خلال شهر ماي من كل سنة، يقوم الأميركيون بشكر أمهاتهم من لكل ما يفعلنه من أجل أسرهم ومجتمعاتهم، وقد تمكن المغرب من جهته على مدى السنوات الـ 60 الماضية، من التأقلم مع هذا النوع من التفكير، وعبر عن ذلك من خلال العمل على حماية حقوق الأمهات وإبراز مدى أهمية ذلك في المجتمع.
وقد أعطى الملك محمد السادس حقوق المرأة أولوية منذ توليه الحكم، عبر إدخال إصلاحات واسعة النطاق على مدونة قانون الأحوال الشخصية التي تنظم الزواج والأسرة، بعد فترة وجيزة من توليه العرش. وقد أبرز الملك رغبته في الإصلاح، عبر التركيز في خطاب له خلال أكتوبر 2003 على موضوع إدخال هذه الإصلاحات.
إصلاح مدونة الأحوال الشخصية التي أصبحت لاحقا مدونة للأسرة، هو أحد السبل التي سعى المغرب من خلالها لمعالجة هذه المسألة، كما أنه فتح طريقا طويلا منذ أن بدأ يناقش حقوق الأمهات.
قانون الأحوال الشخصية لسنة 1957، كان يمنح الأمهات عددا محدودا جدا من الحقوق فيما يتعلق بأطفالهم، إذ إن المادتين 36 و 113 من القانون كانت تعالج موضوع النساء على أنهن ممتلكات أزواجهن، وتضع الأزواج منزلة “ولي الأمر”. كما كان القانون يحظر أيضا على الأمهات الحصول على الحق في حضانة الأطفال بعد الطلاق، ولا سيما إذا كانت المرأة تريد الزواج للمرة الثانية.
عقود من نضال الحركات المطالبة بالإصلاح دفعت بتعديل مدونة 1992، التي عرضت بعض التغييرات. فبموجب القانون الجديد، تم منح الأمهات اللواتي يتجاوز سنهن الثامنة عشرة، حضانة الأبناء في حال وفاة الأب، وعلى الرغم من ذلك، ظلت الأمهات في نظر القانون “يعتمدن اقتصاديا على الرجال، وليس لديهن الحق في طلب الطلاق”.
أما المدونة الحالية، التي رأت النور تحت رعاية ملكية خلال عام 2004، فقد وسعت بشكل كبير حقوق الأمهات والأطفال. فبموجب المادتين 166 و 171 من هذا القانون، أصبحت الأمهات مستفيدات من الحضانة كحق أساسي، وذلك فيما يتعلق بأبنائهم الذكور والإناث معا، إلى أن يصلوا سن “الرشد”. كما أصبح من حق الطفل فور بلوغه سن الـ 15 عاما، أن يختار ما إذا كان يريد العيش مع والدته أو والده. كما ألغى هذا القانون وصاية الرجال على النساء البالغات، وقيد تعدد الزوجات، ودمج أجزاء من القانون الدولي حول حقوق الطفل في قانون الأسرة المغربي.
تحسين هذا المجال كان يجب أن يعرف استمرارا، فإلى غاية العمل بموجب قانون 2004، كان لا يمكن تسمية الأطفال بالشرعيين إلا بعد اعتراف والدهم بهم، مما يترتب عنه تلقائيا إرث اسمه ودينه. كما أن القانون كان يمنح الآباء سلطة اتخاذ القرارات عوض أطفالهم، وهذه الوصاية لا تمنح للأم إلا إذا كان الأب غائبا أوعاجزا، حيث كانت تعتبر غير مناسبة لهذا الدور. كما هو الحال بمدونة 1957، حيث كانت الأم المطلقة التي تتزوج من رجل آخر، لا تحصل على الحضانة إلا إذا كان عمر الطفل أقل من سبع سنوات، أو يعاني من إعاقة، أو إذا كانت الأم الممثل القانوني للطفل.
لكن المملكة عملت على معالجة هذه التفاوتات بشكل مستمرة، وبالإضافة إلى تمرير إصلاحات مدونة الأسرة، تعاونت الحكومة مع المنظمات النسائية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية لتعزيز المساواة بين الجنسين في جميع أنحاء البلاد. فمنذ صدور مدونة 2004، أسست شبكة أطلق عليها إسم ANARUZ، تتألف من 17 منظمة نسوية، جاءت بهدف توعية النساء والرجال على المساواة بين الجنسين، وتشجيع حقوق المرأة والتسامح والمواطنة.
وفي عام 2008، قامت وزارة الأسرة المغربية بدعم مثل هذه المبادرات من خلال إقامة خط هاتفي لضحايا العنف المنزلي. وفي العام نفسه، وافق الملك محمد السادس على قانون الجنسية، الذي مكن المرأة المغربية المسلمة التي تتزوج من المسلمين الأجانب، من نقل جنسيتها المغربية لأطفالها.
الوكالات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، والمفوضية الأوروبية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة، كلها جهات خصصت دعما لهذه الأنواع من المبادرات، سواء أكان معنويا أو ماديا، عبر توفير الموارد البشرية والمادية لخدمتها.
أما اليوم، فيتوجب على المغرب أن يكون أكثر حذرا، ويركز على النقاش العام الدائر حول العلاقة بين حقوق المرأة وبين التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المملكة، فبمجرد أن تنجز هذه المهمة، فلن يكون هناك داع للحديث حول الإصلاحات التي سوف تحقق بعد هذا المكسب.
(*) باحثة من الولايات المتحدة الأمريكية.