عبد العزيز اغراز – المغرب The levant
تنظم الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة “الملتقى” بالشراكة مع المركز الاورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم الدورة 14 للملتقى العالمي للتصوّف تحث شعار “التصوّف والتنمیة، دور البعد الروحي والأخلاقي في صناعة الرجال”، وذلك ما بین 08 إلى 12 ربیع الأول 1441 هجرية الموافق ل 06 الى 10 نونبر 2019 ميلادية.
الدكتور منير القادري بودشيش مدير الملتقى العالمي للتصوف بالمغرب
الدكتور منير القادري بودشيش مدير الملتقى العالمي للتصوف بالمغرب
وتأتي هذه الدورة بعد نجاح الدورات السابقة، التي استضافت ثلّة من خيرة العلماء والباحثين حول العالم، وناقشت مواضيع مهمة من قبيل المشترك الإنساني، والدبلوماسية الروحية وتنمية الرأسمال اللامادي للشعوب، والتصوف في السياق المعاصر، وغيرها من المواضيع الآنية، وفي كلمة سابقة له بهذه المناسبة أكد الدكتور منير القادري بودشيش مدير الملتقى العالمي للتصوف أن هذا الملتقى ” أصبح محطة أكاديمية هامة وفضاء تفاعليا وتواصليا لتلاقح وتبادل الخبرات والمعارف لخدمة الإنسان المعاصر، ومساعدته على فهم واستيعاب ومواجهة السياقات الراهنة والمآلية، التي يتفاعل معها سلبا وإيجابا، وفكّ أغلاله، وحل أزماته التي تعيق مساره الحياتي والقيمي والتنموي والحضاري”
وتوضح الورقة العلمية للملتقى أن اختيار موضوع هذه الدورة، ياتي في سياق الأهمية التي يتبوؤها موضوع التنمية في الساحة العالمية اليوم، من أجل مدارسته والكشف عن التحديات التي يطرحها، في سياق ما يزخر به المكون الصوفي من إمكانات كبيرة في هذا الباب، وما يمكن أن يقدّمه من آفاق واعدة فيه، فالتحدي الحقيقي الذي يواجه التنمية اليوم هو العنصر البشري، ومن ثم، وجب العناية بتأهيل هذا العنصر على كل المستويات؛ دينيا وروحيا وفكريا وسلوكيا، بالتوازي مع التأهيل العملي وما يتطلّبه سوق الشغل، وتؤكّد الورقة العلمية للملتقى على أهمية المزج بين الجانب الأخلاقي والمهني من أجل تحقيق مستقبل حقيقي وواعد للتنمية، خاصة ونحن أمام المشروع التنموي الجديد الذي أعطى إنطلاقته الملك محمد السادس، وتسعى مؤسسة “الملتقى” بطرحها لهذا الموضوع الى استخلاص المعوّقات الحقيقية التي تقف أمام هذا الورش، وفحص العلاقة الجدلية القائمة بين الإنسان والعمران في المنظومة الإنمائية، وربطها بالتصوّف وما يمكن أن يفتحه من آفاق واعدة في هذا الباب، لأجل الخروج بجملة من التوصيات والاقتراحات الفاعلة لرفعها الى المؤسسات والجهات الرسمية التي تعنى بقضايا التنمية، باعتبار مؤسسة “الملتقى” قوة اقتراحية من شانها الإسهام في هذا المشروع التنموي الكبير.
وحسب الورقة العلمية للملتقى، فإن التنمیة تعتبر إحدى الركائز الكبرى التي تقوم علیها الحیاة الإنسانیة في كل معالمها وحیثیاتها، وذلك لما توفّره من مقومات الاستقرار والتقدم والرخاء، ويضيف المنظمون للملتقى بأن التنمیة الیوم قد وصلت مدى لم تصله من قبل، في كل المجالات، بحیث أصبحت الحیاة أكثر یسرا ورفاهیة. غیر أن ما یؤخذ على هذه الأخیرة، تهمیشها للجوانب الروحیة والقیمیة للإنسان، فهي لم تهتم بهذا الأخیر إلا من جهة ما یصلح لأن یكون به خادما للمنجز التنموي في بعده المادي والتقني، عن طریق تنمیة قدراته ومهاراته في هذا الباب، بحیث أصبح آلة مسخّرة ضمن المنظومة التنمویة الحدیثة.
ونتیجة لهذ ا الإهمال الذي طال هذه الجوانب الجوهریة في الإنسان، فقد دخلت مجتمعاتنا في أنفاق مظلمة، رغم التقدّم الحاصل ماديا وتقنيا، وتتجلى الجوانب المظلمة حسب الورقة العلمية للملتقى في الأزمات النفسیة الخانقة التي یتخبط فیها إنسان اليوم، والفراغ الروحي المهول الذي یعانیه، ومظاهر الانحراف السلوكي، بالإضافة إلى الاستنزاف المتزاید للثروات، وما رافقه من اختلال خطیر في النظام البیئي، وغیر ذلك من الجوانب المظلمة لهذه التنمیة.
ويؤكد المنظمون أن التنمية كي تكون تنمية مستدامة وخلاقة لابد لها أن تنطلق من الانسان، وأن تراعي حاجاته على كل المستويات؛ نفسيا وروحيا وجسديا وفكريا واجتماعيا، فقبل أن نهتم بتنمية المحيط والعمران ينبغي أولا أن نهتم بتنمية الانسان، وهي الفكرة الجوهرية التي حملها الإسلام في تأسيسه لنموذجه التنموي، حيث جعل من الانسان مركز الدائرة التي يدور في فلكها كل مشروع إنمائي، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم”. ومن هنا فقد انطلق صلى الله عليه وسلم في مشروعه الإصلاحي من هذا البناء الإنساني قبل تشييده لأي جانب من العمران، فخلّف لنا بذلك جيلا فريدا من الرجال الذين خلدوا المآثر العظام، وتحمّلوا المسؤوليات الجسام، فعلى ايديهم توسعت الفتوحات، وانتشر العمران والعلم، واصبحت الحضارة الإسلامية من اكثر الحضارات ازدهارا وتقدما.
ويسلط المنظمون الضوء على الدور الكبیر الذي اضطلع به التصوّف في بناء التنمیة لكونها تقوم في التراث الإسلامي على صناعة الإنسان، فالتصوّف لكونه من أكثر المكوّنات الدینیة اختصاصا بهذا الجانب الإنمائي والبنائي والتأهیلي للإنسان، وقدمت الورقة العلمية للملتقى نماذج لرجال التصوف الذين كانت لهم مساهمات قيمة في شتى مجالات التنمية، حيث اسهموا في بناء المساجد، وحفر الآبار، وتشييد المدارس، وكفالة الأيتام، وإعانة المحتاجين، وغير ذلك من الأبعاد التنموية، بل ان منهم من بنى مدنا بكاملها، كما هو الحال بالنسبة لمدينة السمارة التي شيدها الشيخ ماء العينين، لتستقر بها القبائل المجاورة، وتكون نقطة التقاء للتجارة عبر الصحراء المغربیة.
وأكّدت الورقة العلمية للملتقى على دور الصوفية المغاربة الذين خلّدوا آثاراً معماریة في سائر الربوع التي مروا بها، سواء أثناء رحلتهم إلى الحج، كما هو الأمر بالنسبة للدیار المصریة التي استقرّ فيها عدد من الصوفیة المغاربة، مع ما شیدوه من معالم إعماریة كبیرة في عدد من مدنها التي استقروا بها، مع ما غرسوه في نفوس الناس من قیم روحیة كان لها الأثر الكبیر على التنمیة العمرانیة بشكل عام. وكذا الأمر بالنسبة لما اضطلعوا به في القارة الإفریقیة التي كان لهم الفضل الكبیر في دخول الإسلام إلى ربوعها، وما رافق ذلك من مشاریع إعماریة وإنمائیة رائدة.
ويضيف المنظمون أن الأنسانية بحاجة اليوم إلى هذا المكون الروحي والأخلاقي –التصوف- وما يقدمه من ضمانات عملية لإنجاح المشاريع التنموية، وفي طليعتها الصدق والإخلاص في المعاملة، بالإضافة إلى ما رسّخه التصوّف من قيم المواطنة الصادقة وما لها من أثر مباشر على النهضة التنموية، إلى جانب ما دعا اليه من سائر القيم الإحسانية من أجل بناء حضارة إنسانية راقية قائمة على التعايش والتعاون والسلم والأمن والأمان، ونبذ كل أشكال التطرف والعنف والإنحلال، فالتصوف يعتبر مصدراً للخير والقيم والفضائل الإسلامية السامية، التي هي قيم إنسانية كونية تنشد الرحمة والمحبة والسلام للعالمين.