في آخر فيلم حلقة الشعراء المفقودين ،ودع طلاب أكاديمية ويلتون أستاذهم جون كيتينج،الذي ساعدهم على استعادة التوازن في حياتهم،بالوقوف على الطاولات والتصفيق،اعترافا منهم بما قدمه لهم،وفي أخر عهده بتدبير الشأن العام،من منطلق منصبه كعامل لمقاطعات سيدي البرنوصي بالبيضاء،ودع السكان محمد علي حبوها بكثير من الأسف بعدما قادته حركة التعيينات الجديدة إلى إقليم بركان.
فالرجل،حسب مجموعة من الشهادات التي استقتها الوطن الآن لم يدخر جهدا من أجل تعبئة جميع الإمكانات لتغيير الأوضاع بسيدي البرنوصي،انطلاقا من سياسة تشاركية مبنية على القرب،وليس على التسيير من ))المكاتب الفاخرة والمكيفة((،فمن هو محمد علي حبوها الذي كان يلوح لساكنة البرنوصي بحب؟
ولد محمد علي حبوها في 13 يناير 1962 بمدينة طانطان،وبعد حصوله على دبلوم في العلوم السياسية من جامعة أوتاوا بكندا،التحق بمكتب استغلال الموانئ بالدار البيضاء سنة 1990 ثم انتقل إلى فرع مكتب الموانئ بأكادير في فاتح ماي سنة 1990،ليكلف بعدئذ في فاتح يناير 1991 بميناء العيون،قبل أن يصبح مديرا لمشروع بوحدة لاستغلال الصدفيات ابتداء من سنة 1997،وبعد سنوات من العمل في العيون،عين كاتبا عاما بالإدارة المركزية لوزارة الداخلية في 27 شتنبر 2004،وفي 9 فبراير 2005،عاد إلى العيون كاتبا عاما للإقليم ملحقا بديوان والي جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء،قبل أن يتم تعينه عاملا على إقليم طرفاية،ثم عاملا على مقاطعات سيدي البرنوصي 2010.
بصمات حبوها لم تقتصر على عمالة البرنوصي فقط بل امتد صداها إلى مختلف عمالات الدارالبيضاء وباقي الأقاليم المغربية،ولعل أهم ما اشتهر به العامل حبوها،هو جرأته في تنفيذ خطة جديدة لمحاربة ظاهرة احتلال الملك العام من طرف الباعة المتجولين.
إذ لأول مرة في تاريخ المغرب تتمكن السلطة في شخص عمالة البرنوصي من أن تفلح في تحرير الشارع من جهة وحشد مشاركة الباعة أنفسهم في مشروع من جهة ثانية،وبناء )وهذا هو المهم( فضاء نموذجي يتوفر على كل المقومات التي تجعل البائع والزبون يتمتعان بالكرامة،إنه مشروع فضاء تجارة القرب التي انطلقت التجربة الأولى قرب ثانوية المختار السوسي التي خصصت لتجميع الباعة المتجولين الذين كانوا يحتلون لعقود ساحات وأزقة مجاورة لمسجد الإمارات بشارع أبي ذر الغفاري )شارع ))شوفوني( ( (.
تجربة هذه الفضاءات كانت بحق ثورة في التعامل مع ظاهرة الباعة المتجولين جعلت معظم سكان المدن الأخرى يطمحون إلى انتقال العدوى لأحيائهم لإنقاذهم من التشوهات التي تخلقها ظاهرة احتلال الشارع من طرف ))الفراشة((.
نجاح التجربة كان حافزا للعامل محمد حبوها لزرع فضاء أخر جديد قرب مسجد الفردوس بحي الأمل،وهي التجربة التي فتحت شهية ابن المقاوم الصحراوي حبوها،للدخول في رهان أخر،ألا وهو نفض الغبار عن مشروع تهيئة المدخل الشمالي للدارالبيضاء الذي كان مدخلا بئيسا فحوله حبوها إلى أحد أجمل مداخل مداخل الدارالبيضاء،إذ تم تهيئة الساحة المجاورة للملعب وشق طريق جديدة وغرس المئات من الأشجار والنخيل مع كل لوازم التأثيث الحضري )إنارة جيدة وتبليط وكراسي وفضاء اللعب للأطفال(،وتم بالموازاة تدشين حديقة الفردوس،التي تعتبر ورشا كبيرا من شأنه،وهي الآن في أخر مراحلها،إعطاء صورة مشرفة لمقاطعة سيدي البرنوصي.
التحول المشرق للمدخل الشمالي للبيضاء قاد حبوها إلى خلق مشاريع أخرى مدرة للدخل عبر إنشاء )سوق القرب أناسي( الذي يحتوي على 360 محلا لبيع مختلف أنواع الخضر،والفواكه،والأسماك،والأدوات المنزلية والملابس.
وتتحدث الساكنة عن المراقبة الحازمة التي نفذها حبوها في السوق النموذجي )ماكلتي( بمحاذاة سوق مسجد الفردوس،الذي تقدم فيه العصائر والوجبات السريعة،وذلك بفرض قوانين لردع المخالفات،حفاظا على صحة المواطنين التي اعتبرها حبوها خط أحمر،واللافت أن المراقبة شملت باقي محلات الأكلات الخفيفة المنتشرة على امتداد تراب سيدي البرنوصي،حيث تابع المواطنون نتائج تلك الحملات التي انتهت بإغلاق بعض المطاعم التي لم تكن تحترم لوائح الاشتراطات الصحية لحماية صحة المستهلكين من مخاطر تلوث الأغذية أو فسادها.
وقام العامل محمد حبوها بخلق مركز للإنتاج التضامني لتعاونيات الخياطة بالحي الصناعي بسيدي البرنوصي،وذلك لاستقبال وتشغيل المستفيدات من التكوين في الخياطة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،كما أحدث واحدا من أكبر المراكز الكبرى لتصفية الدم على الصعيد الوطني،من أجل التخفيف من معاناة الأشخاص الذين يعانون من القصور الكلوي،كما عمل على توفير حافلات نقل مدرسية لصالح التلاميذ القاطنين بعيدا عن مؤسساتهم،وذلك للمساهمة في محاربة الهدر المدرسي،فضلا عن مجموعة من الأنشطة من بينها معرض فعاليات ملتقى المبادرة والمواطن وتنظيم سباق دولي على الطريق،بالاضافة إلى لقاءات تواصلية ودراسية وعروض فنية وترابية.
وأول حبوها لمساجد سيدي البرنوصي عناية خاصة،حيث لا يترك أي فرصة تمر دون أن يشجع الأئمة على القيام بالأدوار المنوطة بهم على المستوى الاجتماعي والدعوي والعلمي،كما أولى عناية خاصة لقطاع الطاكسيات،وخاصة تنظيم محطة السينما التي تعتبر أهم منصة لانطلاق الطاكسيات الكبيرة نحو أهم الاتجاهات بالمدينة،فضلا عن الحوار مع المهنيين بغاية محاربة تفشي النقل العشوائي بالمنطقة،إلى جانب التحسيس ببعض المخاطر التي تندرج في إطار ترسيخ أخلاقيات المهنة،كالتعاطي للمخدرات وشرب الكحول أو التدخين أثناء القيادة،واحترام اللون المخصص ليارة الأجرة ،واحترام نقطة الانطلاق،ولزوم توفر السيارة على الرقم الترتيبي القانوني..إلخ.
لم يكن لسكان سيدي البرنوصي أن يتذكروا لمحمد علي حبوها كل الأعمال التي قام بها،لولا أنه جعلهم ينخرطون فيها على نحو تشاركي قائم على مبدأ الحوار،فهذا السؤال كان فعلا يتوفر على أجندة واضحة لتنمية منطقتهم،وهي الأجندة التي جعلهم يشاركون في وضعها كل من زاوية اهتمامه أو مسؤوليته.
فطوبى لسكان إقليم بركان بالتعيين الملكي في شخص حبوها،سليل العائلة المقاومة بالصحراء.
جريدة الوطن الآن