفضلاء رؤساء وممثلي منظمات المجتمع المدني،
– الإخوة ممثلو ومراسلو الصحافة الوطنية والجهوية ذات الطابع السمعي والبصري والرقمي والورقي،
– بناتنا الطالبات وأبناؤنا الطلبة بمختلف أسلاكهم وانتماءاتهم وتخصصاتهم العلمية،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أستسمحكم لأتقدم باسمكم جميعا بأحروأغلى التشكرات إلى أولئك الأساتذةالباحثين الفضلاء في مختبر الدراسات والبحوث القانونية والإدارية والسياسية، الذين لبواالدعوة لتنظيم هذه الندوة الدولية حول المنازعات الإدارية، لمحاولة إجراء تقييم علمي لمسارات العدالة المغاربية، رغم ما يحيط بهذه المحاولة من مجازفات تفوق طموحاتنا وقدراتنا البشرية.
ومقتضى هذا الكلام في الحياة العملية، أنه لن يكون بمقدور الباحثينفي هذا السياق، إدراك المغزى الحقيقي لتصريف المنازعات الإدارية وممارسة الرقابة القضائية على أعمال الإدارة بالدول المغاربية بمعزل عن واقعها التاريخي الاجتماعي والسياسي، الذي يستلزم تخصصات متنوعة ومتشعبة.
ولا أحد يجادل في ارتباط وظيفة الفصل في المنازعات الادارية، منذ البداية الأولى للدولة الإسلامية، بمسار السلطنة وبعملية تجسيد الفكر الإسلامي في الواقع العملي، حسبما اقتضته الممارسة الفعلية للأحكام السلطانية. وقد بينت الأحداث المتلاحقة، أن تحديد قيمة وأهمية ومحتوى الشرعية الإدارية، يرتبط بقيمة وجدوى المؤسسات والوسائل والآليات القضائية، منظورا إليها في أبعادها الفكرية وتصوراتها السياسية، ووقائعها التاريخية.
وإذا كانت الأنظمة المعاصرة المناط بها معالجةمنازعات الإدارة بالدول المغاربية، قد نشأت وتطورت في سياق تطور التاريخ الوطني لكل قطر، فإنها لم تكن نتيجة عفوية وميكانيكية للوضع الاجتماعي الاقتصادي، بل يمكن اعتبارها إلى حد بعيد خلاصة للمبادئ والأفكار والتصورات التي تبلورت خلال مرحلة الكفاح من أجل الاستقلالات الوطنية، طالما أن الأجهزة القضائية المكلفة بمراقبة الأنشطة الإدارية، لم تحدث وتتأسس في كل قطر مغاربي، إلا بعد استرجاعه للسيادة الوطنية، وحينذاك استطاعت السلطات التشريعية أن تضع القواعد التي تحكم علاقة الإدارة بالقانون، وتنظم مسطرة إلغاء الأعمال الإدارية وطلب التعويض عنها.
ولذلك نصت دساتير وتشريعات الدول المغاربية، على إقامة أنظمة قضائية لمعالجة المنازعات الإدارية، ولو أن اختياراتها في مجال العدالة الإدارية، جاءت مثقلة بارتهانات الماضي الاستعماري، وتأثرت إلى حد بعيد بالفكر والقانون الإداري الأوروبي، الذي كان عليها أن تكيف مبادئه ونظرياته العصرية مع معطيات واقعها وعاداتها وتقاليدها المحلية، رغم الصعاب والمعيقات.
ولئنكانت الدول المغاربية، عاجزة آنذاك عن أن تتخلص من ظاهرة التقليد والمحاكاة للنماذج الأجنبية، فإن ذلك التوجه في مجمله كان نتيجة طبيعية لطغيان التقليد الثقافي واللغوي والقانوني والسياسي والاجتماعي والسيكولوجي، وهو سلوك رافق تطلع تلك الدول إلى إحداث التنمية وبلوغها، ونفتخر اليوم أن يكون وطننا يسير في اتجاه اختصار المسافات بشكل متميز للاقتراب من هذا الهدف.
وليس غريبا في مثل هذه الظروف، أن تعلن كل البلدان المغاربية ، تشبثها المبدئي بالتصور المعاصر للديمقراطية، وبالمفهوم الحديث للعلاقة بين الإدارة والقانون في إطار لييرالي، بل جعلت منه التزاما دستوريا، رغم تفاوت الخطاب اللفظي لقادتها،بل ذهببعضقادة الدول المغاربية في بداية استقلالها،إلى رفع شعار القطيعة مع الموروث الاستعماري، والتعبير عن إرادتها القوية في إجراء تغيير راديكالي في البنيات الإدارية والقضائية الموروثة. إلا أن الممارسة لم تكن دائما مطابقة لذلك الخطاب السياسي الراديكالي المتحمس.
وهكذا في الوقت الذي نصت فيه كل الدساتير المغاربية على عدد من الحقوق والحريات الأساسية الواجب احترامها، وعلى مبدأ المساواة أمام القانون واستقلال السلطة القضائية، قامت بترجمة الاختيار الليبرالي لمفهوم المشروعية على المستوى الإداري، بإحداث المؤسسات القضائية المختصة بمراقبة أعمال الإدارة، وبالاعتراف بإمكانية طلب إلغائها والتعويض عنها. وقد خضعت هذه الأنظمة لعمليات التطوير والتحديث تدريجيا وعلى مراحل في سياق الإصلاحات المتوالية التي أدخلت على الدساتير والنظم القضائية.
وقد عاشت بلدان أتحاد المغرب العربي فترات انتقالية اضطرارية، اختلف أجلها من دولة إلى أخرى تبعا لاختلاف ظروفها السياسية والاقتصادية وإمكانياتها المادية والبشرية، قبل أن تتخلص من الارث القضائي ونظام المنازعات الاستعماري. وهكذا عمدت إلى تجميد عمل مجلس الدولة ومحكمة النقض الفرنسيين عن مباشرة النظر في المنازعات التي تخص إدارات الدول المغاربية، وعملت على إلغاء المحاكم الفرنسية وحولت ونقلت اختصاصاتها إلى المحاكم الوطنية بمقتضى اتفاقية أبرمت مع تونس في 9 مارس 1957 وفي فاتح يوليوز 1957، وتوجت الاصلاحات التونسية الموالية بإحداث المحكمة الادارية في فاتح يونيو 1972، وبالقانون الموريتاني المؤرخ في 17 يونيو 1961، القاضي بتأسيس المحكمة العليا، وبالقانون المؤرخ في 18 يونيو 1963 المؤسس للمجلس القضائي الاعلى بالجزائر، الذي ترجم البروتوكول الفرنسي الجزائري المبرم في 28 غشت 1962، وبمرسوم إحداث المجلس الاعلى بالمغرب في 27 شتنبر 1957، بعد إبرام اتفاقية التعاون الفني مع فرنسا في 5 أكتوبر 1957، وبمرسوم 10 نونبر 1953 المحدث للمحكمة العليا الليبية، وهو الاصلاح الذي توج بقانون 18 أكتوبر 1958 الخاص بالتنظيم القضائي الليبي.
والملاحظ أن البلدان المغاربية، قد اكتفت بتأسيس محكمة وحيدة لتضطلع بمباشرة المنازعات التي كانت تندرج ضمن مهام مجلس الدولة ومحكمة النقض الفرنسيين. وهي بفعلها ذلك قد قوضت مبدأ الازدواجية الذي يقوم عليه نظام المنازعات الفرنسي، وتمردت عليه بشكل من الاشكال، باستثناء الدولة التونسية التي واصلت العمل بالازدواجية على مستوى هرم نظامها القضائي.
ومنذ العشرية الاخيرة من الالفية الاولى، وبداية العقد الاول من الالفية الثانية، سيشهد نظام المنازعة الادارية بالدول المغاربية، عددا من الاصلاحات التي اقتضتها التحولات العميقة في وظيفة الدولة والادارة والقضاء، وطرحت عليها ضرورة التكيف والاستجابة لمتطلبات التحديث والعقلنة، وتأهيل مؤسساتها القضائية، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، الامر الذي سمح لمعظم البلدان المغاربية بالانقياد وراء الاختيار الفرنسي في تنظيم المنازعة الادارية، رغم التفاوت المسجل بين الخطابات والممارسات الرسمية. لذلك انبرت في نفس السياق، إلى إدخال تغييرات جوهرية على بنياتها القضائية وعلى تشريعاتها المنظمة للمنازعات الادارية والقضاء الاداري.
وهكذا اتجه المغرب إلى إحداث محاكم ادارية في 10 شتنبر 1993، وتلاه إحداث محاكم استئناف إدارية ومحكمة للنقض حلت محل المجلس الاعلى. واتجهت تونس منذ 1996 إلى استكمال نظامها المتعلق بالمنازعات الادارية بإحداث مجلس لتنازع الاختصاص وتوزيع المهام بين المحاكم العدلية والمحكمة الادارية وعملت على تنقيح قانونها المتعلق بالمحكمة الادارية وبالنظام الاساسي لدائرة المحاسبات لسنة 2001. كما اتجهت الجزائر إلى إحداث مجلس للدولة ومحاكم إدارية في 30 مايو 1998، ومحكمة للتنازع في 3 يونيو 1998، دون أن نتأكد من تفعيلها.
وباعتبار ماتقدم، تتطلع هذه الندوة الدولية إلى فحص عدد من القضايا العلمية المتصلة بتطبيقات مبادئ العدالة الإدارية، ومن أهمها وأعقدها على الإطلاق، ما يتعلق بتنظيم عملية البت والفصلفي منازعات الإدارة، وتقييم وظيفة وأداء الأجهزة القائمة بها، وقيمة اجتهادها، وإنتاجها من الأحكام في بعض المجالات والمناحيالتي سيتم تناولها بالدراسة، حسب مقتضيات البرنامج الذي سيوزع عليكم.
وعليه، فهذهالندوة تسعى بكلمة مغايرة، لتقييم أنظمة الرقابة القضائية المغاربية على الإدارة، وتحري مدى أصالة الاختيارات التنظيمية، بمنظورتقييم السياسات العدلية، والتساؤل عما إذا كانت تلك الاختيارات تشكل في حد ذاتها، الحلول الوحيدة الممكنة لإقرار دولة الحق والقانون، وهل تستجيب تلك الاختيارات لشبكة المعايير الرئيسية التي ارتكزت عليها الأنظمة القضائية العريقة في البلدان العصرية؟ وما هي الجذور التي تستمد منها أصالتها؟ وما هي العوامل السياسية والفنية والتاريخية التي تحكمت في هذا الاختيار النسقي، وما هي مجهودات التطوير أو التحوير التي لحقتها؟ لتحوير أو تحسين مسارها؟ وهل تندرج تلك المجهودات ضمن سياسة واستراتيجية محددة؟
ويقتضى الأمر هنا، جوابا على التساؤلات المطروحة، التعرض للمبادئ الفكرية والتنظيمية والضرورات السياسية العملية التي تحكمت في تنظيم البنيات القضائية المغاربية المكلفة بمنازعات الإدارة، والتساؤل في سياق رصدنا لأجوبة موضوعية، عن الخلفيات البعيدة لعملية تكييف وملاءمة المنازعات الإدارية مع نظام وحدة القضاء؟ وما هي محددات ذلك الاختيار؟ وكيف كان السبيل إليه؟ فهل تم حل مشكلة الاختصاص بتوظيف مبدأ وحدة القضاء، أم تم توظيف مبدأ الفصل بين السلطات لتقييد سلطة القضاء؟ أم تم توظيفهما معا لتحقيق أغراض تتعارض مع المبادئ الأصيلة أو التصور الأصيل الذي ينبني عليه المشروع السياسي الثقافي الإصلاحي التحديثي في الفضاء المغاربي؟
لقد شكل تنظيم المنازعة الادارية في النظام الفرنسي القديم والجديد كما تعلمون، ذلك الرهان السياسي الاساسي بين السلطة والمحاكم، الذي اتخذ أبعادا سياسية واجتماعية وقانونية وفكرية، طالت المشروع المجتمعي بكامله ومركز ومكانة القاضي فيه. ورغم المناقشات العميقة والاصلاحات المتوالية بعد الثورة، فإن اختصاص الادارة العاملة بالمنازعات الادارية لم يتغير، وتم توظيف مبدأ الفصل بين السلطات لاستبعاد رقابة المحاكم العادية على نشاط الادارة، فتحول المبدأ إلى فصل بين الهيئات الادارية والهيئات القضائية.
وكان لاتصال بلدان المغرب العربي بالاستعمار مناسبة لإثارة العديد من الاشكالات المشابهة، المتصلة بتأسيس القضاء الاداري العصري وتنظيم الاختصاص بالمنازعات الادارية، وتكييف أنظمته في ضوء وعلى مقاس ما قررته السياسة الادارية والقضائية الكولونيالية في فترات متلاحقة، انطلقت من سنة 1830 باستعمار الجزائر وجرفت، تونس والمغرب وليبيا وموريتانيا في طريقها، وانتهت في سنة 1962 مع حصولالجزائر على الاستقلال، وهي أطول فترة استعمار عاشها هذا القطر جعلته يعيش مرحلة استلاب سياسي وثقافي وارتهان تاريخي ونسقي لا زال يعاني منها إلى حد الآن. وقد تعمق عن طريق تنقيل المقتضيات التشريعية في فترات متلاحقة في سياق إجراء التبادل الثقافي وعمليات التلاقح بين الانظمة والقوانين الوطنية والاجنبية، بصورة طوعية أو تحت ظروف فرضتها العديد من الاكراهات.
وفي نفس السياق، عمل الاجتهاد القضائي بدول المغرب العربي على تنقيل واستيراد المبادئ الفرنسية للمسؤولية الادارية، سواء بإقرار استقلاليتها عن المسؤولية المدنية أو بتأسيسها على الخطأ أو على فكرة المخاطر بمختلف أنواعها ومجالاتها، واقر القضاء التدرج في المسؤولية الخطئية وميز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي، ورتب على ذلك نتائج على مستوى إسناد الضرر وتطبيق قواعد القانون.
وقد لوحظ بأن نظام وحدة القانون ووحدة القضاء وازدواجية القواعد المنظمة للمسؤولية المدنية والادارية، قد أربك في حقبة ما، القضاة بدول المغرب العربي، والمغاربة والتونسيين على وجه الخصوص، حيث انتابتهم الحيرة والاغتراب، وتمزقت شخصيتهم في البحث عن الحلول الملائمة للواقع المحلي في مقابل انشدادهم العميق إلى الحلول والمبادئ التي قررها مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة التنازع بمناسبة البت في قضايا ذات صلة بالواقع الميتروبولي، مما أضطرهم إلى التقليد والمحاكاة وتنقيل الحلول الفرنسية دون التأكد من ملاءمتها. وعلى هذه الندوة اليوم ينطرع البحث في ثقل تلك المواقف، ومدى التخلص من استمراريتها. وعلى المداخلات التي خصصت ضمن برنامجهذه الندوة لموضوع المسؤولية الادارية أن تقوم بتقييم هذا المسار القضائي لتبرهن لنا عن استقلالية المبادئ القضائية المغاربية للمسؤولية الادارية عن باقي المبادئ القضائية المقارنة.
وكان حرمان المواطنين المغاربيين من منازعة الإدارة عن طريق طلبات إلغاء قراراتها، إحدى الثغرات العميقة للنظم الاستعمارية، وإن مجالس الادارة والمجالس القضائية التي مد العمل بها إلى الجزائر وكذا الاعتراف للمحاكم القضائية بالنظر في منازعات الادارة في باقي الدول، لم تحقق الغرض كاملا بحكم التواءات أحكامها، وإن كانت قد وفرت نسبة من الامن القضائي لفائدة الاجانب المقيمين ببلدان المغرب العربي.
لذلك كان على الدول المغاربية، التي وجدت نفسها في مواجهة تحديات ثقل الماضي وارتهاناته، أن تسمح بتمديد العمل جزئيا بالتشريعات السابقة على الاستقلال، مع العمل على إحداث أجهزة قضائية عليا ومختصرة لتلبية حاجة مواطنيها إلى قضاء الالغاء، لذلك كانت خطابات قادتها تتراوح بين رفع شعار القطيعة وشعار الاستمرارية في نفس الوقت، وقد لخص بصورة ذكية في الدعوة السياسية إلى إقرار مبدأ الاستمرارية والتغيير الذي يشكل في الحقيقة الاختيار الموضوعي والواقعي والمشترك بين كل قادة الدول المغاربية.
حقيقة إن تلك الخطابات، حاولت خلق تماسك اجتماعي وسياسي بالبحث عن صيغ فكرية توافقية لتأطير تناقضات المجتمعات المغاربية، لكن تصريفها الميداني كشف على المستوى القضائي عن ثقل الواقع التاريخي الموروث وصعوبة التخلص منه دفعة واحدة، وبدون تدرج.
وقد لعبت الروابط المختلفة مع الدولة الفرنسية، والاكراهات العملية ذات الطابع الفني والمالي والبشري، دورا مهما في مواصلة العمل بأنظمة وأنماط التعاطي مع المنازعات الادارية مع إدخال الاصلاحات والتجديدات اللازمة عليها تدريجيا وعلى مراحل. وقد اتخذت في هذا السياق تدابير متفاوتة الاهمية لتوحيد وادماج المحاكم وتعريب القضاء والعمل على تأسيس مجالس ومحاكم عليا للنظر في مشروعية القرارات الادارية وفي نقض الاحكام الصادرة عن المحاكم الدنيا في المجال الاداري او النظر فيها استئنافيا، مع الاكتفاء بتأسيس أنظمة قضائية وسطية تحافظ على وحدة القضاء وتعمل على تركيزه(مع استثناء تونس التي اختارت المحكمة الادارية في بداية الاستقلال) .
وتقييما لوظيفة القضاء الاداري المغاربي وتحديدا لطبيعتها الرقابية ومداها وقيودها، من حيث تحليل التوجهات التشريعية والقضائية المتعلقة بتعريف وبتنظيم منازعات القرارات والعقود الادارية وتحديدصلاحيات الجهات ذات الاختصاص بمباشرتها، نتطلع إلى تركيز المداخلات المبرمجة في هذه الندوة على مقابلة منطلقات الخطاب السياسي المغاربي بنتائجه وتمظهراته على المستوى التشريعي والقضائي، مع محاولة مقاربة العقد الاداري من الناحية المعيارية، ووزن وتقييم السياسة القضائية لمحاكم دول المغرب العربي في شأن القرارات ذات الصلة بالعقود الادارية ومنازعاتها، وكل ذلك إعمالا لمنهج تحليلي مقارن.
ومن القواسم المشتركة بين التشريعات المغاربية، اتجاهها إلى اسناد الاختصاص لبعض محاكمها بالنظر في منازعات الصفقات والعقود الادارية، صراحة أو ضمنا، دون أن تقدم تعريفا لها أو تمييز الادارية منها عن تلك التي تخضع للقانون المدني، وتركت الاجتهاد القضائي مهمة البحث في شروطها ومعاييرها، وكذا المبادئ التي تحكم القرارات المتصلة والمنفصلة عن عملية إبرامها وتنفيذها وإنهائها، الامر الذي خضع لتنوع المجالات المدروسة والمتنازع حولها وبخصوصيتها المغاربية. وصلة بهذا الموضوع ينبغي على هذه الندوة، المساهمة في تمييز النظرية المغاربية للقرارات المنفصلة عن النظريات الاجنبية، وترتيب النتائج عليها فيما يتعلق بتوزيع الاختصاص.
وإذا كان تحديد حقل المنازعة الادارية ومجالاتها، يرتبط بموضوع الدعوى الادارية ومفهوم الشأن الاداري، فإن القوانين المغاربية لم تتعرض للمنازعة الادارية بالتعريف الشامل والدقيق، ولم تحدد الاختصاص القضائي بشكل حاسم لتأمين شفافية سير العدالة الادارية ووضوح وبساطة مساطرها. وحيث إن توظيف المعايير لا يؤدي بالضرورة إلى تطابق المنازعة الادارية وقواعد الاختصاص القضائي، فإن الامر والحالة هذه جعل القاضي المغاربي في مواجهة صعوبات وتعقيدات ناتجة عن ازدواجية القوانين المطبقة، الامر الذي أعطى الفرصة لبروز اجتهادات قضائية مغاربية متناقضة فيما بينها، ولو كانت أحيانا مطابقة للخصوصية القانونية والقضائية لكل دولة مغاربية.
وحيث شكلت وحدة القضاء وفصل المنازعات من جهة أخرى، القاعدة العامة المهيمنة على الانظمة القضائية المغاربية لما بعد الاستقلال، وحيث كان ينبغي أن يقابل استقلال المنازعة الادارية عن المنازعة العادية، وجود قانون مستقل للإجراءات أو المساطر الادارية، وهو أمر لم يقع، فقد أدى إدماجها بقوانين المسطرة المدنية إلى تعقيد قواعد الترافع وإرباك المتقاضي وتعميق اغترابه بتمويه مسارات التقاضي.
ومطلوب منا بهذه المناسبة تشخيص الواقع القانوني وتحليل الاجتهاد القضائي وتقييم وقعه وانعكاساته على مسارات العدالة المغاربية، وعلى مستوى عملية تبسيط التقاضي وضمان شفافيته، للوصول إلى صياغة مقترحات تستجيب لمطالب القضاء والمتقاضين، من حيث ضمان البت في الملفات والمنازعات دعما للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحريرا للاستثمار.
وإذ أسجل بكل ابتهاجدقة اختيار الاساتذة الباحثين لعناوين مداخلاتهم، المندرجة ضمن محاور هذه الندوة، التي يقترن تنظيمها، مع تعيين جلالة الملك لأعضاء المجلس الاعلى للسلطة القضائية، فإن ذلك لا يزيدني إلا ثقة بان تفعيل دستور 2011، سيقوي من سلطة واستقلالية القضاء المغربي، على المنازعات الادارية، وهو ما نتمناه لقضاء باقي الدول المغاربية.
كما تكبر ثقتي بكون المتناظرين فيهذه التظاهرة، سيعملون على مناقشة وتحليل العديد من الإشكاليات التي تعترض مختلف مناحي سلطة القضاء المغاربي على المنازعة والنشاط الاداري، وسيخلصون إلى بلورة جملة من الحقائق والمسلمات وسيعملون على صياغة التوصيات ذات الفائدة الأكيدة بالنسبة لتطوير الرقابة على الفعل الاداري المغاربي، وايجاد الحلول الملائمة لفك منازعاته.
وفقكم الله جميعا لما فيه خدمة البحث العلمي ولما فيه خير هذه المؤسسة، من أجل تحسين ترتيبها على المستوى الوطني والدولي.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.
اعداد:حساين محمد