بقلم: إدريس هاشمي علوي
و. م.ع
على بعد عشرين كيلومترا من بركان، يتوقف المهندس الفلاحي خالد رمضاني بسيارته ويخرج عدة العمل: طائرة “درون” ولوحة إلكترونية ومعدات أخرى. والهدف: التقاط صور جوية لعشرات الهكتارات المغروسة بشجر الأركان.
يجري هذا الشاب الشغوف بالإعلاميات فحوصات فنية، قبل أن يعمد إلى إطلاق الآلة الطائرة، تحت الأنظار المتابعة لمجموعة من الأطفال بجماعة الشويحية.
ولا يفتأ خالد رمضاني، وهو رئيس تعاونية المركز الرقمي ببركان، عن استثمار مؤهلاته وخبراته التي اكتسبها في المغرب وأوروبا في مجالي الفلاحة والمعلوميات، وذلك بعد حصوله على التراخيص الإدارية اللازمة.
يقول خالد، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن “الدرون”، خفيفة الوزن وسهلة القيادة، تمنح صورا أكثر دقة من صور الأقمار الاصطناعية، مضيفا أن هذه الأداة الطائرة تقوم في ظرف أربع ساعات بمهمات تتطلب، في العادة، ثلاثة إلى أربعة أيام من المسح الطوبوغرافي.
لكن مهمة خالد لم تنته بعد، إذ يقوم المهندس الشاب – بعد ذلك – بمعالجة المعطيات التي تم تجميعها بمكتب التعاونية، الذي يضم عشرة شباب يشتغلون في مجال تطوير التطبيقات الفلاحية على الهواتف الذكية وفي ابتكار برامج معلوماتية بناء على طلب فلاحي المنطقة الراغبين في تدبير المبيعات والمخزون والميزانية واليد العاملة.
في الواقع، يوضح خالد، تمكن “الدرون” بعد معالجة الصور الملتقطة، من تحديد مواقع الإجهاد المائي والمناطق التي تنمو فيها الأعشاب الضارة، ما يسمح بإنجاز تدخلات استباقية وموجهة.
وغني عن البيان أن التكنولوجيا الحديثة تنزع بشكل متزايد نحو إعادة تشكيل عالمنا اليوم. ويبدو أن المثال الأوضح، في هذا السياق، تبرزه المجسات الذكية التي تأخذ شكل أجهزة استشعار إلكترونية موضوعة في مستويات مختلفة من التربة بغية قياس مجموعة من العوامل ذات الصلة، من قبيل الحرارة والرطوبة وملوحة الأرض.
و”تمكن هذه التقنية الفلاحين من متابعة حالة التربة بشكل مباشر وملموس، ومن ثم التدخل بفعالية في الوقت الملائم”، يوضح الأستاذ الباحث بالمعهد الوطني للبحث الزراعي رشيد حضرية، الذي ركب عددا من أجهزة الاستشعار بضيعة فلاحية كبيرة للحوامض في ضواحي بركان.
مبرمجو التطبيقات الفلاحية بمكتب تعاونية المركز الرقمي
ويتم جمع هذه المعطيات التي تقاس بشكل مستمر بفضل هذه المستشعرات، بواسطة محطات تنقل البيانات التي تم جمعها إلى المحطة الأم، والتي ترسل بدورها، إلى الفلاح مباشرة وحيثما كان، معلومات عن وضعية تقدم المحاصيل، بحسب ما أكد السيد حضرية المتخصص في النمذجة والاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية.
وباتت رقمنة الفلاحة توجها يغري عددا من الشباب عبر المغرب، على غرار مريم الوافي، وهي صاحبة مقاولة ناشئة طورت منظومة فريدة للسقي متناهي الصغر (نانو) يمكن من اقتصاد الماء إلى حوالي 80 في المئة مقارنة مع الأنظمة المستعملة في الفلاحة وتدبير الفضاءات الخضراء والمناطق الجافة.
ويمكن الإشارة، في هذا الصدد، إلى مشروع بحث طالبة الدكتوراه أسماء الزبيري التي تعمل على تطوير منظومة للإنذار المبكر عن الجفاف في المناطق الرعوية الجافة وشبه الجافة بالمغرب.
ويهدف هذا المشروع، الذي ينجز بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بوجدة، إلى تدبير مخاطر الجفاف في مرحلة مبكرة بالاستناد إلى صور الأقمار الاصطناعية عبر مؤشرات هيدرولوجية ومؤشرات الغطاء النباتي. وسيمكن هذا المشروع صانعي القرار من التوفر على البيانات الضرورية من أجل بلورة مخططات وتدابير استعجالية في مراحل الجفاف.
وعلى الصعيد المؤسساتي، تعمل مختلف القطاعات ذات الصلة على استثمار هذه الطفرة التكنولوجية التي تفتح آفاقا كبيرة أمام القطاع الفلاحي.
ويجدر التذكير، في هذا الشأن، بالنظم المحوسبة التي تتوخى تحسين المردود الفلاحي، من قبيل “كروب غراوث مونيتورينغ سيستيم – المغرب)، وهي منظومة أشرف عليها المعهد الوطني للبحث الزراعي بتعاون مع معاهد بحث وطنية ودولية.
وبحسب الدكتور حميد محيو، مدير المركز الجهوي للبحث الزراعي بوجدة، فإن هذه المنظومة، التي يمكن تحميلها على الهواتف الذكية، تروم مراقبة نمو المزروعات بناء على الظروف المناخية وخصائص التربة، ومحاكاة نموها، ومقارنة الظروف المناخية للموسم الجاري مع المعطيات السابقة.
أجهزة استشعار إلكترونية موضوعة في مستويات مختلفة من التربة
كما ألح السيد محيو على أهمية التكنولوجيات عالية الدقة في النهوض بالقطاع الفلاحي، مشيرا في هذا الصدد إلى منظومة “فرتيماب”، وهي مشروع “خريطة تسميد الأراضي المزروعة بالمغرب”.
ووفق المتحدث، فإن هذه الآلية، التي تعد ثمرة شراكة بين وزارة الفلاحة ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في إطار مخطط المغرب الأخضر، تمكن من تطوير منظومة مبتكرة للاستشارة بشأن التسميد بغية تحسين المردودية عبر تحليل خصوبة التربة والحاجيات المتعلقة بالعناصر المخصبة للمزروعات.
وبهذا الخصوص، يمكن التذكير بإطلاق وزارة الفلاحة لنظام وطني للترقيم وتتبع مسارات الحيوانات، الأول من نوعه على صعيد شمال إفريقيا، الذي يستخدم تكنولوجيا مبتكرة مبنية على ترقيم المواشي باستعمال شرائح الكترونية تعمل بالموجات الإذاعية.
وفي المجمل، فإن المغرب بات يتجه بشكل متزايد نحو استعمال هذه التطبيقات والآليات بهدف مساعدة الفلاحين، لا سيما في الوقاية من الطفيليات والأمراض التي تصيب النباتات ومعرفة الوقت المناسب لزراعة البذور أو التنبؤ بالإجهاد المائي.
ولأجل حث الشباب على الانخراط في هذه الدينامية، أطلقت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بشراكة مع وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، أول طلب عروض مشاريع لتشجيع البحث في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته. وسيتم استثمار هذا المشروع، الذي رصد له غلاف مالي يبلغ 50 مليون درهم، في النهوض بالبحث العلمي المتعلق بالذكاء الاصطناعي، بما فيه المشاريع التي تهم المنظومات الذكية في تدبير الماء.
وكان الكاتب العام لوزارة الفلاحة محمد صديقي قد أوضح، خلال ندوة علمية نظمت في دجنبر الماضي بالقطب الفلاحي ببركان حول “التحول الرقمي كرافعة لتنمية القطاع الفلاحي وقطاع الصناعة الغذائية بالجهة الشرقية”، أن تحديث القطاع الفلاحي في المغرب، عبر مخطط المغرب الأخضر الذي فتح أوراشا كبرى، يندرج في سياق دينامية أعادت تموقع الفلاحة بوصفها قطاعا محركا للاقتصاد، وجاذبا للشباب والاستثمارات، مع لجوء متزايد إلى توظيف التكنولوجيا، بدء من تلك المتداولة على نطاق واسع إلى التكنولوجيات الدقيقة.
ويبدو أن الفلاحة المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة قد قطعت أشواطا ملحوظة، لأن الشباب المشتغلين في الميدان الفلاحي، في الوقت الراهن، واعون بالحاجة إلى تمثل التكنولوجيا الحديثة واستثمار إمكانياتها اللامحدودة في تطوير هذا القطاع.