الإصلاح العميق والشامل وانتهاج الحكامة الأمنية وإدماج مفهوم حقوق الإنسان لنجاعة وفعالية مواجهة التحديات الأمنية الكبيرة وحفظ النظام وحماية أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم عناوين الذكرى 63 لتأسيس الأمن الوطني.
إعداد : عبد الرحيم باريج
تحتفل أسرة الأمن الوطني،يوم الخميس 16 ماي الجاري،بالذكرى 63 لتأسيسها،التي تشكل مناسبة للاحتفاء بمؤسسة وطنية أثبتت يقظتها ومهنيتها العالية،ولاستحضار الدور المهم لرجال الأمن في الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين.وقد تمكنت هذه المؤسسة،التي تأسست في 16 ماي عام 1956،من أن تحظى باحترام وتقدير كافة المغاربة،فضلا عن الشركاء الدوليين في مجال التعاون الأمني مع المملكة،بالنظر لما أبانت عنه من نجاعة وفعالية في مواجهة التحديات الأمنية الكبيرة،وحفظ النظام،وحماية أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم،وما تتمتع به من مهنية كبيرة وحس عال في الالتزام والتضحية في سبيل الثوابت والقيم المقدسة للأمة،تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
ولعل النجاعة التي برهنت عليها مؤسسة الأمن الوطني في ميدان الوقاية وتفكيك شبكات الإرهاب والإجرام،وبسرعة فائقة خلال الأعوام الماضية،خاصة من خلال تدخلاتها الاستباقية،خير دليل على ذلك.وبالنظر إلى الدور المهم الذي تضطلع به أسرة الأمن الوطني،تم إصدار ظهير شريف سنة 2010 مكن المديرية العامة للأمن الوطني من نظام خاص بغية تحسين الظروف المهنية والمادية والاجتماعية لأسرة الأمن الوطني،من خلال الزيادة في الأجور وتعزيز وتطوير الخدمات الاجتماعية.وينص هذا الظهير الشريف،في مادته 26،على الخصوص،على إحداث مؤسسة للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني تهدف إلى تقديم العون لمنخرطي المؤسسة من أجل اقتناء مساكن أو بنائها،وإحداث منشآت لتقديم خدمات اجتماعية متنوعة.
وقد حرصت مؤسسة الأمن الوطني،على الدوام،على تطوير آليات عملها،وتقنيات تدخلها،وتوسيع نطاق مجالات الحضور الميداني،وتطوير مناهج التكوين وتأهيل العنصر البشري وحسن تدبير الموارد البشرية.ومن بين التحولات التي عرفتها هذه المؤسس،ة خلال الأعوام الأخيرة،هناك تدعيم الموارد البشرية بالعنصر النسوي،الذي أصبح يتقلد مسؤوليات ومهاما أبانت فيها المرأة عن قدرات متميزة وكفاءات عالية،كما اعتمدت في مجال تطوير مناهج التكوين على تعزيز دور الشرطة التقنية والعلمية،وتقريب مصادر الخبرة من الشرطة القضائية في مكافحة الجريمة.وقد أدرجت المديرية العامة للأمن الوطني،خلال الأعوام الأخيرة،مادة حقوق الإنسان ضمن قائمة المواد الأساسية التي أصبحت تدرس في معاهد ومدارس الشرطة بغية الرقي والرفع من كفاءة رجال الأمن ومؤهلاتهم المهنية،من أجل تحديث تكوين الأطر الأمنية وتأهيلها وملاءمة التصور المعرفي والمنهجي لنظم البحث الدولية.وتعتبر مؤسسة الأمن الوطني عضوا بالمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (أنتربول)،كما تشارك بفعالية في المؤتمرات الإفريقية والعربية والدولية من أجل تعزيز أواصر التعاون بين المغرب وباقي شركائه في مجال تبادل التجارب والمعلومات في مجال مكافحة الجريمة الدولية بكافة أنواعها.
وتحيي أسرة الأمن الوطني،في ذكرى تأسيسها،احتفالات بمختلف المناطق الإقليمية للأمن بجهات المملكة،يتم خلالها إبراز العناية التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لأسرة الأمن الوطني،والدور الحيوي الذي يضطلع به رجال الأمن في السهر على أمن وطمأنينة المواطنين،فضلا عن الإنجازات التي تحققت في مجال الحفاظ على الأمن.كما تشكل هذه الذكرى مناسبة لدراسة السبل التي من شأنها جعل المؤسسة قادرة على مواكبة التطور المستمر الذي تعرفه المملكة في مختلف المجالات.
ومن أبرز عناوين الإستراتيجية الأمنية الجديدة للمديرية العامة للأمن الوطني التي تم تطبيقها عام 2018 في كل ولايات الأمن،الإصلاح العميق والشامل للنظام الشرطي وانتهاج حكامة أمنية جيدة،وإدماج مفهوم حقوق الإنسان في العمل الشرطي من خلال تكييف عمل وحدات الشرطة مع الطلب العمومي في مجال الأمن،ومع التحديات الجديدة التي تفرضها التهديدات الإجرامية،ومع موجبات وضرورات حماية حقوق الإنسان.
ووضع المخطط المرحلي لمديرية الأمن لعامي 2017 و2018 هدف تعزيز مفهوم الأمن المواطن،عبر الانتقال من الأمن كمرفق إداري إلى الأمن كمؤسسة خدماتية،ومن الأمن كقوة عمومية إلى الأمن كحق أساسي من حقوق الإنسان.وتبني مقاربة متطورة لمفهوم شرطة القرب،تقوم على إعطاء دينامية جديدة للخط الهاتفي 19،الذي يستقبل تبليغات المواطنين،وتغيير منظومة شرطة النجدة،وتقليص الحيز الزمني للتدخلات الأمنية في الشارع العام.كما تمت مراجعة تصميم وهندسة بنايات ومقرات الأمن،والتي روعي فيها توافر خصائص الأمان الواجبة في البنيات الأمنية الحساسة،وتيسير الولوج إلى الخدمات الأمنية.هذا كله مكّن خلال عام 2018 والأعوام التي سبقته تحت إدارته العامة الحالية،من إرساء دعائم أساسية للحكامة الجيدة في التدبير المالي والإداري،وتمتين آليات النزاهة والتخليق،وبناء قدرات الموظفين،ما انعكس إيجابا على جودة الخدمات الأمنية،وساهم في الرفع من جاهزية وفعالية المصالح العملياتية للأمن.
وإحداث الفرق الجهوية الجديدة للأبحاث والتدخلات،إضافة إلى الفرق المركزية للتدخل التي تختص بالتدخل في الأزمات الأمنية وفي القضايا الإجرامية الكبرى.إضافة إلى إحداث العديد من الوحدات والفرق الأمنية المتخصصة،والمجموعات النظامية لحفظ الأمن،كخلق فرق للاستعلام الجنائي والدعم التقني على المستوى الوطني،مهمتها تجميع وتحليل المعطيات ذات الطابع الإجرامي واستغلالها في دعم الأبحاث الجنائية.وتعزيز الشعور بالأمن لدى المواطنين والمقيمين والزائرين،ومكافحة التهديدات المتنامية للظاهرة الإجرامية،كهاجس أول لإستراتيجية شمل الإصلاح البنيوي التنظيمي لجهاز الشرطة فيها الصورة العامة للشرطي كذلك.
إستراتيجية شاملة ومندمجة لتطوير البنيات الشرطية وتجويد خدماتها والرفع من جاهزيتها في جميع مستويات العمل الشرطي.وعنوانها الأبرز يتمثل في الإصلاح العميق والشامل للنظام الشرطي،من خلال انتهاج حكامة أمنية جيدة،تراهن على تكييف عمل وحدات الشرطة مع الطلب العمومي في مجال الأمن،ومع التحديات الجديدة التي تفرضها التهديدات الإجرامية،ومع موجبات وضرورات حماية حقوق الإنسان.
وفي سياق ذلك،تم تبني مقاربة متطورة لمفهوم شرطة القرب،حيث تم إحداث العديد من الوحدات والفرق الأمنية المتخصصة،والمجموعات النظامية لحفظ الأمن،في خطوة إستباقية،هاجسها الأول تعزيز الشعور بالأمن لدى المواطنين والمقيمين والزائرين،ومكافحة التهديدات المتنامية للظاهرة الإجرامية،والإصلاح العميق والشامل للنظام الشرطي،لم يقتصر فقط على الإصلاح البنيوي أو التنظيمي،بل امتد ليشمل الصورة العامة للشرطي،سواء الذي يعمل في الشارع العام أو في مراكز الحدود أو في مختلف المرافق والوحدات الأمنية،وذلك باعتباره خط التماس الأول مع المواطن،وكذا الأجنبي السائح أو المقيم.مراجعة امتدت لتشمل تصميم وهندسة بنايات ومقرات الأمن،والتي روعي فيها توافر خصائص الأمان الواجبة في البنيات الأمنية الحساسة،وتيسير الولوج إلى الخدمات الأمنية.وأولت المديرية العامة للأمن الوطني أهمية قصوى لبناء وتأهيل العنصر البشري،المؤهل لتجسيد صورة الأمن وبسط سلطة القانون،من خلال اعتماد ميثاق جديد للتوظيف والتكوين الشرطي،يرتكز أساسًا على القطع مع جميع أعمال الغش في الامتحانات،وتدعيم آليات الشفافية والنزاهة في الاختبارات.وكسبت المديرية العامة للأمن الوطني رهان “الأمن المواطن في مخططها المرحلي لعامي 2017 و2018،”،عبر الانتقال من “الأمن كمرفق إداري إلى الأمن كمؤسسة خدماتية”،ومن الأمن “كقوة عمومية إلى الأمن كحق أساسي من حقوق الإنسان”،التي اعتبر عبد اللطيف الحموشي بأنه “لا سبيل للتمتع بالحقوق والحريات من دون نعمة الأمن،ولا سبيل لإرساء الأمن والاستقرار من دون احترام حقوق الإنسان”.
وحرصت المديرية العامة من هذا المنظور،على تبسيط وتجويد الخدمات الأمنية التي توفرها للمواطنين المقيمين داخل أرض الوطن،وكذا لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج،مراهنة في ذلك على التقليص من آجال إصدار الوثائق والسندات الإدارية،وتأمينها عبر إدراج معايير أمان بيومترية تفاديًا لتزييفها،فضلاً عن تيسير مسطرة الولوج إلى قائمة هذه الخدمات.
وسعت الإستراتيجية الجديدة إلى الانفتاح على مختلف العلوم والتقنيات الحديثة،وكذا تعزيز بناء القدرات المعرفية،وتدعيم ثقافة احترام حقوق الإنسان في مناهج التكوين المخصص لموظفي الأمن الوطني.واقتضت رفع مدة التكوين من 20 شهرا إلى 24 شهرا بالنسبة إلى “عمداء الشرطة”،وعام ونصفر “ضباط الشرطة”،وعاما كاملا “مفتشي الشرطة”،فيما تتراوح مدة تكوين “حراس الأمن” ما بين 6 و 8 أشهر.وترتكز بشكل أساسي على تعزيز المؤهلات المهنية للمتدربين،من خلال إحداث فصول دراسية جديدة في مجالات علمية مختلفة،من قبيل الشرطة العلمية والتقنية،والجريمة الاقتصادية والمالية،والجرائم المعلوماتية،فضلا عن التدريب على حالات عملية لبعض الأحداث النظامية الكبرى.بهدف تطوير أداء رجالها وتمكينهم من تقنيات كسب رهان التحديات التي يفرضها التهديد الإرهابي والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.وأولت أهمية بالغة للبرنامج اليومي للمتدرب داخل مختلف مرافق المعهد الملكي للشرطة،وذلك من خلال الرفع من السقف الزمني المخصص للتربية البدنية،وتأهيل مرافق الإيواء،وتحسين جودة التغذية،وتوفير الخدمات الطبية الضرورية،بالإضافة إلى اعتماد مساطر دقيقة وآليات بيداغوجية لضمان التدبير الأمثل والمعقلن للحياة اليومية للمتدربين.وتوطيدًا لمفهوم الإنتاج المشترك للأمن،تبنت مصالح الأمن الوطني تبنت سياسة تواصلية أكثر انفتاحًا على محيطها الخارجي،وأكثر تفاعلاً مع طلبات المجتمع المدني،وأكثر تجاوباً مع وسائل الإعلام،إيماناً منها بأن الأمن بقدر ما هو مكسب جماعي فهو أيضا تكلفة جماعية،واقتناعاً منها كذلك بأن التدبير الرشيد والمندمج لقضايا الأمن هو المدخل الأساسي لإرساء الحكامة الأمنية الجيدة.
وكانت مبادرة ولاية أمن وجدة في إحدى المقابلات الرياضية للمولودية الوجدية بعد تميّزها في أداءها الأمني وقربها من المواطن المتفرج،حيث قام رجال ونساء ولاية أمن وجدة بتوزيع الرايات المغربية الصغيرة على المتفرجين الذين رسموا بهم لوحات فنية رائعة داخل مدرجات الملعب الشرفي بوجدة،وهو فعل مواطن لشرطة مواطنة.وبالمناسبة،وجب على المديرية العامة المواطنة بشراكة وتمويل من الجامعة المعنية والنوادي الرياضية المستضيفة لمقابلات البطولة الوطنية في جميع أقسامها،تأدية تعويضات عن الساعات المتعبة والمرهقة الكثيرة (من صباح يوم إجراء كل المباريات الرياضية إلى ساعات أخرى بعد انتهائها)،زيادة على تَفرّغ أعضاء اللجان الأمنية الخاصة بفرق البطولة الوطنية الاحترافية لتجويد عملها المهم والضروري للأمن الرياضي،وما ذلك على إدارة وخبرة الشرطي الأول بعزيز.
للإشارة،فقد سبق اختيار عبد اللطيف الحموشي ضمن “ال50 شخصية إفريقية الأكثر تأثيرا”،لنجاعة وفعالية إستراتيجيه في العمل الأمني والسياسة الأمنية المتبعة وطنيا،وكذا في ما يخص امتدادها إقليميا ودوليا،مما جعل زملاءه الأوروبيين والأمريكيين يثنون عليه في أكثر من مناسبة،على حرفيته وحرفية أطر المؤسستين الأمنيتين،اللتين يديرهما بكتمان تام.ونكران الذات وتحمل المسؤولية والنجاعة هي العناصر التي رجحت كفة حارس الدولة الأمين بامتياز،والمعروف أنه ذو تكوين قانوني بجامعة فاس،ثم لاحقا في القنيطرة حيث تعلم الأبجديات الأمنية،ليصير ضابطا ثم عميدا للأمن عام 1993،ليتحول إلى العمل المخابراتي كموظف في المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني،إضافة إلى تخصصه في دراسة وتتبع كل جديد عن “الإسلام الراديكالي”،قبل أن توكل إليه،نهاية عام 2005،مهمة رئاسة جهاز أمني حساس،هو المديرية العامة لمراقبة التراب المدني وبعدها أضيف له منصب المدير العام للأمن الوطني.وهو المسؤول الشغوف بعمله إلى درجة “الإدمان”،قائد أوركيسترا أمنية من نوع خاص،فرض إستراتيجية أمنية فعالة ونافذة لمكافحة الإرهاب،أضحت تعرف ب”النموذج المغربي في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة”،أهم عنصر فيها هو العنصر البشري الكفء،والمتوفر في مختلف المصالح الأمنية التي يديرها،ولذلك كانت النتيجة هي تفكيك عشرات الخلايا “الإرهابية”،وتقديم المساعدات الأمنية والإستخباراتية للعديد من المؤسسات الأمنية الأجنبية.زيادة على أن كفاءته النادرة واضطلاعه بمهام إستراتيجية وليس بالتدبير اليومي خوَّلا له الجمع بين منصبين حساسين جدا لتنزيل الإستراتيجية الأمنية الجديدة عنوانها الشمولية خاصة مع اقتراب إحداث المجلس الأعلى للأمن.