لم يكن الملك الراحل الحسن الثاني يجلس القرفصاء أمام جماعة من الفقهاء والعلماء والحاضرين من رجالات الدولة، ينصت للدروس الحسنية، التي قام بإحيائها منذ 1963، فقط بل كان أيضا يرتدي جبة عالم الدين، ويتحول من ملك إلى فقيه يلقي بدوره الدرس الحسني في رمضان..
وحدث أن فاجئ الملك الراحل، الذي وافته المنية في يوليوز 1999، المغاربة وجمهور العلماء الحاضرين في الدروس الحسنية خلال رمضان، بالإعلان عن كونه هو من سيقدم الدرس الحسني، وكان ذلك مرتين، الأولى في دجنبر 1966، والثانية في غشت 1978، حيث مكث في مكانه، واستقبل الحضور ليلقي درسه مرتجلا في أغلب الأحيان.
وبحسب مصادر واكبت تلك الدروس الحسنية التي ألقى فيها الملك الراحل محاضرته الدينية بنفسه، فإن الحسن الثاني لم يستعن بورقة يتلو منها درسه، كما يفعل العديد من الفقهاء الذين يحضرون لتلك الدروس، بل فضل أن يتحدث بسجيته وبشكل مرتجل، مفسرا الآية القرآنية، أو شارحا الحديث النبوي موضوع الدرس.
وفي أحد أيام دجنبر من سنة 1966 ارتأى الملك الراحل أن يتحول إلى فقيه وعالم دين يلقي درسا حسنيا أمام كبار العلماء الحاضرين، بثقة نفس مذهلة، يقول مصدر حضر ذلك الدرس لهسبريس، مضيفا أن الحسن الثاني كان استعد قبل الدرس بتحضير محاوره، لكنه لم يلجأ إلى التلاوة من ورقة مكتوبة.
وأورد المصدر أن كل من كان حاضرا في ذلك المجلس الديني اندهش لقرار الملك الراحل بأن يأخذ الكلمة بنفسه، ويلقي درسا فقهيا أقحم فيه رؤيته الشخصية للموضوع قيد النقاش، بخصوص حديث مراتب تغيير المنكر، بين اليد واللسن والقلب، وكان مقنعا إلى حد كبير في ما طرحه من شروحات”.
واستفاض الملك الراحل في شرح معاني الحديث الذي اعتبره مؤشرا على ما يسمى اليوم في الحياة السياسية بمبدأ فصل السلطات، ذلك أن تغيير المنكر باليد برأيه هو من اختصاص الحاكم، ومن يقوم مقامه من حكومة ومؤسسات دستورية، فدورها تغيير المنكر بالتدابير التي تحدثها لإصلاح المجتمع وإزالة المفاسد فيه.
وتحدث الملك الراحل عن مفهومه لتغيير المنكر باللسان، بالقول في ذات الدرس الحسني أنه يعود إلى الوسائل الحديثة، مثل الهاتف أو البرقية أو الراديو، أو مخبرو السلطات المحلية، بينما التغيير بالقلب، هو الاقتداء بأخلاق وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، من خلال النزاهة والأمانة.
وأما في درس 1978، فقد قدمه الملك الراحل بنفسه أمام جمع من العلماء ورجال السياسية والدبلوماسية، بخصوص شرح الحديث الصحيح بقول الرسول عليه الصلاة والسلام “إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، فقال الصحابة “كيف إضاعتها يا رسول الله، قال “إذا أسند الأمر إلى غير أهله انتظر الساعة”.
وحضر لذلك الدرس الذي ألقاه الملك الراحل علماء دين مغاربة كبار قيد حياتهم، من طينة العلامة عبد الله كنون، والمكي الناصري، ورحالي الفاروقي، وآخرون، فاستهل الملك درسه بالاستعانة بمعينه في مجال السياسة، حيث تطرق إلى رؤيته لما سماه “الساعة السياسية”، على غرار يوم الساعة أي القيامة.
ومما قاله الملك الراحل في ذلك الدرس الحسني المشهود “علم الساعة بيد الله سبحانه وتعالى حصرا، ولكن الله أشار في الآيات القرآنية إلى أمور، حتى لا نقع في ساعات بشرية هي بيدنا، في انتظار الساعة الكبرى، وهي الساعة الكونية”، مضيفا أن “الساعة أنواع، ساعة اجتماعية وساعة أخلاقية، وساعة كونية.
هسبريس ـ عبد المغيث جبران