كلمة رئيس النيابة العامة بمناسبة أشغال المؤتمر 30 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب بمدينة فاس أيام: 18-19-20 أبريل 2019
تحت شعار: *من أجل تشريع يحقق الولوج المستنير إلى العدالة*
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب؛
حضرات السادة النقباء؛
السيدات والسادة المحامين الأعزاء؛
حضرات السيدات والسادة؛
منذ ما يزيد على نصف قرن رأت جمعية هيئات المحامين بالمغرب النور سنة 1962 في خضم الحماس الوطني الذي أعقب حصول بلادنا على استقلالها، وما تلا ذلك من مساهمة ثلة من المحامين الأفذاذ والقضاة البررة في صنع الإنجاز الكبير، الذي استكملت به بلادنا السيادة الوطنية في مجال العدل والقضاء، عن طريق توحيد ومغربة وتعريب القضاء سنة 1965. هذا الإنجاز الذي أنهى نظام العدالة ، الذي كان سارياً خلال فترة الحماية، القائم على سرعتين واحدة للأجانب والأخرى للمغاربة.
ويشكل مؤتمركم اليوم فرصة تجعلنا نقف بإكبار وتقدير للفعاليات الوطنية التي صنعت بتفان ومسؤولية وعصامية ووطنية صادقة هذا الإنجاز بالغ الأهمية، وعميق الدلالة. سائلين المولى تعالى أن يتغمد برحمته من قضى نحبه، ويبارك في عمر أولئك المؤسسين ومن بينهم من ما يزال يواصل أداء رسالته في بناء صرح العدل والقضاء على هدي تلك المبادئ.
وهي لحظة تدعونا لشحذ الهمم ومُظافرة الجهود، من أجل تحقيق الانتقال الدستوري العظيم للسلطة القضائية المستقلة الذي نعيشه جميعا خلال هذه الفترة. والتي يسجل التاريخ مدى مساهمتنا فيها، لتقرأه الأجيال القادمة .. إن التاريخ لا يَنْسى .. كما أن المواقف الصادقة تفرض نفسها على كتاب التاريخ، فتؤرخ لنفسها دون حاجة لبلاغة المؤرخين. ولذلك علينا نحن، أبناء هذا الجيل من مكونات العدالة جميعا، ومن فعاليات المجتمع، ومن ممثلي السلطات المختلفة، أن نستحضر أن التاريخ يكتب اليوم، لمن يريد أن يكون له فيه مكان.
والواقع أن القضاة والمحامين، بالإضافة إلى سلطات الدولة والقوى الحية بها توحد في صلب الأحداث والتحولات التي تعرفها العدالة في بلادنا. وقد كانوا فاعلين أساسيين في كل المحطات الأساسية في نظامنا القانوني والقضائي، التي أفضت إلى النموذج القضائي العظيم الذي تجسد اليوم باستقلال السلطة القضائية. والذي تحقق باتحاد إرادة جلالة الملك والشعب المغربي. تلك الإرادة التي ترجمها الخطاب الملكي لــ 9 مارس 2011 ب،اعتبار استقلال السلطة القضائية محوراً من محاور المراجعة الدستورية. ثم الإقبال الكثيف للمواطنين على التصويت الإيجابي للدستور، الذي جعل السلطة القضائية سلطة ثالثة في الدولة. وليست سلطة فقط، وإنما سلطة مستقلة عن السلطتين القائمتين قبلها )التشريعية والتنفيذية(، يضمن جلالة الملك استقلالها.
حضرات السيدات والسادة؛
إذا كانت التحديات التي واجهها الرعيل الأول من القضاة والمحامين هي الكفاح والصمود من أجل أن تبقى مهنة المحاماة وفية لرسالتها الخالدة، وتمارس دورها الحيوي كمؤسسة محورية في نظام العدالة. مدافعة عن استقلال القضاء والمحاماة. مناضلة في سبيل ترسيخ القيم والأعراف والممارسات المهنية الفضلى بين المحامين. فإن الظرفية المعاصرة تفرض اليوم، بالإضافة إلى ذلك كله، تأهيل المهنة بالإقدام على ثورة معلوماتية في بنيتها، تمكنها من مواكبة المتغيرات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية الوطنية والدولية، ومسايرة ظروف عولمة الأسواق وشروط المنافسة الاقتصادية، وتعاظم دور المبادلات الإلكترونية والعلاقات الرقمية، بما يفرضه كل ذلك من تحديات على رجال القانون، وفي مقدمتهم القضاة والمحامون.
ونعتقد جازمين أن مهنة المحاماة باعتبارها جزء من القضاء، ملزمة بالانخراط الواعي والمسؤول في دينامية التغيير والتحديث، بما يقوي من موقعها المؤسسي الفاعل في مواصلة بناء دولة القانون. وإن إيماننا بذلك يقويه حبُّنَا لمهنة المحاماة وتقديرُنا للنساء والرجال الذين يرتدون بذلتها بإباء، ويؤمنون برسالتها عن اقتناع. كما أن موقعنا في السلك القضائي يؤهلنا للدفاع عن مصالح جميع مكوناته، والمحاماة واحدة منها. لأن إصلاح القضاء لن يتم بدون انخراط كافة مكونات منظومة العدالة في برامج التحديث والتأهيل والتكوين التخصصي. ونهتدي في ذلك، بما جاء في الرسالة الملكية السامية للمؤتمر 49 للاتحاد الدولي للمحامين، المنعقد بهذه المدينة في 31 غشت 2005. حيث اعتبر جلالة الملك أن مهنة المحاماة “تواجه ضرورة توحيد القيم السلوكية المثلى، واعتمادِ التكوين المستمر، والاستجابة لمتطلبات مواكبة العالم الرقمي والتوفيق بين وجوب احترام الحريات وصيانة النظام العام، في ظل سيادة القانون وسلطة القضاء”.
حضرات السيدات والسادة؛
إن تنظيم هذا المؤتمر تحت شعار : “من أجل تشريع يحقق الولوج المستنير إلى العدالة” يعكس مدى وعي جمعية هيآت المحامين بأهمية الموضوع وراهنيته، نظراً لملامسته لحق أساسي وشرط أولي لضمان التمتع الفعلي بكل الحقوق التي تكفلها المعايير الدولية لحقوق الإنسان في الولوج إلى العدالة. فالولوج إلى العدالة يعتبر المرتكز الأساس، لجميع آليات حماية حقوق الإنسان، القضائية منها وشبه القضائية. وهو ما يقتضي بشكل خاص سن قوانين توفر الحماية القانونية للمواطنين، ولاسيما للفئات الفقيرة والهشة، وتتبع الولوج السهل للعدالة، والاجتهاد في توفير الآليات وابتكار الأساليب التي تجعل الولوج إلى العدالة متاحا وميسراً. ولاسيما عن طريق الوسائل الرقمية والتكنولوجية وسهولة المساطر ووضح الإجراءات. بالإضافة إلى تعريف كافة المواطنين والمرتفقين بالقوانين والمساطر المتصلة بجهاز القضاء، مع تجاوز عائق اللغة من خلال توفير الترجمة بالمحاكم، ودعم تعلم مهنيي القضاء اللغات الأجنبية واللغات واللهجات الوطنية.
حضرات السيدات والسادة النقباء والمحامين؛
إن حضور رئاسة النيابة العامة معكم اليوم، يشكل فرصة سانحة للتنويه بمواقف المحاميات والمحامين المغاربة من القضايا الوطنية العادلة، وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية، التي يحملها المحامون في قلوبهم، ويدافعون عنها في كل المحافل ومن على مختلف المنابر، بشجاعة فكرية وقناعة وطنية، وباقتناع قانوني ونفس حقوقي. وليس ببعيد عنا،
ما عبر عنه السيد رئيس جمعية هيئات المحامين الحالي والسادة النقباء والمحامين أعضاء مكتب الجمعية خلال فترة ولايتهم الجارية، ببعض المحافل الجهوية والإقليمية، من مواقف مشرفة انتصروا فيها لعدالة قضيتنا الوطنية الأولى وفرضوا بإرادتهم وعزيمتهم احترام الشرعية الدولية.
كما أنها مناسبة لأن أؤكد للسيد رئيس جمعية هيئات المحامين والسادة النقباء والمحاميات والمحامين كافة، على تجند جميع أعضاء النيابة العامة لخدمة حقوق الدفاع، والعمل على حماية الممارسات المهنية للمحاماة من كل ما يتهددها من إخلالات أو اعتداءات، وذلك إيمانا منّا بما قاله جلالة الملك بأن “المملكة المغربية حريصة على أن تظل رسالة الدفاع حاضرة بمصداقيتها في قلب الممارسة المؤسسية، التي تنهض بها السلطة القضائية باعتبارها الضامن الفعلي لمساواة المواطنين أمام القانون وسيادته، واستقرار المجتمع، والثقة في المعاملات وتحفيز التنمية والاستثمار. ومن ثم جعلنا في مقدمة ركائز مشروعنا الديمقراطي الارتقاء بالعمل القضائي وتأهيله باستمرار” -)الرسالة الملكية للمؤتمر 49 للاتحاد الدولي للمحامين فاس 31 غشت 2005(.
حضرات السيدات والسادة؛
تحية إكبار وإجلال لكل المحامين والمحاميات.
وعاشت المحاماة مهنة مستقلة .. وسنداً ودعماً لاستقلال السلطة القضائية ..
وتحية تقدير واحترام للرئيس، النقيب عمر ودرا، والسادة النقباء والمحامين أعضاء الجمعية .. مع متمنياتي الصادقة لمؤتمركم هذا بالتوفيق والنجاح، راجيا أن يسفر عن قرارات قوية تدعم استقلال مهنة المحاماة، وترسيخ التزام المحامين بأعراف وتقاليد المهنة، وانفتاحهم على متطلبات تطويرها وتحديثها.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.