الورقة التقديمية
يعتبر العقد من أهم المؤسسات القانونية التي حظيت باهتمام منقطع النظير من لدن الفقهاء والمهنيين، حيث كان ولا يزال موضوع عدة منازعات قضائية وهو أمر طبيعي باعتباره عصب الظاهرة الاقتصادية، ففضلا عن كونه توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني، فهو صراع مصالح اقتصادية يتحقق عنده نوع من التوافق باعتباره أداة للتداول الاقتصادي.
إن حياة الأشخاص تقتضي القيام بالكثير من التصرفات القانونية ذات الطابع اليومي والمتكرر، وذلك من أجل إشباع رغباتهم في شتى المجالات. ولعل أهم ما يميز هذه الرغبات هو حب التملك والذي يفرض القيام بما هو واجب لأجل نيله والمحافظة عليه.
ويعتبر عقد البيع كمؤسسة قانونية من أهم التصرفات التي يلجأ إليها الأفراد في حياتهم العملية، وقد أولاه المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة عناية خاصة لكونه يحتل القسط الأكبر في المعاملات اليومية للأشخاص، وقد عرف المشرع المغربي عقد البيع في الفصل 478 من قانون الالتزامات والعقود بأنه “عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للآخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الأخير بدفعه له”.
وفي هذا الصدد فقد بلور الفكر القانوني عدة أشكال من التعاقدات لمواجهة كل الظروف المحتملة بين المتعاقدين، ومن ضمنها نجد عقد التخصيص، العقد الابتدائي، التعاقد بالعربون، والوعد بالبيع، ويقصد بهذا الأخير:
” عقد يقوم على الإيجاب والقبول يلتزم فيه أحد الطرفين أو كلاهما بأن يبرم في المستقبل عقدا بالبيع في الظروف وحسب الشروط التي يحددها الواعد. فهو عقد يلتزم به أحد الطرفين أو كل منهما نحو الآخر بأن يعقد البيع الموعود به متى أظهر الموعود له رغبته خلال المدة المتفق عليها”.
وباستقراء الواقع العملي يتبين أن الوعد بالبيع في مجال البيوعات العقارية أصبح يلعب دورا مهما في مجال العقار، فالتصرف في الأموال العقارية كان هو السبب في ظهوره إلى الوجود، إذ إنه غالبا ما يتفق أطراف الوعد بالبيع العقاري على التزام الواعد بإبرام العقد النهائي، وذلك متى أبدى الموعود له رغبته في الشراء داخل الأجل المحدد مما يمكنه من حقه الشخصي تجاه الواعد.
وبخصوص المرجعية التاريخية لهذا النوع من التصرفات، فإنه لا نكاد نجد له أثرا في القانون المغربي، فالمشرع المغربي لم ينص على مقتضيات خاصة بهذا التصرف، وإنما اكتفى بالإشارة إليه في نصوص متفرقة ومتناثرة لا تعدوا أن تشكل النظرية العامة للوعد بالتعاقد، وذلك عكس التشريعات المقارنة كالتشريع المصري الذي نظم الوعد بالتعاقد (المادة 101 من القانون المدني المصري) والمشرع الفرنسي الذي نظم الوعد بالبيع (المادة 1589 من القانون المدني الفرنسي).
إن التركيز على الوعد بالبيع في المجال العقاري من حيث الاجتهادات القضائية المعتمدة دون باقي المجالات الأخرى، لا يعكس اختلافا بين أحكام الوعد بالبيع حسب المحل الذي ينصب عليه بل هو تخصيص وتركيز فرضته كثرة العقود المتعلقة بالوعد بالبيع في المجال العقاري، ودوره في دعم الائتمان العقاري وكذا أهمية المحل الذي ينصب عليه الوعد المذكور في الحياة الاقتصادية وأثر كل ذلك على تداول الملكية العقارية، خاصة أمام المناداة بتعديل تشريعي للمادة الرابعة من القانون رقم 39.08 بمثابة مدونة الحقوق العينية قصد إقرار الرسمية في الوعود بالبيع المنصبة على العقارات.
إذن انطلاقا من هذا السياق وما يمكن أن يتمخض عن الموضوع من إشكالات، يمكننا القول أن الإشكالية الأساسية والجوهرية التي ستكون موضوعا للنقاش في هذا اليوم الدراسي تتمحور فيما يلي:
ما مدى قدرة الأحكام العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود على ضبط أحكام الوعد بالبيع العقاري سواء في الشق المتعلق بانعقاده أو الآثار الناجمة عنه؟ وإلى أي حد استطاع الاجتهاد القضائي المغربي بلورة حلول فعالة لتجاوز تعقيدات الواقع العملي؟
أمام هذه الإشكالات ارتأى مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية تنظيم يوم دراسي بتاريخ 14 أكتوبر 2022 ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال بمقر مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة.