اعداد:حساين محمد
خلال مشاركته السبت 01 غشت 2020 في الليلة الافتراضية الرابعة عشر، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية بشراكة مع مؤسسة الملتقى ومؤسسة الجمال، تناول الدكتور منير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى ورئيس مركز المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، في مداخلته موضوع ” التصوف وقيم المواطنة”.
أبرز في بدايتها أن الغاية من اختيار هذا الموضوع هو مناقشة كيف يمكن للقيم الروحية أن تنتج مواطنة إنسانية فاعلة ميزتها النفع والصلاح.
موضحا أن الحديث عن المواطنة هو حديث عن جوهر في الإنسان، وأن المحافظة على الأوطان والحرص على الاستقرار فيها وعدم الخروج منها من الفطرة، مذكرا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن وطنه الأم مكة المكرمة: “مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلْدَةٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي منك، ما سكنت غيرك “.
وأكد أن القيم المعاصرة تتجاوب بدرجة كبيرة مع رصيد قيمنا الروحية التي نادي بها ديننا الإسلامي الحنيف، والتي تجعل من المواطنة فعل أخلاقي قبل أن تكون سلوكا اجتماعيا أو سياسيا.
وأضاف أن تأطير وتربية أفراد المجتمع على قيم المواطنة، وتعهد بذرة الوطنية المتجذرة في أعماقهم حتى تزهر مواطنة قائمة على القيم الأخلاقية ومنفتحة على الإنسانية، لا يمكن أن يتأتى الا بواسطة التربية الروحية المنبثقة من روح الدين الإسلامي الحنيف، مشيرا إلى أن التربية الصوفية تثمر بأبعادها الروحية وأخلاقها العالية السامية، مواطنا صالحا لمجتمعه، مندمجا في وطنه الأصلي وفي العالم الذي يتواصل ويتفاعل معه.
وبين أن التصوف لا يقوم على إقصاء الأخر وإهمال قيمه وتجاهل خصوصياته، كما أنه ينمي الارتباط بالأوطان أصلية كانت أو مهاجرا إليها، ليصير مواطنا منتجا في مختلف مناحي الحياة مسهما في بناء أسس المواطنة الكاملة، مبرزا أن الإصلاح في الممارسة الصوفية مبني على معنى روحي يتميز بالتوجه إلى جوهر الإنسان ليزيل عنه العوائق المثبطة وينصرف إلى خدمة الصالح العام.
وأشار إلى أن المدارس الصوفية في المغرب لعبت أداورا طلائعية في تأمين حاجيات المجتمع الروحية، بل وحتى الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية، حيث حافظت على وحدة البلاد السياسية من خلال وطنية صادقة تدافع عن حوزة الوطن والذود عن ثغوره، و أنها أنتجت علماء أثروا الثقافة المغربية في شتى العلوم فضلا عن اشتغالها بشتى أشكال التضامن الاجتماعي .
وأوضح أن المواطنة هدف ووسيلة، لأنها هي الوازع الذي يمكن أن يكون أساسا للعيش المشترك الكريم والآمن والحر، موردا مقتطفا من خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله في تطوان بتاريخ 20 غشت 2004 : “بيد أن الوطنية التي تمثلت بالأساس، بالنسبة لجيل التحرير، في مقاومة الاستعمار القديم، تقوم بالنسبة لأجيالنا المعاصرة، على التعبئة الشاملة وتحرير الطاقات، لمكافحة المعضلات الصعبة للامية والفقر، وبطالة الشباب، واتساع التفاوتات الاجتماعية والمجالية، وكسب رهانات التحديث الديمقراطي، والرفع من مستوى التنمية البشرية، والانتاج الاقتصادي، والنهوض بالاجتهاد الفكري، والابداع الفني”.
وأضاف أن المواطنة لا تنحصر في الشكليات والمظاهر، بل هي فهم شامل يضمن تحقيق التقدم والتنمية، موردا مقتطفا من ذات الخطاب الملكي السامي “إن المواطنة التي نريدها، لا ينبغي أن تختزل في مجرد التوفر الشكلي على بطاقة تعريف أو جواز سفر، وانما يجب أن تجسد في الغيرة على الوطن، والاعتزاز بالانتماء إليه، والمشاركة الفاعلة في مختلف أوراش التنمية، التي فتحناها، وطنية كانت أو جهوية أو محلية، وتوسيع اشعاعه العالمي “.
ونبه الى أن تفعيل قيم المواطنة الحقة يكون بتطوير منظومة التعليم وبناء الأسرة المستقرة ودعم التلاحم الوطني، وتحفيز وتمنيع الشباب، وإنجاح أوراش دعم دولة الحق والقانون، وإبراز معالم التضامن الاجتماعي وحماية الوحدة التربية.
وأكد أن الطريقة القادرية البودشيشية باعتبارها زاوية صوفية تؤمن بضرورة قيامها بواجبها الديني والوطني، النابع من إيمانها الراسخ بثوابت المملكة والالتفات حول مقدساتها الوطنية وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والمساهمة في بناء المواطنة وتحقيق الامن الروحي للمغرب، وكذا في إصلاح الفرد حتى يمثل بلده أينما كان بقيم السلم والأمن، سفيرا للقيم الإنسانية الروحية النبيلة.