اعداد:حساين محمد
تناول رئيس مؤسسة الملتقى الدكتور منير القادري، مسألة التربية على تقديم المصلحة العامة في علاقتها بازدهار الوطن، مسلطا الضوء على الإشكاليات المطروحة بهذا الخصوص، والحلول المقترحة، مقدما نماذج حية من خلال المبادرات الملكية.
جاء ذلك خلال مشاركته مساء السبت 19 يونيو 2021 في المحطة الثامنة والخمسين من فعاليات “ليالي الوصال الرقمية”، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال.
أوضح في بدايتها أن الإسلام بنى تشريعاته على تأمين مصالح الناس الخاصة والعامة، وأنه حيثما وجدت المصلحة وجد شرع الله ومقاصد الدين الإسلامي.
وأضاف أنه في حال تعارض المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة، تقدم المصلحة العامة، مشيرا في هذا الصدد إلى أن علماء الأمة وضعوا لذلك قاعدة “المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة”.
وزاد أن تغليب المصلحة العامة على الخاصة أمر رَغَّبَ فيه الإسلام، وان هذا هو سلوك الصحابة والتابعين والعلماء والمخلصين من هذه الأمة، مستدلا بنصوص من الكتاب والسنة.
وشدد على أن المصلحة الوطنية يجب أن تعلو فوق كل الطموحات الشخصية والفئوية والحزبية، وكذا فوق كل المصالح والاعتبارات الأخرى، وأنه يجب أن ينطلق هذا الموقف باتجاه الفعل الصحيح وفق حسابات دقيقة بعيدًا عن مستنقع المنافع والأحقاد والرواسب الدنيئة والحسابات الضيقة والطموحات والمصالح الذاتية ، باعتبارها مواقف مرفوضة بكل المعاير الدينية والأخلاقية والوطنية.
ونبه إلى أن المشاكل تقع حين تقُدم المصالح الخاصة على المصالح العامة ، وتساءل القادري مستنكرا: “أي فساد، وضرر أعظم من التعدي على المال العام، والحقوق العامة في سبيل التحصل على الربح السريع أو الاغتناء الغير مشروع”؟.
وأشار في ذات السياق إلى بعض المنطلقات والأسس المهمة أولها: أنه يجب على الإنسان المسلم العاقل البالغ أن يعرف أن المحافظة على المصالح العامة، وعدم تقديم مصلحته الخاصة عليها واجب ديني، ووطني، وثانيها : أن شيوع مشكلة ضعف المحافظة على المصالح العامة قد يكون بسبب وجود مشاكل أدت إلى ذلك، وأنه قبل أن نعالج النتائج يجب أن نبحث عن الأسباب، ثالثها: أهمية إبراز القدوات الحسنة في المجتمع على مختلف المستويات، لتكون بمثابة نماذج يُحتذى بها.
وأكد مدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الاسلام اليوم، أن الوَطَنَ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ الَّتِي لا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ وَلا تُسَاوَمُ بِالأَمْوَالِ وَالأَرْوَاحِ، بَلْ تُبْـذَلُ الأَمْوَالُ لأَجْـلِهَا وَتَرْخُصُ الأَرْوَاحُ فِي سَبِيلِ وَحْدَتِهَا وَالدِّفَاعِ عَنْهَا.
وبين أن محاولة إغفال المصلحة الوطنية العليا يفقد الشخصية صفة الوطنية ويغمسها في المصالح الأنانية الضيقة، وأكد أنه على الجميع ترتيب الأولويات بما يضمن المصلحة الوطنية العليا ومستقبل الأجيال القادمة، وحفظاً لمصلحة الأمة وتقديساً للوحدة وللتراب والرؤيا المستقبلية لهذا الوطن.
وأضاف أن للوطن علينا حقًا يتمثل برعايته وحمايته وجعله مثالًا يُحتذى به وبأفراد شعبه بين الأوطان، واستطرد أن حب الوطن يظهر في احترام أنظمته وقوانينه، وفي التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته، وانه الورقة الرابحة في منظومة التنمية والتطوير التي تهدف إليها كل الأمم.
و أشار إلى أن الصوفية أدركوا أن الإسلام في جوهره أخلاق بين العبد وربه، وبين العبـد ونفسـه، وبينه وبين مجتمعه، فتنافسوا وتسابقوا في قضاء حوائج المسلمين وغوث الملهوف ونصرة المستضعفين.
وقال أن التصوف -مقام الإحسان- كان وما زال يهدف إلى تقديم رؤية شمولية للتنمية تعتمد التربية على القيم الروحية والأخلاقية أساسا لبناء شخصية الإنسان المتكامل، والعمل من أجل المصلحة العامة واتخاذ سائر الاسباب لتحقيق عملية تنموية شاملة تعم بالخير الوطن كله.
ولفت إلى أن المغرب في حاجة ماسة إلى استغلال المخزون القيمي لهذا الثابت من ثوابت هويته الوطنية والدينية بصفته فن صناعة الرجال، الذين يستخدمون كفاءاتهم خدمة للمشروع التنموي الجديد مجندين وراء قائد الأمة جلالة الملك محمد السادس نصره الله.
وشدد على أننا في سفينة وطنية واحدة، وأن أي خرق في تلك السفينة، أو تقاعس في حمايتها، سيؤدي إلى خسارة الجميع، مؤكدا أن الملك محمد السادس نصره الله أعطى النموذج والمثل الأعلى في رعاية مصالح البلاد والعباد عن طريق إعطاء الانطلاقة لعدة مبادرات وفي عدة مناسبات، منها إحداث صندوق خاص بمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا، ومراعاة مصالح المهاجرين الأفارقة وشملهم بحملة التلقيح المجاني ضد فيروس كورونا من أجل تكوين مناعة جماعية ضد الجائحة، ومراعاة مصالح المجتمع الافريقي الكبير بتسيير عدة رحلات جوية محملة بالمساعدات الطبية، وكذا التضامن مع القضية الفلسطينية والقدس الشريف وتقديم الدعم والمساعدات للشعب الفلسطيني، إضافة إلى الاهتمام بمغاربة العالم من خلال تسهيل عودتهم إلى أرض الوطن وصلة الرحم والتراحم مع ذوييهم اعتبارا لمكانتهم لدى جلالته.
وأبرز أن إمارة المؤمنين هي أساس استقرار الوطن ووحدته والضامن للثوابت الوطنية والدينية، موردا مقتطفا من خطاب جلالته، في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية التاسعة سنة 2014 : “وكواحد من المغاربة، فإن أغلى إحساس عندي في حياتي هو اعتزازي بمغربيتي، وأنتم أيضا، يجب أن تعبروا عن هذا الاعتزاز بالوطن، وأن تجسدوه كل يوم، وفي كل لحظة، في عملكم وتعاملكم، وفي خطاباتكم، وفي بيوتكم، وفي القيام بمسؤولياتكم…
إن هذا الاعتزاز بالانتماء للمغرب هو شعور وطني صادق ينبغي أن يحس به جميع المغاربة. إنه شعور لا يباع ولا يشترى، ولا يسقط من السماء. بل هو إحساس نبيل، نابع من القلب، عماده حسن التربية، على حب الوطن وعلى مكارم الأخلاق. إنه إحساس يكبر مع المواطن، ويعمق إيمانه وارتباطه بوطنه…. ولجميع المواطنين أقول : انتم مصدر وغاية هذا الاعتزاز، والوطن لا يكون إلا بكم . فعليكم أن تجسدوا ذلك، بالانخراط في كافة مجالات العمل الوطني، وخاصة من خلال التصويت في الانتخابات، الذي يعد حقا وواجبا وطنيا، لاختيار من يقوم بتدبير الشأن العام”.
ليخلص الدكتور منير إلى أنه لا وطنية صادقة من غير أخلاق فاضلة ولا مراعاة للمصالح العامة بدون تربية روحية أخلاقية.