اذا كنا نصبو الى احترام استقلال القضاء الذي رفعه الدستور الى درجة سلطة مستقلة قائمة الذات ، والحرص على حماية الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور ،وضمان شروط المحاكمة العادلة المنصوص عليها دستوريا ، والتمسك بطرق الطعن ،وسلوك مسطرة العفو الخاص متى تحققت شروطه والذي يمارسه جلالة الملك طبقا للفصل 58 من دستور 2011 والذي يمحو العقوبة كاملة او ما تبقى منها مع الإبقاء على الصبغة الجرمية للفعل الذي ارتكبه الجاني ، فإن المزايدات بخصوص العفو العام الذي يمحو وينزع الوصف الجرمي عن افعال مجرمة أصلا بمقتضى القانون الجنائي والذي يختص به نص تشريعي ،تطرح اكثر من سؤال ،ان لم تسائل ذوي الاختصاص حول جدوى تجاهل البعض للنص الدستوري بشأنها ، وإطلاق سلسلة من المبادرات ان لم نقل تحديات بل ابتزازات ان صح التعبير ، خصوصا لما نعلم انه سبق لبرلمانيين ان تقدما بمقترح قانون تم إيداعه بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب يهدف تكوين لجنة وإصدار عفو شامل عن كل الأفعال المرتبطة باحتجاجات الريف في تجاهل تام للمقتضيات الدستورية ،ثم تلاه توقيع عريضة من طرف أزيد من سبعة آلاف موقع ، تطالب بإصدار قانون عفو عام على المدانين في قضايا حراك الريف تطبيقا لمقتضيات الفصل 71 من الدستور ،
ولعل تقديم مقترح قانون في هذا الشأن او تقديم عريضة في نفس المنحى لتنم اما عن جهل او تجاهل للنصوص ، او تحديات لا ترقى الى درجة الاعتبار ، او مزايدات سياسوية ألفها المواطن تهدف دغدغة المشاعر والركوب على بعض الوقائع والأحداث من اجل التموقع على حساب سيادة القانون وحماية النظام العام ، ذلك انه بالرجوع الى الفصل 49 من الدستور يتبين جليا ان المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك هو الذي يتداول في العديد من مشاريع القوانين منها مشروع قانون العفو العام ، وبالتالي لا مجال للقول بانه يكون موضوع مقترح قانون يتقدم به البرلمانيون ، ومن باب أولى لا يمكن إطلاقا ان يكون موضوع عريضة او ملتمس في مجال التشريع ، على اعتبار انه مشروع قانون يتداول فيه المجلس الوزاري ولا حتى مجلس الحكومة تحت رئاسة رئيس الحكومة ، وبالتالي لا يمكن باي حال من الاحوال ان يتم تقديم مقترح قانون بشأنه ،
صحيح ان البرلمان القوي ينتج ديموقراطية قوية وان الفصل 78 من الدستور خول للحكومة ولأعضاء البرلمان حق التقدم باقتراح القوانين ، لكن مشاريع القوانين التي يتداول فيها المجلس الوزاري ومنها مشروع قانون العفو العام ، او مشروع مراجعة الدستور او مشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري ، او غيرها المحددة في الفص 49 فانها لا تكون موضوع مقترحات ،وبالتالي لا يمكن ان نصبو الى بناء دولة الحق والقانون ولا نتمسك بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل ،وقد جاء في الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الثامنة بتاريخ 2011/10/14 ما يلي: “إننا حريصون على أن تعكس المؤسسات الجديدة روح ومنطوق الدستور، وأن تجسد طموحنا الجماعي في انبثاق هيئات نيابية وتنفيذية ناجعة: عمادها برلمان قوي معبر عن الإرادة الشعبية الحرة، يمارس صلاحياته التشريعية الحصرية والرقابية الواسعة وينهض بدوره الفاعل في المجال الدبلوماسي خدمة للقضايا العادلة للأمة، وفي طليعتها قضية وحدتنا الترابية” ولعل السلطة القضائية وبالرغم عن استقلالها عن السلطة التنفيذية والتشريعية فان مهامها تتناغم مع تيارات الدولة المتمثلة في حماية امن ومقدسات البلاد ومؤسساتها الدستورية وحقوق وحريات جميع المواطنين متهمين او ضحايا ، بغض النظر عن انتمائهم ، دون تأثير او تدخل من شأنه الانحراف بالأحكام عن مبادئ العدالة والإنصاف .
الاستاذة سليمة فراجي