الرباط – انطلقت، مساء يوم الجمعة بالرباط، أشغال الدورة الثالثة والعشرين للمجلس العلمي الأعلى التي تنعقد، على مدى يومين، بإذن من أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس المجلس العلمي الأعلى.
وأكد الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، السيد محمد يسف، في كلمة بالمناسبة، أن الدورة 23 للمجلس تنعقد في سياق جملة من الأحداث الوطنية المتسارعة لها دلالتها ومعانيها ورمزيتها، وفي طليعتها الزيارة المولوية لعدد من بلدان القارة الإفريقية، مبرزا “أهمية هذه الرحلة التاريخية التي اخترقت الديار الإفريقية من شرقها إلى غربها، وأحيت ماضيا، كان إلى وقت قريب منسيا”.
وأضاف السيد يسف، خلال هذا اللقاء الذي جرى بحضور وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، السيد أحمد التوفيق، أن هذه الزيارة الملكية جاءت لتحيي تلك الروابط التي انفصمت عراها مع دخول المستعمر إلى إفريقيا، وتعزز من الدور القاري للمملكة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الروحي، مستندة في ذلك الى تجذرها العميق والتاريخي داخل القارة الإفريقية.
وسجل أن رحلة أمير المؤمنين إلى عدد من الدول الإفريقية لاسيما تلك الواقعة بشرق القارة، تعيد إلى الأذهان ذلك الفصل المشرق من فصول النضال المغربي، في سبيل التحرر من ربقة الاستعمار، كتبه بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس الذي “آثر النفي والإبعاد على الملك في ظل الاستعباد، فعاش في ضيافة مدغشقر زاهدا عابدا تاليا لكتاب الله تعالى (…) ولكنه عاش قلبا وعقلا وروحا مع شعبه”.
وعلى ضوء هذه الزيارة الملكية، يقول السيد يسف، فإن جدول أشغال دورة المجلس الذي زكاه رئيس المجلس العلمي الأعلى أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، يتضمن فقرات يتصدرها النظر في الأسلوب الذي سيعتمده علماء المؤسسة في ترسيم التعاون العلمي والمعنوي بين المغرب وإفريقيا، وإعداد وثيقة حول رؤية وبرنامج عمل دقيق، استنادا إلى الطرق التي سلكها علماء السلف آنفا حيث كان لهم في العمق الإفريقي أطيب الذكر وعاطره.
كما يأتي انعقاد دورة المجلس، حسب السيد يسف، في سياق إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، وهي مناسبة لها -في عرف أهل المغرب- نكهة متميزة، إن على المستوى الرسمي أو الشعبي، ففيها “يبرز الحب والتعلق بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وشريعته السمحاء”.
ومن جهة أخرى، توقف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، عند التقرير المفصل الذي رفعه المجلس إلى أمير المؤمنين، ويقع في سفرين اثنين، مبرزا أن التقرير يسلط الضوء على ما يقوم به علماء العصر، في استحضار تام للتحديات الراهنة، من تنمية وصيانة لميراث الأمة المعنوي، والتنوير والتعبئة المتواصلة للمواطنين وواجب التحصين والتأهب ضد كل الانزلاقات.
وأكد، في هذا السياق، أن علماء المؤسسة قاموا هذه السنة، بإصدار وثيقة مصححة لمفهوم السلفية، كما وضع فضلاء من بينهم مشروع وثيقة تصف سبيل العلماء، وهي ثمرة ما استنبطوه من ممارستهم الفكرية والعلمية، كما انكب المجلس هذا العام على استكمال اللجنة الشرعية المكلفة بالنظر في منتوجات المالية التشاركية، استعدادا لمعالجة النوازل التي ستطرح عليه.
ولم يفت السيد يسف التذكير بما يبذله العلماء من جهود في تأطير القيمين الدينيين، وبخاصة تأطيرهم للأئمة والمرشدات بمعهد محمد السادس، وتكوينهم تكوينا تزداد به مناعتهم ضد أنواع التلوث العقدي والفكري المتربص بالمساجد، وتتعزز الصيانة المسجدية بأفواج الخريجين من المعهد الذي أصبح قبلة علمية يقصدها الزائرون من شتى الآفاق.
وأبرز، في هذا الصدد، أن المشهد الديني الوطني حقق قفزة نوعية بدخول المرأة إلى مجال التوعية الدينية، والتي أبانت عن قدرة واهتمام كبيرين بحفظ القرآن الكريم واستنباط العلوم الشرعية، في ظل تجربة دينية فريدة من نوعها تتمثل في ضمان تأطير نسائي رسمي في المساجد بإشراف نساء عالمات متخصصات في الوعظ والإرشاد.
وخلص الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى إلى أن مشيخة العلم يجب أن تتجه نحو الترسيخ الفكري والعلمي لمفهوم عالم الأمة في ارتباطه بالإمامة العظمى، تماشيا مع النموذج الذي تتفرد به المملكة في حماية الملة والدين، حيث يعمل العلماء على التبليغ من جهة، وعلى نفي ما حذر منه الحديث الشريف من أنواع الجهل والانتحال والتطرف من جهة أخرى.
يشار الى أن لجان المجلس العلمي الأعلى ستنكب، خلال هذه الدورة، على دراسة القضايا المدرجة في جدول أعمالها، والتي تتعلق بـ”المصادقة على مشروع ميزانية المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية”، و”مشروع برنامج العمل السنوي للمجالس العلمية المحلية : دراسة ومصادقة”، بالإضافة إلى الحسم النهائي في موضوع تزكية القيمين الدينيين.
كما ستتدارس لجان المجلس “توثيق التواصل الثقافي والعلمي بين المغرب وإفريقيا”، و”تعميق النظر في آليات الاشتغال الجهوي للمؤسسة العلمية”.
MAP