بلاغ هام..الملتقى العالمي 13 للتصوف بمداغ يناقش الثقافة الصوفية والمشترك الانساني

10 نوفمبر 2018آخر تحديث :
بلاغ هام..الملتقى العالمي 13 للتصوف بمداغ يناقش الثقافة الصوفية والمشترك الانساني


تحتضن جهة شرق المملكة المغربية،فعاليات الدورة الثالثة عشرة،تحت شعار الثقافة الصوفية والمشترك الإنساني:ترسيخ لقيم الحوار والتعارف،أيام: 09 ـ 10 ـ 11 ـ 12 ربيع الأول 1440 الموافق لـ 17 ـ 18 ـ 19 ـ 20 نونبر 2018 .

المشترك الإنساني هو مجموع ما نتقاسمه من معطيات كبرى تؤسس للوجود الإنساني في كلياته؛ أي الثوابت التي توحدنا وتجمعنا، سواء قيميا أو فكريا أو ثقافيا أو اقتصاديا أو بيئيا أو غير ذلك. صحيح أننا نختلف في كثير من تمظهراتنا المعيشية في جملة من جوانبها؛ إذ منا المسلم وغير المسلم، والأبيض والأسود، والغني والفقير…، إلا أننا مع ذلك نبقى شركاء في الإنسانية، بما تحمله وتتضمنه من قيم ومرتكزات ومعالم كبرى موحدة وجامعة لكل الناس، فالإنسان مهما اختلفت أطيافه يبقى هو نفسه الإنسان، بغض النظر عن انتماءاته العرقية أو اللغوية أو الجغرافية أو حتى الدينية، إذ إن اختلاف هذه التمظهرات يعطي للمجتمع الإنساني غناه وتنوعه، بل إننا لا يمكن أن نتخيل قط عالما خالٍ ومجرّدا عن هذا التنوع، فهو سيكون -لا شك- عالما رتيبا وكئيبا، ومن ثم وجب استثمار هذا التنوع من أجل تثبيت الأصول الإنسانية وتمتينها وتقوية أواصرها، لا أن يكون سببا للتنازع والاقتتال والتطاحن.

إننا نتقاسم أشياء أكثر بكثير من تلك التي نستقل بها عن بعضنا البعض، ونجتمع في أمور أكثر من التي نفترق فيها، فحاجتنا للبعض حاجة قوية؛ إذ لا يمكن لأي فرد أو مجتمع أو أمة العيش بمعزل عن العالم. ومن ثم ليس لنا من خيار سوى الائتلاف في ظل هذه المختلفات، وتدبيرها التدبير الإيجابي لتكون فضاء للتفاعل والتكامل من أجل خلق الألفة والتناغم المرجوين في ظل الوحدة الإنسانية، هذه الوحدة التي لم تعد معتبرة ولا حاضرة في واقعنا المعاصر، إلا فيما تيسر منه، فمن يتأمل حال هذا الواقع اليوم يرى درجتي التوتر والقلق اللتين أصبحتا تخيمان عليه؛ حيث تنامى شعور الكراهية بين الشعوب، وأصبحت العلاقات الإنسانية مبناها الشك والاتهام وسوء الظن والتخوف والتوجس المتبادلان. لذا، ما أحوجنا -في ظل هذا الوضع- إلى الترويج لقيم المشترك الإنساني، واستثمارها في بث روح الحوار والتعارف؛ من أجل إعادة رأب هذا الصدع الذي أصاب وحدتنا الإنسانية، وذلك على كل الأصعدة التي يشملها هذا المشترك؛ دينيا، وقيميا، وثقافيا، وفكريا، ونفسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وبيئيا، بل وحتى فنيا وجماليا، مادامت هذه الأبعاد كلها تدخل ضمن الحاجيات المشتركة للإنسان.
لقد كان الإسلام سباقا للدعوة إلى قيم المشترك الإنساني بكل معالمه ومناحيه، وذلك من خلال دعوته إلى التحلي بالقيم المشتركة التي من شأنها أن تبني وتؤسس للوحدة والتفاعل الإنسانيين في ظل قيمتي الحوار والتعارف، ولذا قال الله تعالى في محكم تنزيله: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]، وقد تجسد هذا الأمر بوضوح في حياة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، خاصة في تعامله مع اليهود والنصارى وكيف كان يحترم خصوصياتهم الدينية والعقدية، ويشركهم في أمور المجتمع وأحواله، وما ذلك إلا لِما كان ينظُرُه صلى الله عليه وسلم ويعتبره فيهم من قواسم ومشتركات. وقد تجسد هذا النموذج المحمدي كذلك في سير الصحابة الكرام الذين كانت لهم بدورهم مواقف رائدة في حسن معاملة الغير وتقبله والتعايش معه، والتاريخ الإسلامي حافل بالنماذج الواقعية التي خلدت لحسن رعاية المسلمين لقيم المشترك الإنساني، وذلك لما حفظوه من أخلاق محمدية فاضلة، فالمسلم كلما ترقى في مدارج الإيمان وتحلّى بهذه الأخلاق كلما كانت له القابلية النفسية والسلوكية لتقبل الآخر والتعايش معه على أساس من الاحترام والتفاعل والتكامل.

وهنا يمكن أن نستحضر الثقافة الصوفية، باعتبارها مكونا سلوكيا وأخلاقيا وروحيا أصيلا ضمن الممارسة الدينية الإسلامية في بعدها الإحساني، وما خلفته من إرث عريق في هذا الباب، إذ لا يخفى الدور الكبير الذي اضطلع به الصوفية في التقريب بين الشعوب وترسيخ ثقافة الحوار والتعارف، وتفعيل مبادئ المشترك الإنساني، وذلك لما حملوه من قيم نبيلة تمثلت في نبذ العنف والتعصب والكراهية، ونشر قيم التسامح والمحبة والتخلق بالرحمة لجميع المخلوقات دون عنف وتطرف، فقد عملوا طيلة تاريخهم على تعميم الخير دون وصم أو تمييز لأنه إيمان بالوجود والحياة وابتعاد عن أنواع الشر والظلم والإقصاء. وهذا كله نابع من مبدأ التخليق الذي اختصوا به والذي مداره على عنصر التزكية؛ إذ ما فتئوا يعملون على اجتثاث كل نوازع النفس الأمارة التي من شأنها الدفع بالإنسان إلى الأنانية والحقد والحسد والكراهية وإقصاء الغير وتحقيره، وتحليته في مقابل ذلك بالأخلاق الفاضلة التي تدفعه إلى الانفتاح على هذا الغير ومعاملته بمبدأ الأخوة الإنسانية. فمنهج الصوفية لا يقوم أبدا على الإقصاء بقدر ما ينبني على التكامل والانسجام مع كل المكونات الحضارية والإنسانية، وذلك من باب احترام إرادة الله في الخلق والتأدب مع حكمته؛ إذ لو شاء تعالى لجعل الناس أمة واحدة، وبذلك فقد قدموا صورة مشرقة عن روح الإسلام وسماحته وكونيته وشموليته.
ولقد كان المغرب -في ظل ما عرفه من تميز لهذه الثقافة- نموذجا رائدا في بث روح التسامح والتعايش وترسيخ قيم الحوار والتعارف، وذلك بفعل تجدر وتعمق البعد الروحي ضمن شخصيته الدينية والثقافية والحضارية، فقد كان لرجالات الصلاح والولاية في هذا البلد العزيز دور كبير في تثبيت هذه القيم تنزيلا للمقاصد الإسلامية الكبرى المتمثلة في حسن الجوار والتعاون، مما كان له الأثر البالغ على وحدة وانسجام وتناغم كل المكونات الدينية والعرقية واللغوية والحضارية التي عرفها المغرب في ظل ما يجمعها من قواسم ومشتركات، وبذلك فقد كانوا من الفعاليات الأساسية لحفظ قيم التعايش وتفعيل المشترك الإنساني، ليس محليا وحسب، وإنما أيضا من خلال ما قدموه من انفتاح وتفاعل مع العديد من المكونات الحضارية الخارجية، مثلما هو الحال فيما خلفوه من آثار داعمة للصلات القارية وتقوية المشترك الإفريقي، خاصة مع ما يعرفه التدين المغربي اليوم من حضور فاعل داخل هذه القارة، بفعل ما أمدوه به من قيم إنسانية أصيلة، وكذا في ظل ما يحظى به من رعاية فعلية لأمير المؤمنين محمد السادس نصره الله الذي ما فتئ يدعو إلى جمع الشمل وتوحيد الصفوف عبر ما يفتحه من أوراش تنموية؛ إنسانيا وعمرانيا وحضاريا.
إن مؤسسة الملتقى وإذ تطرح موضوع هذه السنة فمن منطلق المسؤولية التي تستشعرها في التنبيه إلى كبريات المسائل التي تعني الإنسانية، ومنها قضية المشترك الإنساني؛ بالنظر لما أصبح يعاني منه العالم اليوم من مظاهر التفرقة والتمزق والإقصاء والعنف والصراع، وما سيتيحه ذلك من إمكانات لدرء بؤر التوتر والتقليل من مظاهر هذا الصراع الذي أصبح العالم يتخبط فيه، فعوض نشر ثقافة التنافر والتباغض والتحاسد والكراهية، وجب تنمية ثقافة التعارف والتجاور والتكامل والمحبة والسلام وغيرها من القيم الكونية التي يتضمنها المشترك الإنساني. والمؤسسة إذ تفتح هذا الورش أمام الباحثين والمختصين، فلأجل تدارس وتباحث الأصول والثوابت التي يستند إليها هذا المشترك واستجلاء أبعاده وقيمه، وفق أصول ديننا الحنيف وما يحمله من قيم كونية ترعى وترسخ لهذا المشترك، مع استجلاء الآفاق الواسعة التي يقدمها التصوف في هذا الباب، وبيان المسؤولية التي يتحملها المسلمون اليوم –خاصة المقيمون في ديار المهجر- في تقديم الصورة الحقيقية للإسلام، خلافا للصورة القاتمة التي أصبح الغرب يأخذها عنا وعن ديننا الحنيف، وكذا التنبيه إلى المسؤولية الكبيرة التي يتحملها العلماء والباحثون –مسلمون وغربيون- في استثمار الاختلاف وتعزيز قيم التعايش السلمي والتكامل مع الآخر من أجل بناء مجتمع إنساني يسوده السلم والتفاعل والاحترام والانفتاح في ظل القيم الإنسانية المشتركة.
محاور الملتقى:
1ـ المشترك الإنساني: مقدمات نظرية
2ـ المشترك الإنساني وأبعاده الدينية والعقدية.
3ـ المشترك الإنساني في الإسلام: أصول وتجليات.
4ـ المشترك الإنساني وقيم الحوار والتعارف.
5ــ تاريخ المشترك الإنساني بين الإسلام والغرب.
6ــ الإسلام والغرب: تحديات التعايش والتعاون.
7ـ الثقافة الصوفية والمشترك الإنساني: نماذج تاريخية.
8ـ المشترك الإنساني وأبعاده الاقتصادية والتنموية.
9ـ الثقافة الصوفية والمشترك الفكري والثقافي.
10ـ الثقافة الصوفية والمشترك البيئي.
11ـ الثقافة الصوفية والمشترك الفني والجمالي.
12ـ المشترك الإنساني في التجربة الدينية المغربية: أسس ونماذج.
13ــ النموذج الديني المغربي والمشترك الإفريقي.
14ـ المشترك الإنساني والتأسيس لقيم المواطنة العالمية.
15ـ المشترك الإنساني وثقافة السلام.
16ـ المشترك الإنساني والتقريب بين الحضارات والأديان.
بلاغ مؤسسة الملتقى

الاخبار العاجلة