الملتقى العالمي للتصوف ينطلق السبت المقبل وهذا هو جديد دورته الحادي عشر

Mohammed7 ديسمبر 2016آخر تحديث :
الملتقى العالمي للتصوف ينطلق السبت المقبل وهذا هو جديد دورته الحادي عشر

_dsc0736
تنظم الطريقة القادرية البودشيشية بشراكة مع المركز الأورو متوسطي لدراسة الإسلام اليوم “CEMEA”، بمناسبة الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف، الملتقى العالمي الحادي عشر للتصوف في موضوع: “التصوف وثقافة السلام؛ رؤية إسلامية كونية لترسيخ قيم التعايش والسلم الحضاري”، وذلك أيام: 10-11-12 ربيع الأول 1438هـ، الموافق لـ 10-11-12 دجنبر 2016، بمقر الزاوية القادرية البودشيشية بمداغ نواحي بركان.
وللتوضيح أكثر يقول الدكتور مولاي منير القادري بودشيش،حفيد شيخ الطريقة:” يتمحور موضوع الملتقى العالمي لهذه الدورة حول قضية هامة يطرحها الحال الإنساني المعاصر بقوة ألا وهي قضية السلام، وذلك بالنظر لما أصبح يعرفه العالم اليوم من اختلالات وضرب في هذا المكون الجوهري والحيوي المؤسس للمعيش الإنساني في جميع أبعاده؛ نفسيا واجتماعيا ودوليا، فقد أصبح موضوع السلام من القضايا الكبرى الحساسة والمؤرقة التي تقض مضجع المجتمعات الإنسانية المعاصرة؛ بالنظر إلى ما آلت إليه الأوضاع في العالم برمته، وما أضحى يشهده من أحداث متسارعة تضرب وتعصف بكل معالم السلم والسلام والتعايش، فبتنامي ثقافة العنف والصراع التي أصبحت تهيمن على الذهنيات، غذى العالم اليوم يموج في سلسلة لا متناهية من التحديات والتهديدات التي تهدد الاستقرار والسلام العالميين، وما الاحتدام الخانق والحروب والصراعات التي نشهدها اليوم سوى دليل على مدى التهديد الذي باتت تفرضه هذه المنظومة المهزوزة في تكريسها لثقافة العنف، بحيث تزلزلت العلاقات الإنسانية، وأصبح إنسان اليوم أقرب إلى العنف والصراع منه إلى التعايش والسلام؛ وذلك بفعل ما يستند إليه من ثقافات وقناعات تغدي لديه جوانب العنف، وانهيار وتكسر منظومة القيم التي تدعوه وتوجهه نحو التعايش والتعاون.فأمام الانتشار الواسع والمهول لثقافة العنف التي أصبحت تعصف بكل مقومات التعايش الإنساني، وما يترتب عليها من آثار ونتائج مدمرة على أرض الواقع، ما أحوجنا إلى نشر ثقافة السلام؛ لتحصين المجتمعات من كل معالم العنف وسلوكياته، والحد من وتيرة الصراعات والتطاحنات التي أصبحت تفتك باستقرار المجتمع الإنساني، وأضحت تشكل تهديدا حقيقيا على مستقبل البشرية، وذلك بإشاعة قيم التعارف والتعايش والسلم والسلام، وفق منظور مشترك يقوم على التكامل والوحدة الإنسانيين. فبدون هذا، لا يتأتى الحديث عن تفعيل حقيقي وواقعي للسلام، فكما أن انتشار العنف يأتي انطلاقا من تنامي المغذيات والمبررات التي يستند إليها نفسيا وعقديا وفكريا، والتي تشكل في مجموعها المحددات الكبرى لثقافة العنف، فكذا إن نحن أردنا الحد من انتشار مظاهر العنف، علينا أولا الحد من هذه المغذيات والمبررات، وتوجيه الإنسان إلى التشبع بثقافة السلام والتحلي بقيمها في كل أحواله، فسلوكاتنا إنما هي نتيجة لما نحمله من قناعات، ومن ثم لا سلام إلا بنشر ثقافة السلام والترويج لها على نطاق واسع، فالذي لا يحمل ثقافة السلام لا يمكن أن يعيش السلام وأن يترجمه في سلوكه وواقعه”.
ولا تخفى الأهمية التي يتبوؤها السلم والسلام في إشاعة معالم التقدم والنماء، لما يترتب عليه من نتائج تنعكس آثارها على كل مستويات الحياة الإنسانية، ومن ثم لم يكن عبثا دعوة الإسلام ـ ومن قبله الديانات السماوية ـ إلى تفعيل القيم الداعمة والمحققة له، فالإسلام هو دين السلام بلا منازع، خلافا لما نراه اليوم من تنامٍ لظاهرة الإسلاموفوبيا التي تحاول أن تعطي صورة قاتمة ومشوهة عن الإسلام وربطه بالتطرف والإرهاب، فأقل نظر في التعاليم الإسلامية يكشف الترابط الوثيق بينها وبين السلام، لما تحمله من قيم السلم والتعايش والتسامح، وهذا من المقاصد الكبرى التي أرادها الله تعالى من كل الشرائع السماوية، فالله هو السلام، وأبغض شيء إليه عز وجل الظلم والاعتداء على الغير بغير وجه حق وإرهابه وترويعه، ومن ثم حرم كل ما من شأنه أن يهدد مقومات الحياة، ودعا في مقابل ذلك إلى كل معالم الخير والإحسان التي ترسي دعائم السلم والسلام، كقوله تعالى: ﴿ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم﴾(فصلت:34). وقوله: ﴿وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما﴾(الفرقان:63)، وقد كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم النموذج والقدوة في تمثل هذه المعالم، إذ كان داعيا ورسولا للسلام عبر ما حمله من قيم الحلم والرحمة للعالمين، فعلى الرغم مما تعرض له من مظاهر الإذاية كان يحلم ويعفو ويصفح، للنقاء الروحي الذي يحمله، وقد رأينا كيف أن الصحابة بدورهم أصبحوا بفعل تزكيته صلى الله عليه وسلم دعاة ورعاة للسلام وللتعايش بعد أن كانوا يفتعلون الحروب والصراعات لأتفه الأسباب.
ولما كان التصوف من أكثر العلوم اشتغالا بعنصر التزكية والبحث في نوازع النفس وأمراضها وعللها والعمل على توجيهها إلى فضائل الأخلاق ومكارم الصفات، كان لذلك من أكثر العلوم الإسلامية ترسيخا وتثبيتا لقيم السلم والسلام والتعايش، وقد استطاع بما يحمله من مقومات قيمية وسلوكية وروحية أن يقدم معالم هادية في هذا الباب، ويرسم صورة مشرقة عن روح التسامح والتعايش التي يحملها الإسلام، وذلك بالتمثل القويم للمنهج المحمدي القائم على الرحمة والرفق والمحبة لكل الناس. ويكمن تميز المنهج الصوفي وخصوصيته في تأسيسه لمعالم السلام انطلاقا من العمل الجوهري والعميق الذي ينهجه في بناء الشخصية الإنسانية، عن طريق تخليصها من نوازع الشر والكراهية والحسد وحب السيطرة، وتحليتها في مقابل ذلك بقيم التعايش والسلام والرحمة للعالمين، وبهذا فقد وضع الأسس والمقومات لبناء إنسان السلام الذي يسهم بأخلاقه في التأسيس للسلم في كل أبعاده الواقعية، فهي دعوة عملية وسلوكية للسلام، خلافا للدعوات النظرية التي تبقى أبعد ما تكون عن التفعيل والتنزيل، فالعالم اليوم يعرف زخما كبيرا وتراكما هائلا للدعوات والنظريات المتعلقة بالسلام، ومع ذلك لا نرى تفعيلا عمليا لهذه الدعوات. من هنا، ما أحوجنا إلى استلهام هذا البعد السلوكي والعملي الذي يقدمه التصوف باعتباره يمثل مقام الإحسان في الإسلام لترسيخ قيم التعايش والسلام، على كل المستويات؛ نفسيا، وأسريا، واجتماعيا، واقتصاديا، وبيئيا، وحضاريا، فما لم ينصلح حال الإنسان لا ننتظر إصلاحا للواقع بكل أبعاده ومناحيه؛ مصداقا لقول الله تعالى: ﴿لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾(الرعد:11).
لقد استطاع المغرب في ظل ما عرفه من تميز لهذا المكون الروحي الذي طبع ممارسته الدينية أن يقدّم نموذجا حضاريا متميزا كان له دور هام وفاعل في إشاعة روح السلم والسلام، ولا يخفى الدور التأطيري الكبير الذي اضطلعت به مؤسسة الزاوية في هذا الشأن؛ لما رسخته في النفوس من قيم سلوكية راقية كان لها الأثر الكبير في إشاعة قيم التعايش والتسامح واحترام الغير، فأعطت بذلك نماذج إنسانية متميزة أسهمت بشكل واضح في تنزيل ثقافة السلام وتفعيلها على أرض الواقع، عبر رؤية تكاملية وحدوية امتزجت فيها سائر مكونات الهوية الدينية والوطنية للمغرب، مما أعطى الفرادة والقوة والتميز لهذا النموذج الحضاري الذي كان وما يزال مثالا يُحتذى في نبذ كل أشكال العنف والتطرف وإشاعة قيم المحبة والتعايش والسلم والسلام واحترام سائر المكونات الحضارية.
إن مؤسسة الملتقى العالمي للتصوف وإذ تختار موضوع هذه الدورة الحادية عشرة، فلأجل الحساسية التي أصبح يتبوؤها موضوع السلام ضمن المنظومة الدولية؛ حيث أصبح من ضمن الأسئلة القلقة التي تشغل الرأي العام العالمي، بفعل ما أصبح العالم يموج فيه اليوم من صراعات وصدامات تهدد الأمن والسلام العالميين، وكذا بسبب التنامي المهول لثقافة العنف باختلاف مبرراتها وتجلياتها النفسية والاجتماعية والحضارية، لذا فقد أرادت المؤسسة بطرقها لهذا الموضوع أن تستجلي وتبرز المقومات التي يحملها التصوف في تأسيسه لثقافة السلام وترسيخه لقيم التعايش والتفاعل الإنسانيين، واستجلاء روح الإسلام السمحة الداعية إلى السلام في ظل احترام كل المكونات الحضارية. وتسعى هذه الدورة للملتقى العالمي للتصوف كذلك إلى إبراز المسؤوليات التي يتحملها المسلم في عصرنا الحالي للتحلي بأخلاق الإسلام؛ بما فيها قيم التعارف والرحمة والسلم والسلام، في نفسه، ومع محيطه القريب، ومع الآخر باختلاف جنسه ولونه وثقافته ودينه، سواء في البلدان الإسلامية، أو في باقي الأقطار، ليصبح الإسلام ببعده الروحي والأخلاقي نموذجا عمليا وحياتيا مسهما في العيش المشترك ومؤسِّسا للسلم الحضاري على أساسٍ من المحبة والوئام والسلام.
وتتركز محاور الملتقى العالمي للتصوف في هذه الدورة حول المحاور الآتية:
* ثقافة السلام: المفهوم والدلالات.
* ثقافة السلام في الإسلام: المقومات والتجليات.
* ثقافة السلام وأبعادها النفسية والاجتماعية والحضارية
* التصوف وثقافة السلام: نماذج تاريخية
* ثقافة السلام وتفعيل الدبلوماسية الروحية
* التصوف والسلام الأخضر
* ثقافة السلام ودورها في ترسيخ قيم الجمال
* ثقافة السلام ودرء آفة العنف والتطرف عن الإسلام
* ثقافة السلام وأبعادها الاقتصادية والتنموية في الإسلام
* ثقافة السلام وترسيخ قيم التعايش والسلم الحضاري
* ثقافة السلام وبناء المشترك القيمي والحضاري للشعوب
* ثقافة السلام ودورها في حوار الأديان.
هذا، وتعلن مؤسسة الملتقى العالمي للتصوف عن تنظيم جملة من الأنشطة الموازية لموضوع الملتقى والمتفاعلة معه؛ من بينها منتدى الشباب الباحثين في العلوم الإنسانية وتحقيق التراث والذي سيتركز موضوعه لهذه السنة حول “البحث العلمي في التراث الصوفي بالمغرب: المنجز والمأمول” وسيضم مجموعة من المطارحات العلمية حول واقع وآفاق البحث العلمي في التراث الصوفي دراسة وتحقيقا. بالإضافة إلى “منتدى البيئة” في دورته الثانية؛ والذي سيضم مجموعة من الجلسات الإيكولوجية Ecologiques)’(Les Assises Musulman de l التي ستبرز أهمية البيئة في الإسلام، وتحسس بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على إنسان اليوم في احترام هذا المكون الحيوي والمصيري، وذلك موازاة مع احتضان المغرب ل Cop22. إلى جانب إطلاق فعاليات القرية التضامنية )illage solidairev( التي دأبت مؤسسة الملتقى على تنظيمها، والتي ستتركز حول تكوين جمعيات وتعاونيات المنطقة الشرقية حول الاقتصاد التضامني والاجتماعي وتحفيز الاقتصاد الأخضر بحضور خبراء من المغرب وأوروبا. بالإضافة إلى تنظيم دورة تكوينية للصحافيين المحليين في تقنيات التواصل والكتابة الصحافية وإعداد التقارير. هذا، بالإضافة إلى تنظيم معرض عام يضم عددا من الأروقة؛ منها رواق خاص بالكتب الإسلامية تضمن كتب حول الفكر الإسلامي والتراث الأخلاقي والصوفي. ورواق الخط العربي (يتضمن ورشة في الأبعاد الجمالية والروحية للخط العربي). ورواق خاص بالزوايا والطرق الصوفية بالمنطقة الشرقية. بالإضافة إلى رواق مخصص لقبائل بني يزناسن (يضم كل ما يتعلق بتاريخ هذه القبائل وجهادها ورجالاتها من كتب وصور ومخطوطات). ورواق أنشطة كشفية الطريقة بأروبا. وأنشطة الطريقة القادرية البودشيشية بأروبا (فرنسا- بلجيكا – إسبانيا).
كما تعلن مؤسسة الملتقى، تشجيعا منها للباحثين والمبدعين الشباب، عن تنظيم مسابقة الملتقى، والتي ستعرف هذه السنة تنظيم مسابقتين؛ الأولى مسابقة علمية حول إعداد مقالة في موضوع “الإسلام
وثقافة السلام”، والثانية مسابقة شعرية في المديح النبوي، وستقدّم جوائز قيمة للمتفوقين الثلاثة الأوائل في كل مسابقة مع شواهد تقديرية.
وأخيرا، فإن مؤسسة الملتقى العالمي للتصوف، وإذ تختار موضوع هذه الدورة؛ فسيرا على النهج الذي رسمته لنفسها في طرق المواضيع ذات الصلة المباشرة بحال الإنسان ومعالجة أسئلته وقضاياه الآنية، وفتح المجال أمام الباحثين من مختلف المجالات والحقول المعرفية لمباحثتها ومدارستها وتقديم وجهات النظر حولها، وستعرف هذه الدورة، كسابقتها، مشاركة مكثفة لعدد كبير من الباحثين والعلماء من داخل المغرب وخارجه من مختلف أنحاء العالم؛ من أجل التداول والتباحث في خلفيات قضية السلام والتعايش من وجهة نظر إسلامية صوفية.
حساين محمد

الاخبار العاجلة