اعداد:حساين محمد
خلال مشاركته السبت 8 اغسطس 2020 في الليلة الافتراضية الخامسة عشر المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية بشراكة مع مؤسسة الملتقى ومؤسسة الجمال ، تناول الدكتورمنير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى ورئيس مركز المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، في مداخلته موضوع ” المقاصد التربوية للخطاب الصوفي “.
أوضح في بداية مداخلته أن الغاية من تناول هذا الموضوع هو إبراز كيف يمكن للخطاب الصوفي و ما يحمل بين طياته من عناصر معرفية و روحية أن يفسح المجال للتقارب و التحاور بين الأنا والآخر عبر إشاعة ثقافة السلم و المحبة و التعايش و التسامح و نبذ ظاهرة العنف و التطرف.
و بين أن مظاهر الدور الإيجابي الذي يقوم به الخطاب الصوفي في المساهمة في إنقاذ المجتمع الإنساني يتجلى في نشر ثقافة المحبة والسلام و بلورة رؤية صوفية روحية للعالَم والإنسان و التأسيس لعالمية الخطاب الصوفي الإحساني واحتوائه للآخر.
موضحا أن مبدأ المحبة يعد أهم مبدأ يرتكز عليه التصوف ، باعتبارها أصل الوجود، وأضاف أن حب الصوفي يكون كله لله ، وزاد أن أنوار الحب الإلهي تشحن الروح الإنسانية بطاقة إيجابية، متجددة بتجدد الشؤون الإلهية لاتصالها بالحق سبحانه وتعالى، ومنها تسري تلك الإيجابية لتعمّ كل ما يحيط بها، فتعمّ خيريتها.
ونبه الى أنه أمام الانتشار المهول لثقافة العنف والتطرف وهيمنتها على الذهنيات، صارت الحاجة ملحة إلى التصوف الذي هو مقام الإحسان من حيث هو حبٌّ، مشيرا إلى أن الحب من حيث هو أصل الوجود يحرر الإنسانية من الطاقات السلبية الهدّامة، ويمنحها طاقة الحب الإيجابية البناءة.
وبين أن الرؤية الصوفية للعالَم والإنسان لها دور في تمتين ثقافة السلام، موضحا أن الصوفية المحسنون لا يرون في الكون نقصاً ولا قبحاً، و لا يشاهدون بعين القلب إلا الجمال الإلهي متجليا في كل شيئ مهما َجل هذا الشيء أو دَق، موردا مقولة للشيخ سيدي حمزة إبن العباس قدس الله سره: “من يرد الله به خيرا غيب عنه عورات الخلق فلا يرى فيهم إلا الجمال فهم الباب و هم الحجاب” ،و كذا مقولة للشيخ الأكبر ابن عربي ” لن تبلغ من الدين شيئا حتى توقر جميع الخلائق ولا تحتقر مخلوقا ما دام الله قد صنعه”
وأكد أن التصوف يتميز بالأفق العالمي واحتواؤه للآخر ، لذلك فالخطاب الصوفي لا يعترف بالفروق بين بني البشر، مقدما نموذج مولانا جلال الدين الرومي، الذي كان يحضر في مجالسه مختلف الأجناس باختلاف دياناتهم واتجاهاتهم وأفكارهم ،وأضاف أن جلال الدين الرومي جسد الإنسان الكوني الذي مثل الإنسانية في أسمى صورها، حيث كان يوصى الناس فيقول: “إنْ كان نورك ينبع من القلب، فإنك لن تضل الطريق أبدا”
مذكرا بجنازته المهيبة التي شهدها كل أهل بلده من مسلمين ونصارى ويهود، حيث بدت معها مدينة قونية قرية عالمية شهدت العولمة الإنسانية بدل العولمة الصراعية التي نعيشها اليوم، وهو ما جعل المسلمين يقولون: إنه كان نورا من أنوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسيحيون يقولون: إنه كان على خلق المسيح عليه السلام، ويقول اليهود: إنه كان على خلق موسى عليه السلام.
وأشار إلى أن هذا الطابع العالمي والإنساني للتصوف وخطابه ساهم في دخول الناس في دين الإسلام أفواجا، مشيرا الى أن تراث الرومي كان له الأثر الأكبر في اقتناع الداعية الإسلامي الكبير رجاء جارودي بدين الإسلام، وأن جهود الصوفي الورع مالك بن دينار يرجع لها الفضل في انتشار الإسلام في المليبار والمويال والمالديف من بلاد الهند، وغيرها من الأمثلة.
وأشار الى أنه أمام عجز الكثير من الخطابات الإسلامية المعاصرة عن اقتراح نموذج إنساني كوني، وعن تحويل الإسلام لنسق مفتوح ، وانتشار ما يسمى بالإرهاب الإسلامي، وطغيان دولة الفكرة على دولة الإنسان، كل هذا يضيف القادري يجعل الحاجة ماسة لإعادة إحياء الخطاب الصوفي الجمالي ،القادر على خلق شروط حقيقية للاختلاف والتسامح والتلاقح، وترسيخ أخلاقيات الحوار والتكامل، والحدّ من نزق الايديولوجيات وضيق أفق المعتقدات.
وأضاف أن الطرق الصوفية المغربية عبر تاريخها العريق بمختلف مشاربها كالتيجانية والدرقاوية و الشاذلية والقادرية وغيرها، تتوفر على رصيد أخلاقي زاخرا بالكثير من القيم والأفكار ، أهلتها لنشر الإسلام في ربوع إفريقيا.
وزاد أن موقفها هذا نابع من إيمانها الراسخ بثوابت هويتنا الوطنية و الدينية مجندين خدمة للنظرة الاستشرافية لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده التي نستخلص مضامينها من نص الرسالة السامية التي بعثها جلالته إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي لحوار الثقافات والأديان بفاس بتاريخ الاثنين 10 شتنبر 2018 ، موردا مقتطفا منها “يرتبط تعايش الثقافات ارتباطاً وثيقا بثقافة الحوار. فحوار الثقافات يقتضي أن تتفاهم الشعوب في ما بينها، عبر إقامة حوار صادق ودائم.
وهو ما يطبع التجربة المغربية، حيث تجسد التعايش بين الثقافات من خلال وحدة المغرب، التي تشكلت بانصهار مكوناته العربية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.
فالمغرب كان دائما وسيظل ملتزما بنهج إسلام معتدل يقوم، بحكم جوهره، على المبادئ الكونية السامية، ومن ضمنها قيم التسامح والحوار. فالدين الإسلامي الحنيف يقوم على تقبل الآخر وعلى الوسطية، وينبذ الإكراه، ويحترم التعددية، تماشيا مع المشيئة الربانية، إذ يقول الله تعالى في سورة المائدة (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة).