اعداد:حساين محمد
شارك الدكتور إدريس الفاسي الفهري نائب رئيس جامعة القرويين، في النسخة الرابعة عشر من “ليالي الوصال في زمن كورونا، ذكر وفكر”، التي أقامتها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية عن بعد، بشراكة مع مؤسسة الملتقى ومؤسسة الجمال، وذلك مساء السبت 01 غشت الجاري، وعرفت مداخلات فكرية لعلماء من دول عدة.
إستهل الفاسي الفهري كلمته بالإشارة إلى خصوصية ليالي الوصال، باعتبارها مجلس صوفية، يمتاز بالنسبة والموهبة، والحال والمقام، ويشتمل على الذكر والمذاكرة، وانطلاقا من المقولة الصوفية “الصوفي إبن وقته”، تناول الحديث حول دلالات وعلاقة الصوفي بعيد الأضحى، وعيد العرش، وأحوال الصوفية مع الابتلاء العام.
أشار الدكتور الفهري، إلى مقامات السادة الصوفية مع عيد الأضحى، التي تتمثل -بحسبه- في التضحية والطاعة والعبودية، موضحا أن هذه المقامات الثلاثة تجسدت في قصة نبي الله ابراهيم عليه السلام، الذي أكرمه الله تعالى على تسليمه وتصديقه وطاعته لربه في الابتلاء العظيم، قال تعالى “وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا”، وأبرز أن الصوفي يتخذ الأسباب، لكن المنبت والمعطي هو الله عز وجل، فالأحوال والمقامات مواهب من الله تعالى.
وأكد أن الإحتفال بعيد العرش، ينطوي على معاني تجديد البيعة الشرعية بشروطها المرعية، التي تربط بين الراعي والرعية، مشيرا إلى أن التصوف بميراثه ومقاماته متفرع عن البيعة مستدلا بقول المحقق الصوفي :”النبوءة لها ظاهر وباطن، فظاهرها القيام بأمر الدين كمالا وإخلافا، وباطنها القيام بأمره علما وتحققا..”، وأكد أن صلاح الباطن ينتج عنه بالضرورة صلاح الظاهر، وكل من ادعى صلاح الباطن مع فساد الظاهر فهو مفتر كذاب.
وأضاف أن مجالس الصوفية تجدد البيعة لأمير المؤمنين في المنشط والمكره، والمرغب والمرهب، إذ يتم تخصيص طليعة دعائها لأمير المؤمنين، كما يتم الإحتفال بعيد العرش بختم سلك القرآن الكريم، وذكر الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما المحور الثالث من مداخلة الفاسي الفهري فقد كان مخصصا للحديث عن مقامات السادة الصوفية في الإبتلاء العام، مستحضرا الازمة العالمية التي خلفها انتشار فيروس كورونا المستجد في العالم، ونبه إلى أن الصوفية يعتبرون الأزمات إبتلاءات، حيث لا ينظرون إلى عين الواقع، ولكن ينظرون إلى الله تعالى المبتلي به، ويعلمون أن لطف الله تعالى مقترن مع قدره، مستشهدا بقول إبن عطاء الله السكندري :” من ظن انفكاك لطفه عن قدره، فذلك لقصور نظره، وأضاف أن روح الصوفية هي المعرفة بالله، ومنها المعرفة بلطفه ورحمته، وكذلك المعرفة بعقابه لمن خالف عن أمره، فيبادرون بالدعاء والإستغفار كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وختم كلمته بتحديد المقامات الثلاثة لتعامل الصوفية مع الإبتلاءات، حيث يعتبر المقام الأول أن الابتلاء زاجر يدعو إلى الرجوع إلى الله تعالى، ويقوم المقام الثاني على التسليم واطمئنان النفس عند نزول البلاء مع الإكثار من الذكر والتضرع، موضحا أن حال الصوفي في هذين المقامين يجمع بين ذكر الله ودعائه باللسان والقلب، وانشغال البدن باتخاذ أسباب الوقاية والعلاج، وبذل النصيحة والخير لخلق الله.
وذكر المقام الأسمى عند الصوفية في تلقي الابتلاءات، المتمثل في مقام العارفين، الذين تمتلأ قلوبهم بالأنس بالله تعالى، ورجاء رحمته، بحيث يرون في جميع المجريات مظاهر لتوحيد الله تعالى، وتصرفه في ملكه كما يشاء.