الدكتور منير القادري يبرز أهمية الوقت في حياة المسلم والمجتمع

9 مايو 2021آخر تحديث :
الدكتور منير القادري يبرز أهمية الوقت في حياة المسلم والمجتمع

اعداد:حساين محمد
شارك رئيس المركز الأورو المتوسطي لدراسة الإسلام ورئيس مؤسسة الملتقى الدكتور منير القادري، السبت 1 ماي 2021، في الليلة الرقمية الواحدة والخمسين، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع مؤسسة الجمال، ضمن فعاليات ليالي الوصال ” ذكر وفكر في زمن كورونا”، بمداخلة حملت عنوان ” أهمية الوقت في حياة المسلم والمجتمع”.


أشار في بدايتها الى أننا نعيش اليوم في عالم تتسارَعُ فيه الأحداثُ، وتُطْوَى فيه صفحاتُ الزمن، حيث لا نكادُ نشعرُ بوقْتِنا كيف يمرُّ وفيما نقضيه، وأن ذلك يجعلنا في أمَسِّ الحاجة إلى تنظيم أوقاتنا والاستفادة منها بما يعود علينا بالفوز في امتحان الدنيا وفلاح في الآخرة.
وأضاف أن الوقت نعمة من نعم الله تعالى، أقسم الله به في قرآنه، موردا قول الفخر الرازي في تفسير قسم الله تعالى بالوقت في قوله سبحانه: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، واعتبر ان “الدهر والزمان في جملة أصول النعم؛ فلذلك أقسم الله به، ولأن الزمان والمكان هما أشرف المخلوقات عند الله، كان القسم بالعصر قسمًا بأشرف النصفين من ملك الله وملكوته”.
وزاد أن الإسلام حث على استثمار الوقت بما يعود بالخير، ونهى عن إضاعته، مذكرا بأقوال عدد من سلف الأمة وعلمائها، منها قول الحسن البصري -رحمه الله-: “يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يومٌ ذهب بعضك”.
وأكد أن وقت الإنسان وَجَبَ أن يكون لله وبالله، مستشهدا في هذا الصدد بمجموعة من الاحاديث النبوية، منها ما جاء عن أبو بَرْزَة الأسْلَمِي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ)، رواه الترمذي.
واضاف أن الوقت كما هو نعمة من نعم الله فإن له بركة، ثمرة معنوية غيبية من ثمرات العمل الصالح، يحقق الله بها الآمال، ويدفع السوء، ويفتح بها مغاليق الخير من فضله، واستطرد أنها ثبوت الخير الإلهي في الشيء؛ فإنها إذا حلت في قليل كثرته، وإذا حلت في كثير نفع، مستشهدا بقوله سبحانه وتعالى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف:96).
ولفت الى أن في السنة النبوية مثال ومنهاج لكل مسلم حتى يقتدي به ويسير على أثره، مستشهدا بالحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنكُمُ اليومَ مِسْكِينًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ ).
وأكد على أنه يجب على العبد أن لا يُكّرِسَ الوقت في ما يلهيه عن ذكر الله تعالى والعبادات والطاعات، مذكرا بقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون: 9)، وأورد مجموعة من أقوال الصحابة والتابعين منها قول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود- رضي الله عن -: “ما ندمتُ على شيءٍ ندَمِي على يومٍ غربَتْ شمسُه اقتَرَب فيه أجلي ولم يزدَدْ فيه عَمَلِي”، وقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “الجنَّة درجات، متفاضلة تفاضلاً عظيماً، وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات: بحسب إيمانهم، وتقواهم”.
واستعرض المحاضر مجموعة من الأسباب التي تُعين وتساعد المسلم على حسن تقدير قيمة الوقت وحفظهِ، أولاها محاسبة النفس وتذكّر الموت، وثانيها صحبة الصالحين و تربية النفس على علوّ الهمة، وثالثها تنويع ما يُستثمر فيهِ الوقت، ورابعها إدراك بأنّ الوقت الضائع لا يعود.
ونبه رئيس مؤسسة الملتقى الى أن مشكلتنا الأساسية ليست في عدم وجود وقت كاف لتحقيق ما نريد فعله، وإنما في عدم استغلالنا الوقت بشكل أمثل وصحيح لعمل ما يجب عمله، مذكرا بقوله صلى الله عليه وسلم “بادروا بالأعمال سبعًا، هل تُنْظَرون إلا إلى فقر مُنسٍ، أو غنىً مُطْغٍ، أو مرضٍ مُفْسِد، أو هرم مُفْنِد، أو موت مُجْهِز، أو الدَّجال فشرٌّ غائبٌ يُنتظَر، أو الساعة؟ فالساعةُ أدهى وأمرُّ”، وأورد ما جاء عن الدكتور حامد أبو طالب، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، عن دور إدارة الوقت في صناعة الحضارة، “تبدأ صناعة الحضارة من حرص أفرادها على احترام الوقت كقيمة حضارية”.
وشدد الدكتور القادري على أن إدارة الوقت بشكل فعَّال تستحيل في ظل انعدام وجود أهداف أو أولويات أو خطط يومية، مشيرا الى أن التخطيط من المنظور الإسلامي هو إعمال الفكر في رسم أهداف مشروعة، مع تحديد الوسائل المتاحة وفق الموارد المباحة شرعًا، وبذل الطاقات في استثمارها؛ لتحقيق الأهداف في أقل وقت ممكن، مع تعليق النتائج بقضاء الله وقدره.
وأضاف أن الاستفادةُ من الوقت هي التي تحدِّد الفارقَ ما بين الناجحين والفاشلين في هذه الحياة، وان السِّمةُ المشتركة بين كل الناجحين هي قدرتُهم على الموازنة ما بين الأهداف التي يرغبون في تحقيقها، والواجباتِ اللازمة عليهم، وهذه الموازنةُ تأتي من خلال إدارتهم لأوقاتهم.
وزاد أن أهمية الوقت، واستثماره، وإدارته تتفاوت من شخص إلى آخر، ومن مجتمع إلى مجتمع، ومن بيئة إلى بيئة، بحسب مدى إدراك معنى الحياة وعناصرها، وحسب مدى الارتقاء العقلي والحياتي والمعيشي.
ونوه الى أن للوقت عند الغرب قدسية عجيبة واحترام كبير، وأنهم لهم انضباطا عجيبا في مواعيد المواصلات و عمل الإدارات و الأعمال …، مرجعا ذلك الى أن الغرب أدرك قيمة الزمن، واستثمره في نهضته، فكان ذلك سبب تقدمه، وبالمقابل تخلفنا نحن بسبب إهدار الوقت، وإضاعته فيما لا يفيد، وعدم الاحتياط والتخطيط للمستقبل، بل ومقاومة التغيير و إن كان للأفضل.
وشدد على أهمية تأهيل العامل البشري -خصوصا فئة الشباب- وتكوينه على أهمية الوقت وقيمته في جميع المشروعات على اختلافِ أنواعها كأداةٍ فَعَّالة للاستغلال الأمثل للطاقة الإنسانية، وتوظيفها لتحقيق الفعالية الإدارية، ورفع مستوى الكفاءة والإنتاج، عبر تكوين الشباب على مهارات سلوكية تنمي لديهم القدرةَ على تعديل سلوكهم، وتغيير بعضِ العادات السلبية في حياتهم؛ لتدبير الوقت واستغلاله الاستغلال الأمثل، عملا بالحديث الشريف رواه الحاكم في المستدرك ، عن أبن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ : شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ).
وأبرز مجموعة من فوائد إدارة الوقت وتنظيمه على الصعيد الشخصي، منها حسن التعامل مع الحياة وعناصرها، وكذا فاعليةِ الإنجاز، إضافة الى عدمِ تراكم الأعمال أو تقليل تراكمها وإنجازِ قدرٍ أكبرَ من الأعمال والمهمات بالمقارنة مع حالة الإنجاز دونما تنظيمٍ للوقت، دون اغفال ضمانِ العدالة في توزيع الوقت بين النفس والأهل، والأصحاب والأعمال.
وأما بالنسبة لفوائد إدارة الوقت على الصعيد العام، فأشار الى احترامَ أوقات الناس، والاستفادة القصوى منها لصالح الأمة، وعدم ذهاب بعض الأوقات هدرًا دونما فائدة، وزيادة الدخل وتحسين مستوى المعيشة لدى الناس، وذلك بأن يكون أداء المسؤولين والعاملين في القطاع العام مُثمرًا وفعَّالاً.
وأضاف أن الوقت يشكل ليس فقط ثروةٌ للفرد المسلم؛ وإنما هو ثروةٌ وطنية، فيه الإنجاز، وفيه البناء الحضاري الذي يحفظ للأمة كيانها ووزنها، وأنه من هذا المنطلق، ما يهمّ ليس الماضي ولا المستقبل، وإنّما اللحظة المتاحة لنا مع كلّ ما تنطوي عليه من احتمالات.
وعلق على مقولة أهل التحقيق “الصوفي ابن وقته”، ” بأن ظاهره مع النّاس، باطنه مع اللّه أي أنه مشتغل بما هو أولى به في الحال، يتدبر قوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).
ونبه الى أن زمن وجود الإنسان على الأرض هو اختبار رباني يريد منا أن نقوم خلاله بما يرضيه وبما يساعد على بناء الإنسان وتحسين حياته، والتغلب على الأمراض، والقضاء على الفقر والحاجة، مؤكدا على أن الله خلق الإنسان لعمارة الأرض وللفائدة والخير، مذكرا بقول يحيى بن معاذ “إضاعةُ الوقت أشدُّ منَ الموت؛ لأنَّ إضاعةَ الوقت انقطاعٌ عن الحقّ، والموتُ انقطاعٌ عن الخلق”.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن التربية الاحسانية العرفانية على يدي الشيخ المربي تقوم على غرس القيم ومكارم الأخلاق والثبات في مجاهدة النفس والمواظبة على الأذكار، حتى تجعل من شباب الوطن أناس يحترمون نعمة الوقت، مراقبين الله في أنفسهم وأوقاتهم، مما ينعكس استثمارا مفيدا على المجتمع ككل، مشيرا الى أن ذلك يأتي تماشيا مع الخطاب الملكي السامي لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لثورة الملك والشعب، موردا مقتطفا من خطاب جلالته: “وها نحن اليوم ندخل في ثورة جديدة لرفع تحديات استكمال بناء المغرب الحديث، وإعطاء المغاربة المكانة التي يستحقونها، وخاصة الشباب، الذي نعتبره دائما الثروة الحقيقية للبلاد” و قوله في ذات الخطاب” إن قضايا الشباب لا تقتصر فقط على التكوين والتشغيل، وإنما تشمل أيضا الانفتاح الفكري والارتقاء الذهني والصحي”.

الاخبار العاجلة