الدكتور منير القادري..البعد الأخلاقي للتصوف أساس للنهضة والإصلاح

Mohammed8 سبتمبر 2020آخر تحديث :
الدكتور منير القادري..البعد الأخلاقي للتصوف أساس للنهضة والإصلاح

اعداد:حساين محمد
تساؤلات عديدة طرحها الدكتور منير القادري بودشيش، رئيس مؤسسة الملتقى ومدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، حول تقدّم الآخر وتأخّرنا؟ وهل تقتضي مصلحتنا التأسّي بهذا الآخر، والأخذ بأسباب تقدّمه، ومن ثمّ النسج على منواله في الإصلاحات التي كان سبّاقاً إليها أم هي في إحياء القيم الإسلاميّة العامة والمعروفة بالمقاصد والغايات؟ أم هما معا؟ هذه التساؤلات طرحها بمناسبة حديثه عن النهضة الإسلامية وما تقتضيه من تجديد لفكر الإصلاح في شتى المجالات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتربويّة في زمن تطغى فيه هيمنة عالم غربي ما فتئ يتقدم و يتطور، وذلك ضمن مداخلته التي حملت عنوان “البعد الأخلاقي للتصوف أساس للنهضة والإصلاح” خلال مشاركته السبت 05 شتنبر 2020 في الليلة الرقمية التاسعة عشر المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع مؤسسة الجمال.
وفي معرض إجابته على هذه التساؤلات أكد القادري أن العالم الغربي المتحضر يدين بوجوده للحضارة العربية الاسلامية، وأن روح البحث العلمي وطريقة الملاحظة والتجربة أخذها علماء الغرب من اتصالهم بالعالم الإسلامي من بغداد إلى الأندلس، ونبه إلى أنه ما من أمة استطاعت بعث نفسها في عالم الحضارة إلا بالتمسك بأصولها ومقومات هويتها، مضيفا أن نقطة الانطلاق تكون من جوهر الإسلام وروحه، فبوجود النموذج والقدوة والمنهج التربوي لا يسع المسلم أن يتخذ له منهجًا غير الإسلام من حيث كونه دينًا ربانيًا.
وسلط الضوء على التحديات الكثيرة التي تواجه الأمة الإسلامية، كالتأخر في ركب التنمية والحضارة والفوضى الفكرية التي يمثلها تياران كلاهما أشد خطرًا من الآخر، أحدهما يتمثل في الفكر المتشدد الذي يسيء للإسلام ويستغله أعداء الأمة لتفتيتها والقضاء على وحدتها، فيما يتمثل الثاني في التيار المنفلت فكريًّا والمنحل أخلاقيًّا والذي يهدد بنقض عرى مجتمعاتنا، وأشار إلى أن ضعف العقيدة، والجهل بالدين الإسلامي، وغياب القدوة الحسنة، والهزيمة النفسية لجيل الشباب هي أحد ركائز الحرب الجديدة لأعداء الدين، مبرزا أن الإلتزام بالأخلاق والقيم الإنسانية ليس فقط واجب ديني فحسب وإنما هو الخطوة الأولى على درب الإصلاح في مسيرة النهوض الحضاري، وصمام أمان يمنع الفرد والمجتمع من الذوبان في المحيط الفاسد و القيم المادية الدخيلة.
وأوضح أن طبيعة المرحلة التي تمر منها الأمة الإسلامية اليوم تجعل الحديث عن التصوف يكتسي أهمية بالغة في نظر كثير من المفكرين، مشيرا الى ما جاء في كتاب “الدين و السلطة والمجتمع- مقاربات نقدية-“، لصاحبه محمد حلمي عبد الوهاب، أبرز فيه الأسباب التي جعلت رواد النهضة في الأمة الإسلامية يولون عناية خاصة بالتصوف كوعاء روحي لمشاعل النهضة، والتي من بينها ما ناله أغلبهم من تربية روحية إبان نشأتهم الأولى، ودور التصوف كمكون روحي أساسي بالنسبة لهؤلاء الرواد، موردا شهادة الإمام محمد عبدو قال فيها: “كل ما أنا فيه من نعمة في ديني، أحمد الله تعالى عليها، فسببها التصوف”.
وأضاف القادري أن أهمية هذا المنحى الروحي العميق في عملية النهوض الإسلامي، أكد عليها الدكتور محمد مصطفى حلمي الذي هو من أهم الباحثين المعاصرين في علوم التصوف، في العديد من مؤلفاته حول التصوف ورموزه وعلومه، ونبه إلى أن الأخلاق ليست مجرد نظريات فلسفية، وإنما هي تجربة وممارسة عملية، مستدلا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح الجامع “إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يطلب الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه”، موضحا أن التصوف الإسلامي يجعل من أسمى غاياته إصلاح القلوب، من خلال مجموعة من القواعد التي تؤصل للمقاصد الأخلاقية التي يشترط توفرها في المؤمن عموما، وليس المتصوف فحسب، سواء في علاقته مع خالقه سبحانه، أو مع نفسه، أو في تعامله مع الناس.
وشدد على أنه لا نهضة بدون قيم إنسانية وتربية أخلاقية ولا إصلاح بدون بعد أخلاقي وروحي وتزكية نفسية في انسجام مع المقاصد الشرعية، وذكر بكتاب “قواعد التصوف” للشيخ أحمد زروق الذي يكاد يكون مرجعا لا غنى عنه للباحث في التصوف الإسلامي، باعتباره تأصيلا وتقعيدا شرعيا للتربية الصوفية الملتزمة بالكتاب والسنة أولا، وثانيا لتميز صاحبه بفكره الوسطي المعتدل في تصوفه، الذي يبقى طابعا عاما للتصوف المغربي، وثالثا باعتبار العلاقة الوطيدة بين التصوف الإسلامي والفقه المالكي؛ التي سعى الشيخ زروق إلى إبرازها من خلال مجموعة من القواعد العلمية والضوابط الشرعية التي يؤكد من خلالها أن “لا تصوف إلا بفقه؛ إذا لا تعرف أحكام الله الظاهرة إلا منه، ولا فقه إلا بتصوف؛ إذ لا عمل إلا بصدق وتوجه ولا هما إلا بإيمان إذ لا يصح واحد منهما دونه”.
وبين أن العمل على نهوض الأمة وإحيائها لتستعيد دورها هو مسؤولية فردية لكل واحد أمام الله عز وجل، فكل فرد مسلم ملزم أن يبحث من موقعه وفي بيئته وضمن حدود الإمكانيات المتوفرة لديه عمّا يقدّمه في سبيل تحقيق أسباب النصر والنهوض، لأنه وكما ورد في الحديث الشريف سيقف كل منّا بين يدي الله ويُسأل عن وقته وعن عمره وعن شبابه، وتطرق الى الدور الهام للشباب في هذا الصدد، الذين هم عماد أُمة الإسلام وسِرُّ نَهضتها، مذكرا بقوله تعالى في سورة الكهف (الآية 13) “إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى”، وأضاف أن الإسلام لَم ترتفع في الإنسانية رايتُه، ولَم يمتدَّ على الأرض سُلطانه، ولَم تَنتشر في العالمين دعوته، إلاَّ على يد هذه الفئة المؤمنة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوصيكم بالشباب خيرا فإنهم أرق أفئدة، لقد بعثني الله بالحنفية السمحة فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ)، وأوضح القادري أنّنا لسنا مطالبين بالنتائج، وإنّما بالعمل واتخاذ الأسباب، حتى نكون قد أدّينا الأمانة وقمنا بالواجب حتى نلقى الله وهو راضٍ عنا، مذكرا بقوله تعالى في سورة التوبة (الآية 105)”وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”.
وختم مداخلته بالتذكير بحرص الطريقة القادرية البودشيشية على تهيئ البيئة المناسبة لتنشئة الشباب، وإفراغ طاقاتهم، والأخذ بأيديهم، ودفعهم للأمام، مع النَّصيحة بالحسنى، كما تحرص على توجيه همم مريديها ليكونوا مواطنين على قدر كبير من الإلتزام بتحمل المسؤولية إزاء وطنهم، مجندين وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده خدمة للصالح العام لوطننا الحبيب.

الاخبار العاجلة