من ذا الذي يستطيع أن ينكر الجهود المبذولة في شق الطرقات بمدينة وجدة حتى أضحت واحدة من المدن المغربية التي ينتشي أبناؤها بالانتماء إليها؟ ومن هذا الذي يستطيع أن ينفي النجاعة والفعالية والسرعة المصاحبة لمشاريع كبيرة من هذا الحجم الذي أهل وجدة لتفخر بما يشيد عليها؟ لا أحد ينكر أو ينفي عن مدينة زيري بن عطية وصف انبعاث مدينة، فالوجديون هذه الأيا
م والزائرون لها ممن لم يروها منذ سنوات خلت، منبهرون للتحول السريع الذي تعرفه وجدة، سواء على مستوى تحديث البنية التحتية للمدينة أو تنظيمها أو إعادة هيكلة بعض الشوارع والأحياء التي كانت توصف بالهامشية. فبجولة سريعة إلى مختلف الأحياء السكنية والأقطاب التجارية والصناعية يستطيع الزائر أن يخلص إلى أن المدينة ما عادت تلك التجمعات السكنية الشبه حضرية، كما أنها تجاوزت مرحلة العجز في مضاهاة كبريات المدن المغربية مما كان يولد إحساسا بالغبن لدى أبنائها في كثير من الأحيان، بل إن عاصمة الشرق أضحت مضرب المثل لدى مهتمين بالشأن الحضري والعمراني والتنموي في جهات ومدن مغربية مختلفة.
إن مقاربة كل ما تم إنجازه بوجدة خلال السنوات الأخيرة في موضوع واحد يكاد يكون مستحيلا، ليس فقط لكون المنهجية المرتبطة بالكتابة الصحفية وشروطها تأبى ذلك، ولكن أيضا لأن ما تم تحقيقه في مختلف المجالات يستحيل حتى ذكره بالعنوان فحسب دون الغوص في جزئياته والبحث في آثاره الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية… لذلك سنحصر هذه المشاهدات في شق الطرقات الجديدة بمدينة وجدة، نرصد أهميتها ونحدد وقعها على السكان، ونقف عند مميزاتها التقنية.
عندما كنا نستعد لإنجاز هذا الريبورتاج قمنا بجولة لأهم شوارع المدينة وأحيائها لنقف على أهمية ما يتم تشييده بمدينة وجدة في مجال الطرقات، فاستوقفتنا العديد من الأوراش الجارية التي تضفي على حركية شق الطرقات صفة الاستمرارية والمداومة، مما يعطي الانطباع أن حركية شق الطرقات بوجدة تسير وفق مقاربة مدروسة وواضحة الأهداف ومحددة في الزمان، إنه مخطط تقوية الشبكة الطرقية المهيكلة لمدينة وجدة وضاحيتها في أفق 2020. وبالرجوع إلى هذا المخطط كما هو واضح من بطاقته التقنية المنسوبة لولاية الجهة الشرقية يمكن الوقوف عند بعض أهداف المخطط التي تتوزع على تدعيم تموقع مدينة وجدة عبر الاستجابة للتحولات الديموغرافية، فتح مناطق جديدة للتعمير، كما تهدف إلى الربط الطرقي لمدينة وجدة بالمشاريع المهيكلة مثل الطريق السيار، القطب التكنولوجي، القطب الحضري الجديد، قطب المرافق، القطب اللوجستيكي بني وكيل والقطب الصحي سيدي موسى لمهاية… ومن أهداف المخطط أيضا تسهيل عملية السير والجولان من خلال خلق طريق دائرية حول مدينة وجدة وفتح المحاور الكبرى للمدينة لربطها بالطرق الدائرية ثم حل إشكالية التصفيف بعدد من شوارع المدينة.
أثناء الزيارة الاستطلاعية لبعض المشاريع الطرقية وبالقرب من مقر ولاية الجهة الشرقية استوقفنا مشروع تهيئة طريق بعرض 60 مترا تربط الولاية بشارع الوجيدي بمواصفات عالية، سواء على مستوى الإنارة العمومية أو التشجير والمساحات الخضراء وكذا النافورة التي تزين منتصف هذا المقطع، إذ من المرتقب أن تمتد هذه الطريق لتصل إلى الجهة الجنوبية للمدينة. وليس بعيدا عن هذه الجهة من المدينة وبالضبط بالقرب من كلية الآداب انطلقت عملية شق طريق لا نحسبها إلا بالغة الأهمية وهي التي تربط حي الحكمة بسيدي معافة وصولا إلى سيدي يحيى، وهذه الطريق ستخفف الضغط على مستوى شارع محمد السادس والطريق المؤدية إلى سيدي معافة من جهة مقر رئاسة جامعة محمد الأول وكذا شارع الحسن الثاني.
كان عبد المالك صغيري الأستاذ بالتعليم الابتدائي والساكن بحي النجد بسيدي يحيى يتحدث عن معاناته للوصول إلى إحدى الفرعيات التابعة لبني ادرار، ليس من خلال مشاكله مع وسائل النقل أو طبيعة الطريق المزدوج بين وجدة وبني ادرار، ولكن المعاناة التي أفصح بها للجريدة هي تلك التي كانت تعترضه أثناء قطع الطريق التي تربط حي النجد أين يقطن، بمدخل مدينة وجدة من الناحية الشمالية قرب مرجان إذ يقضي من الوقت لقطع هذا المقطع ضعف ما يقضيه للوصول إلى مقر عمله انطلاقا من مرجان، والسبب في ذلك كان راجعا إلى غياب طريق دائرية تربط شرق المدينة بشمالها، لذلك كان مشروع تهيئة الطريق الدائرية الشمالية الشرقية بين سيدي يحيى والطريق الوطنية رقم 2 في اتجاه المطار، حلا شافيا لمشاكل كثيرة كان يتخبط فيها هذا الأستاذ وأمثاله ممن كانوا يعانون من عدم ربط شرق المدينة بشمالها سابقا، كما كان مشروعا يستحق لساكنة وجدة أن تفخر به. لقد همت الأشغال بهذه الطريق الدائرية مرحلتين اثنتين، الأولى همت تهيئة وتثنية الطريق الشمالية الشرقية لمدينة وجدة الرابطة بين الطريق الوطنية رقم 6 في اتجاه الجزائر وواحة سيدي يحيى، وقد خففت العبء على كثير من السكان الذين كانوا مجبرين للمرور عبر شارع محمد الخامس للوصول إلى المنطقة الحدودية، كما أن تشييد طرق جديدة تربط هذه الطريق الشمالية الشرقية بوسط المدينة أو بجهات معينة من حي لازاري كان له وقع بالغ الأثر على التخفيف من الضغط على بعض الطرق الضيقة والتي كانت تشكل نقطا سوداء في مجال السير والجولان بمدينة وجدة. أما المرحلة الثانية من هذه الطريق الدائرية فتربط الطريق الوطنية رقم 6 في اتجاه الجزائر والطريق الوطنية رقم 2 في اتجاه المطار على مستوى مرجان، ويبلغ طول هذا المقطع حوالي 4.7 كلم أما المقطع الأول فبلغ طوله 7.7 كلم.
وكانت مدينة وجدة قد شهدت خلال السنوات القليلة الماضية، العديد من الطرق التي تركت وقعا بالغا على مختلف الشرائح من سكان المدينة، ومن بين هذه الطرق، الطريق الحضري المزدوج الرابط بين شارع الجيش الملكي ( عمر الريفي سابقا) والطريق الدائرية الغربية، وقد أنهيت الأشغال بهذا المشروع خلال يونيو 2014، وأضحت اليوم تحقق أهدافها بكل الوضوح حيث خففت من ازدحام حركة المرور عبر ربط شرق المدينة بغربها، كما سهلت تنظيم السير والجولان وتخفيف الضغط على قنطرة محمد الخامس، وفي اتصال هاتفي بالصحراوي إبراهيم سائق سيارة أجرة صغيرة أوضح للجريدة أن تشييد هذه الطريق شأنها شأن كل الطرق الجديدة التي يتم تشييدها في هذه السنوات، تأتي كالدواء الناجع لأمراض السير والجولان التي كانت تشكو منها مدينة وجدة، ” فبتشييد هذه الطريق ـ يقول الصحراوي إبراهيم ـ أصبح الزبون الذي يقل سيارة الأجرة الصغيرة من حي المحرشي مثلا في اتجاه وسط المدينة أو في اتجاه شارع محمد الخامس، يستفيد من ربح الوقت لقصر المسافة وقلة إشارات المرور التي تجبرنا على التوقف مما يؤثر على سعر الرحلة الذي انخفض بحوالي 5 دراهم ، ناهيك ـ يضيف نفس المتحدث ـ عن الازدحام الذي تعاني منه على مستوى حي السي لخضر وقنطرة محمد الخامس، قبل تشييد هذه الطريق ”
غير بعيد عن هذه الطريق وبالضبط قرب أسواق أتقاضو (ميترو سابقا)، تصادفك الطريق الدائرية الغربية لمدينة وجدة التي تربط الطريق السيار بالطريق السريع وجدة ـ السعيدية، قبل سنوات كانت هذه الطريق تشكل نقطة سوداء نظرا لضيقها وضعف إنارتها وتآكلها ولا زالت فجاعة الحوادث التي كانت تسجل في هذه الطريق عالقة بأذهان سكان المدينة، لكن خلال ماي 2012 ستنطلق الأشغال لتثنية هذه الطريق وبناء قنطرتين واحدة على واد إسلي والثانية على خط السكة الحديدية، كما سيتم تجديد الإنارة العمومية حتى أضحت هذه الطريق من أجمل الطرق المدارية بمدينة وجدة، وقد بلغت كلفة هذا المشروع 64.2 مليون درهم، ساهمت فيها كل من وزارة التجهيز والنقل، وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، وزارة الداخلية والمجلس البلدي لمدينة وجدة، وخلال ماي 2013 تم الانتهاء من الأشغال لوضع حد لكثير من المشاكل والحوادث وساهمت بشكل كبير في تحسين السلامة والخدمة الطرقية. ما يقال عن تثنية وتهييء هذه الطريق الدائرية الغربية يقال أيضا عن تثنية محور الطريق الوطنية رقم 17 الرابطة بين المدخل الجنوبي للمدينة بجماعة سيدي موسى في اتجاه مدينة جرادة، حيث انتعشت هذه الطريق مباشرة بعد تثنيتها وتجهيزها بالإنارة العمومية حيث شرع المستثمرون في تشييد المقاهي و قاعات الأفراح وفضاءات للأطفال.. وتبقى الطريق الجديدة من مرجان إلى رياض إسلي أو المنطقة الحدودية أووسط المدينة من المشاريع الواعدة التي لن تعرف قيمتها الحقيقية إلا بعد الانتهاء من المنتزه الذي سيشيد بالقرب من مرجان والانتهاء من التجزئات السكنية التي هي في طور التشييد بهذه المنطقة.
في حديث عابر أثناء جلسة عائلية بأحد الفضاءات الترفيهية بطريق الحدود المغربية الجزائرية في الصائفة الماضية، كان أفراد عائلة من الديار الفرنسية في جلسة حميمية مع ذويهم من المغرب، تستحضر منجزات عاصمة الشرق في تحديث بنيتها التحتية، وتجديد عمرانها، وكان الوالد الذي ربما ينحدر من الجيل الأول أو الثاني من مغاربة فرنسا يحاول النبش في الذكريات والعادات في إعمال واضح للمنهج المقارناتي بين الماضي والحاضر، أو لنقل إن هذا الأب كان يحاول أن يمرر لأبنائه وذويه الذين كانوا يتجمعون على مائدة مستديرة بفضاء دار النسيم، صعوبة الحياة وضنك العيش التي كانت سمة مواطني الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مقارنة مع ما تعيشه اليوم مدينة وجدة من عمليات التحديث والتعمير اللتين لم تشهدهما المدينة منذ تأسيسها على يد زيري بن عطية، وقف هذا الأب عند بدائية أسواق وجدة القديمة، وقلة طرقها وضعف بنيتها الحديثة، استحضر البساتين التي تحولت مجملها إلى تجزئات سكنية، تحدث عن إنارة أيام زمان وأكبر الجهود الملموسة في هذا الميدان…
المؤكد أن هذه العائلة كانت تبدي افتخارها بالمنجزات التي تعرفها مدينتهم الأصلية وكانت معجبة بالتحولات العمرانية والتنموية، لكنها كانت تؤكد بطريقتها الخاصة والبريئة أن ثمة جهودا مطلوبة لإرجاع كامل الثقة لدى مغاربة العالم، ومنها بالطبع الاشتغال على المجال الاجتماعي وإعلان القطيعة مع بعض الممارسات البيروقراطية وتجاوز شبح الرشوة والبطالة.. وعلى أي، فإن حديث هذه العائلة المغربية الفرنسية ألهمني الغوص في هذا الموضوع الذي قاربته في هذه المشاهدات، حتى نقف على أثر هذه الطرق الإيجابي في حياة ساكنة المدينة ووقعها على حركة السير والجولان.
الجهود المبذولة في تشييد الطرقات تحقق أهدافها وتنجح في تخفيف الازدحام عن وسط المدينة، وبصمة والي الجهة الشرقية محمد امهيدية واضحة في هذه المشاريع حيث أجمع أغلب المتتبعين أنه استطاع بحنكته ورؤِيته التقنية والفنية التغلب على أكبر المشاكل حتى تخرج هذه المشاريع إلى الوجود.
إذا كنا في هذه الورقة حاولنا ملامسة بعض الطرق التي اعتبرناها من منطقنا مهمة فإن ثمة طرقا أخرى أغفلناها لا تقل أهمية سنحاول ملامستها في أعداد لاحقة، فضلا عن تهيئة طرق أخرى بالعالم القروي التي سنخصص لها ملفا خاصا بها.
إنجاز: عبد المنعم سبعي