كلمة السيد رئيس جامعة محمد الأول بوجدة
بمناسبة تنظيم الندوة المغاربية العاشرة حول
“الدبلوماسية الاقتصادية و الأمنية المغاربية تجاه إفريقيا جنوب الصحراء”
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
السيد والي جهة الشرق، عامل عمالة وجدة أنكاد؛
السيد رئيس مجلس جهة الشرق
السيد عميد كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ؛
السادة رؤساء مؤسسات جامعة محمد الأول
السيدات و السادة الأساتذة،
ضيوفنا الكرام
السادة ممثلو وسائل الإعلام
حضرات السيدات و السادة،
اسمحوا لي في بداية كلمتي هذه أن أتقدم بجزيل الشكر و الامتنان للسيد عميد كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية و لكافة أعضاء اللجنة المنظمة على دعوتهم لي للمشاركة في أشغال الندوة المغاربية العاشرة حول “الدبلوماسية الاقتصادية و الأمنية المغاربية تجاه إفريقيا جنوب الصحراء”، كما أغتنم هذه الفرصة لتهنئتهم على اختيار موضوع يكتسي أهمية بالغة نظرا لراهنيتة.
حضرات السيدات والسادة
لقد أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده للسياسة الخارجية للمملكة اتجاه القارة الإفريقية نفسا قويا، حيث لم يتوان حفظه الله منذ اعتلاءه عرش أسلافه الميامين، في تدعيم وترسيخ هذه العلاقات، وجعلها ضمن المحاور الرئيسية للسياسة الخارجية للمملكة، والارتقاء بها إلى مستوى الشراكة الحقيقية الفاعلة والمتضامنة، التي تندرج في إطار أوسع للتعاون جنوب-جنوب.
ولقد شكل الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه جلالة الملك نصره الله و أيده في افتتاح المنتدى الاقتصادي المغربي-الإيفواري بأبيدجان حدثا استثنائيا بكل المقاييس ، إذ أرسى معالم لشراكة إستراتيجية متينة ومنفتحة ، يقول جلالته:
”[…] إن إفريقيا قارة كبيرة، بقواها الحية وبمواردها وإمكاناتها. فعليها أن تعتمد على إمكاناتها الذاتية. ذلك أنها لم تعد قارة مستعمرة. لذا، فإفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في إفريقيا.
فقارتنا ليست في حاجة للمساعدات، بقدر ما تحتاج لشراكات ذات نفع متبادل. كما أنها تحتاج لمشاريع التنمية البشرية والاجتماعية أكثر من حاجتها لمساعدات إنسانية.”
و بفضل التوجيهات الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده، حققت الدبلوماسية الاقتصادية المغربية نجاحات وقفزة تاريخية بعد الزيارات الميمونة التي قادها جلالته حفظه الله لمجموعة من الدول الإفريقية، وكرست حقيقة كون المغرب المستثمر الأول في غرب القارة، والثاني بالنسبة لعموم إفريقيا. حيث توجت هذه الزيارات بمجموعة من الإتفاقيات والمشاريع شملت مختلف المجالات والقطاعات الحيوية، مكنت المغرب من تقوية موقعه على المستوى الأفريقي وإبراز دوره الحقيقي اقتصاديا في المنظومة الاقتصادية للقارة السمراء.
أيها الحضور الكريم
لقد أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في العديد من المناسبات أن التعاون مع الدول الإفريقية لم يعد خيارا بل ضرورة حتمية لتمكين بلدان الجنوب من الاستجابة لتطلعات شعوبها من أجل تنمية بشرية عادلة ونمو اقتصادي متواصل. كما أسس جلالته حفظه الله لنموذج للتعاون جنوب – جنوب فعّال، تضامني ومتعدد الأبعاد، يقوم على الاستثمار الأمثل للطاقات والثروات التي تزخر بها البلدان الإفريقية، مشددا على ضرورة توجيه هذا التعاون لخدمة المصالح الإستراتيجية لهذه البلدان.
فالتعاون جنوب-جنوب، كما يقول جلالته حفظه الله :
“[…] ليس مجرد شعار أو ترف سياسي ، بل هو ضرورة ملحة تفرضها حدة وحجم التحديات التي تواجه بلداننا ، بحيث لا يمكن معها الاعتماد على أشكال التعاون التقليدية ، التي أصبحت غير قادرة على الاستجابة للحاجيات المتزايدة لشعوبنا…”
و تأسيسا على ما سبق يمكن القول أن تعزيز روابط التضامن والتعاون بكل أبعادهما مع القارة الإفريقية و لا سيما الاقتصادية تشكل محورا رئيسيا في السياسة الخارجية المغربية كما حددها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و تشكل تعبيرا متجددا للطابع الإفريقي للمغرب الذي يندرج في سياق استمرارية تاريخية عمادها العديد من المبادلات المثمرة على مستويات عدة.
أيها السيدات و السادة
و في هذا السياق، يشكل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمملكة ، الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمدينة العيون بمناسبة الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، خارطة طريق ترتكز في مضمونها على استراتيجية النهوض بالتنمية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، كما يعد ثورة حقيقية في مجال تدبير الحكامة من أجل وضع القواعد المؤسسة لسياسة مندمجة، تحفز تعزيز إشعاع الصحراء المغربية كمركز اقتصادي وحلقة وصل بين المغرب وامتداده الإفريقي.
وأكد جلالة الملك حفظه الله في العديد من المناسبات على عزم المغرب على مواصلة تطبيق هذا النموذج التنموي من أجل النهوض بتنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة، وضمان الحرية والكرامة لأهلها، بموازاة مع تفعيل الجهوية المتقدمة، بما يتيح لساكنة المنطقة التدبير الديمقراطي لشؤونهم، والمساهمة في تنمية منطقتهم، و جعلها قطبا اقتصاديا مندمجا، يؤهلها للقيام بدورها، كصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، وكمحور للعلاقات بين دول المنطقة.
و في نفس النسق، حث جلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده في خطاب افتتاح دورة البرلمان في الجمعة الثانية من أكتوبر 2017مختلف الفعاليات المجتمعية على فتح نقاش عمومي حول نموذج تنموي جديد، ينبغي تناوله ضمن إصلاح شامل يؤطر الحاجات الحقيقية للمجتمع، ويحدد الأهداف والغايات، ويرتب الأولويات، ويراعي الهوية الوطنية بجذورها الضاربة في التاريخ، ويحترم روافدها الثقافية، وانتماء المملكة العضوي إلى إفريقيا، وإلى العالم العربي والإسلامي، وانفتاحها على العالم الغربي، ويثمن بالنهاية موقعها الجغرافي الاستراتيجي، بما يمثله من صلة بين إفريقيا والعالم.
أيها الحضور الكريم
و في إطار التفاعل الإيجابي مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي تعرف جامعة محمد الأول تحولا نوعيا سيمكنها من المساهمة في بناء مجتمع المعرفة، والذي يتجلى خصوصا في توسيع العرض الجامعي ووضع برامج جديدة في حقول معرفية مختلفة تستجيب لمتطلبات المرحلة الحالية. حيث أصبحت الجامعة توفر تكوينات جديدة تخص بالأولوية مجالات واعدة ومستقبلية وإعطاء أولويات لتكوينات مستعجلة.
و في ظل هذه التطورات فإن دور الجامعة اليوم لا يقتصر فقط على إنتاج المعرفة، بل يتعداه إلى المساهمة في تزويد سوق الشغل بأطر مؤهلة وقادرة على تحقيق اندماج سهل داخل الحياة المهنية، حيث أصبح من الضروري تعبئة الطاقات داخل الجامعة لتوفير حاضنات تتولى مهمة مواكبة المقاولين الشباب، ومرافقتهم لتأمين الاستمرارية لمشاريعهم الناشئة. و تسعى جامعة محمد الأول إلى جعل انفتاحها على محيطها السوسيو اقتصادي عملية مستدامة، تتيح فرص حقيقية للاندماج الفعلي في النسيج الاقتصادي والاجتماعي، وضمان الجودة في التكوين و وتحقيق الملائمة بين البحث العلمي و التكوين الأكاديمي واحتياجات سوق الشغل و مواكبة القطاع الاقتصادي
حضرات السيادت والسادة
و في الختام أجدد شكري وامتناني للسيد عميد الكلية و كافة المشاركين من أساتذة و طلبة و باحثين، متمنيا لهذه التظاهرة العلمية المتميزة أن تؤسس لمشاريع شراكات علمية طموحة، مجددين انخراطنا في دعم كل المبادرات التي تسعى إلى توطيد العلاقة بين الجامعة ومختلف المؤسسات المحلية و الوطنية و القارية، لتعزيز التوجه المغربي نحو عمقه الإفريقي ودعم التعاون جنوب-جنوب.
وفقنا الله جميعا لتحقيق ما نصبو إليه من رقي ونماء تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. وأدام على جلالته الشريفة نعمة الصحة والعافية، وأبقاه ذخرا لشعبه الوفي، المتفاني في حبه، وأقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير المحبوب مولاي الحسن، وشد أزره بشقيقه السعيد، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد، وبسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
اعداد:حساين محمد