اعداد:حساين محمد
شارك مساء أمس السبت 25 يوليو 2020 ،الدكتور منير القادري بودشيش، مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، في الليلة الافتراضية الثالثة عشر المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية، بشراكة مع مؤسسة الملتقى العالمي و مؤسسة الجمال، بمداخلة تحت عنوان: “دور التصوف في تحقيق الأمن الروحي للأفراد والمجتمع”.
أبرز في بدايتها أن الهدف من اختيار هذا الموضوع هو معالجة مفهوم الأمن الروحي والسلم المجتمعي، في مجال التفاعل الحضاري بين الشعوب والأمم في زمن التحولات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية والصحية، بهدف التأسيس لنموذج تربوي يهدف إلى إشاعة المحبة و نشر ثقافة السلم و السلام، وأوضح أن الأمن يعتبر من أهم مطالب الحياة، وهو ضرورة لكل جهد بشري، فردي أو جماعي، لتحقيق مصالح الأفراد والشعوب في الحياة الكريمة.
وبين أن هناك ثلاثة مطالب بتحصيلها يحل الرخاء بدل الشدة، تتمثل أولاها في الاستقرار الاجتماعي الذي هو الأمن في السرب بما يعنيه من هدوء ونظام وحركة لطيفة، وثانيها تتجلى في العافية البدنية التي هي العناية الصحية، وثالثتها تتمثل في توفر قوت اليوم، كل ذلك انطلاقا من الحديث الشريف الذي أخرجه الترمذي عن عبد الله بن محصن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
و أضاف أن الأمن الاجتماعي، وإن كان تعبيرا حديثا، فإنه يعبر عن معنى إسلامي، في أن يكون المجتمع المسلم، كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا مستشهدا بالحديث الشريف الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: “مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى”.
ونبه إلى أن التقدم العلمي والتكنولوجي للإنسان المعاصر ليس كافياً لبلوغ السعادة والاطمئنان، فانعدام الأمن الروحي أحدث خللا حضاريا، وأخل بالتوازن بين مطالب الروح و مطالب الجسد، مشيرا في ذات الوقت إلى أننا في حاجة ماسة إلي وثبة روحية تعيد ذلك التوازن المفقود، وتضمن الأخذ بجميع مناحي الحياة ومطالب الدين والدنيا.
وأكد أن الأمن الروحي لا يتأتى إلا من خلال المقاربة الصوفية للأخلاق، معتبرا أن التصوف الذي هو قام الإحسان يحقق التكامل الروحي و المادي، مضيفا أن ميزة التربية الصوفية تقوم على التربية بالقدوة الحية، المتمثلة في الشيخ المربى الدال على الله، مستشهدا بقوله تعالى:” الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا” (سورة الفرقان الآية 59)، ليصبح الانسان صالحاً لنفسه ولغيره فاعلاً في مجتمعه واعيا بتحديات عصره، آمناً مطمئناً أميناً ومسالماً، قادراً علي المساهمة في تحقيق الأمنين الحضاري والروحي؛ موردا مقولة لابن عاشر في منظومته: “يصحب شيخا عارفا بالمسالك يقيه في طريقه المهالك”.
وأشار إلى أن التربية الصوفية تحيي في النفوس معاني الأمن الروحي و تطرد عنها أفات الغلو و التطرف، و نبه الى أن مظاهر التعصب والتطرف التي نشهدها عند عدد من المسلمين سببها المباشر قوم جهال تصدروا للإرشاد، يهرفون بما لا يعرفون وينسبون تصرفاتهم السيئة وأفكارهم المسمومة ظلما وعدوانا إلى دين الإسلام، والإسلام منهم براء.
وذكر بأن التصوف يعد من الدعامات الكبرى التي حافظت على الأمن الروحي للمغرب، موضحا في هذا الصد بأن المغاربة تمسكوا بثوابت هويتهم الدينية والوطنية اعتقادا وتطبيقا، وتعليما ونشرا وتأليفا، وأنهم تميزوا بصناعة النماذج الصالحة والقدوات الحسنة، التي بصمت تاريخ المغرب بأخلاق الوسطية والاعتدال والتسامح والانفتاح على مختلف الحضارات ،وحسن التعايش والتساكن مع مختلف الديانات السماوية.
ونوه بالدور الفعال الذي تلعبه مؤسسة إمارة المؤمنين، كثابت من ثوابت الهوية الوطنية والدينية، بصفتها الضامن لوحدة الصف، و الكفيلة مع باقي ثوابتنا بتحقيق الأمن الروحي، لكونها تمنع الاختلاف و المرجعيات في أمور الدين، وتجعلها في يد واحدة تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده، مذكرا بأن المغرب خرج من ربيع 2011، سالما من أسباب الفرقة والصدام بين أبنائه بفضل وجود امارة المؤمنين ووحدة العقيدة والمذهب و السلوك .