بيان معالم الرقي والحضارة والإحسان في تكريم المرأة في الإسلام، ورصد مظاهر العدل والمساواة بينها وبين الرجل، وتقديم نماذج مشرقة للمرأة في التاريخ الإسلامي ، وتسليط الضوء على الدور المشرف الذي لعبته المرأة المغربية والمكانة التي ينبغي أن تتبوأها ، مع ابراز الاهتمام الملكي بها ، محاور تناولها رئيس مؤسسة الملتقى الدكتور منير القادري في مداخلته مساء السبت الثاني عشر من الشهر الجاري في الليلة الرقمية الخامسة والتسعين ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال.
استهلها رئيس مؤسسة الملتقى بالحديث عن المواطنة الكونية التي تتأسس على المشروع الإنسانيّ؛ القِيميّ والأخلاقيّ ، المستند على رصيد مشترك من القيم الأخلاقية و الإنسانية، والذي يجعل من الناس جسدا واحدا باختلاف ألوانهم واعراقهم واديانهم و أجناسهم، ويساهم في إِعْمارِ الأرض بالفعل الحضاري، ويساعد الإنسان على تأدية وظيفته الإستخلافية على أتم وجه وأكمل مقام.
وأوضح أن النّص القرآني جاء شاملًا لآيات فيها مساواة كاملة في الأمر أو النهي بين الرّجال والنساء على حدّ سواء بنوع من التساوي اللّغوي والمعنوي، ذكر منها قوله تعالى: “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” (الأحزاب: 35).
وتابع أن الإسلام يقيم نظرته لعلاقة المرأة والرجل على أساس المساواة في غالب الجوانب والعدل في قسم منها، وأن العدل مرتبة فوق المساواة، وفوق العدل مرتبة الإحسان.
وقدم أمثلة على الجوانب التي أقر فيها الإسلام المساواة بين المرأة والرجل، منها المساواة بالإنسانية والمساواة بالتكاليف الدينية وغيرها، وتابع أن هذه الجوانب تشكل مساحات واسعة جداً من المساواة بين المرأة والرجل التي شرعها الإسلام والتي سبق بها كل مواثيق حقوق الإنسان المعاصرة، وأوضح أن هناك مساحات محدودة في علاقة المرأة بالرجل تعامل معها الإسلام بالعدل وليس المساواة، مراعيا طبيعة المرأة واختلافها عن الرجل، وأنه شرع لها ما يناسبها بتخفيف بعض التكاليف الشرعية عنها كحضور صلاة وتحمل اعباء القوامة على الأسرة إلا في حالات الاضطرار، وأشار الى أن هذه القضايا التي تعامل معها الإسلام بالعدل وليس بالمساواة تحتاج إلى مزيد من التفصيل بسبب الكم الهائل من الإشاعات والأغاليط التي يتم ترويجها.
و أضاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرص على ان تعامل المرأة بالرحمة و الاحترام لكيانها و شخصيتها، وانه كان يدعو للإحسان إليها ويرحم ضعفها وينهى عن استغلالها وإيقاع الأذى بها، مستشهدا بقوله صلى الله عليه و سلم (اللَّهمَّ إنِّي أحرِّجُ حقَّ الضَّعيفينِ اليتيمِ والمرأةِ).
وزاد أن من مظاهر تكريم الإسلام المرأة بأن خصص باسمها سورة من سور القرآن سورة “النساء” ، وانه كرّمها أُماً وزوجة وبنتاً وأختاً واهتم بتعليمها، مستدلا في سبيل ذلك بنصوص من الوحيين ومن أقوال العلماء.
و أكد أن قضية المرأة تبقى محكًا حقيقيًّا لتقدم وتطور الشعوب، ودليلا على توازن المجتمع وانتقاله نحو تحقيق التوازن بين الجنسين والعدالة الاجتماعيّة؛ وأردف أنه لم يعد أحد يجادل بأن هناك ارتباطا وثيقا بين التنمية المجتمعية وتكريم المرأة و اعطاءها المكانة التي تليق بها في المجتمع كأم وأخت وزوجة وابنة و عضو فاعل ومؤثر و منسجم في الحياة العامة و الخاصة، و أن ذلك يعتبر مقياسا لمدى انفتاح المجتمع على محيطه وعلى ذاته.
و تزامنا مع تخليد الأمم المتحدة لليوم العالمي للمرأة ، ذكر القادري بالإصلاحات التي قادها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لوضعية المرأة المغربية انطلاقا من تعديل دستور سنة 2011 الذي ركز على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ، مشيرا بصفة خاصة على ما تضمنه الفصلان السادس والتاسع عشر منه.
كما ذكر بانخراط المغرب في عدد من الاتفاقيات الدولية، من أبرزها اتفاقية بيجين، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واردف أن ذلك يعبر عن وعي جلالته بأن الالتزام بتبني مقاربة إشراك المرأة في كل مناحي الحياة يجب أن يكون مقتضى دستوريا والتزاما حكوميا ومجتمعيا مصيريا ومشتركا، وأنه على جميع اطياف المجتمع و مكوناته تحقيق تقدم كمي ونوعي من خلال الاهتمام بتحسين مؤشرات وضعية المرأة في كل المجالات، ومحاربة كل اشكال العنف ضدها، و تيسير ولوجها لسوق العمل و المجال الاقتصادي والإنتاجي والوصول إلى الموارد وغيرها.
وارتباطا بجائحة كوفيد 19 وما ترتب عنها من أزمات، لفت رئيس مؤسسة الملتقى الى أن هذه الازمة مست وضعية النساء والفتيات بشكل صارخ، داعيا الى مضاعفة الجهد واعتماد سياسات عمومية شمولية ومندمجة في مجال محاربة “تأنيث” الفقر بشكل واسع، والحرص على تمكين النساء اقتصاديا وسياسيا، مع اعتماد تدابير على مستوى السياسات العمومية والهادفة إلى تحسين أوضاع النساء في وضعية الهشاشة و الفقر، وأن هذا ينسجم حقيقة مع أهداف التنمية المستدامة وتنزيل مقتضيات المشروع التنموي الجديد.
ونوه الى أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله يولي المرأة تقديرا خاصا واهتماما كبيرا و عناية فائقة، موردا مقتطفا من نص الرسالة السامية التي وجهها إلى المشاركات في القمة العالمية للنساء بمراكش يوم 28 يونيو 2003 :”يطيب لنا أن نحيي جمعكم الكريم المنعقد في إطار قمة النساء العالمية لاسيما ونحن نقدر حق التقدير دور المرأة في تلقين قيم المواطنة وبناء وتعزيز الديمقراطية وتحقيق التنمية الاقتصادية وغيرها من الأهداف التي نعمل من أجلها.” وأيضا “…إن حضوركم معنا يُنِّمُ كذلك عن اهتمامكم بالسياسة التي ننهجها للنهوض بأوضاع المرأة المغربية، فالتنمية الشاملة التي نعمل من أجلها والنهوض بالبلاد في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كل ذلك لن يجدي نفعا في غياب مشاركة النساء واستفادة كافة مكونات المجتمع من ثمار التقدم.”
وشدد على أن تمكين المرأة في مجتمعاتنا يتحقق من خلال تمتيعها بظروف الاستقرار المادي والنفسي، كما أنه رهين بحجم الامكانات المتاحة لها وفي ارتباط وثيق بمستوى التكوين والتعليم والتدريب و التشجيع الذي تناله، و توفير الموارد المالية والبنية التحتية الأساسية للحد من الأمية و التهميش وعطالة النساء، و توسيع الفرص الاقتصادية بهدف تفعيل المشاركة الفعلية للمرأة في التنمية الاقتصادية المستدامة .
ولفت الى المرأة المغربية كانت ركيزة من ركائز الوطن و جزءا لا يتجزأ من تنمية البلاد من خلال دورها في حركة الاستقلال وإرساء الديمقراطية، وكذا في مختلف حركات العدالة الاجتماعية و النضال السياسي والعمل الثقافي و الاقتصادي .
وأضاف أن المجتمع الإسلامي لم يكن يوما منغلقاً كما يصوّره لنا أهل التدين الظاهري ، وأن المرأة المسلمة كانت منذ فجر الإسلام حاضرة بجانب الرجال تشاركهم العمل في الميدان العام، حاضرة في ساحة الجهاد وحلق العلم في المساجد تسمعهم وتجادلهم وتدافع عن رأيها وحقوقها، موردا مجموعة من اقوال العلماء منها قول الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق : (المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح)، وتابع القادري شارحا لهذه المقولة أنه يقصد بها أن يقرر أن الإنسانية في نظر الإسلام لها قيمة واحدة وميزان واحد للكرامة بقطع النظر عن كل الصفات الطبيعية التي يتميز بها الأفراد، وهذا الميزان الوحيد في نظر الإسلام هو الصلاح والتقوى، والأفضلية عند الإسلام هي أفضلية العمل الصالح، مقدما نماذج للمرأة في تاريخ التصوف الإسلامي كرابعة العدوية و”فاطمة بنت عباس البغدادية”.
وقال القادري “فعلى قدر ما نقدمه للمرأة من معاني الرفعة و الكرامة و الحياء من مقتضيات التربية الصوفية العرفانية لمساعدتها في رحلتها الشاقة في الحياة… على قدر ما نجد أمامنا أجيالاً تصنع النهضة وتشد الهمم والعزائم. فهي الأم التي تُعِّدُ جيلاً جاهزاً لحمل الرايات وهي جامعة الحياة في البدايات والنهايات وعبق الذكريات وهي البنيان الأساس لقيام المجتمع و الحضارات”.