اعداد:حساين محمد
كان متابعو فعاليات ليالي الوصال الرقمية ” ذكر وفكر في زمن كورونا “، التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية، ومؤسسة الملتقى بشراكة مع مؤسسة الجمال، على موعد مع النسخة الثانية والخمسين، مساء السبت25 رمضان 1442هـ الموافق لـ 08 ماي 2021، والتي بثت عبر المنصات الرقمية لمؤسسة الملتقى.
خلال هذا السمر العلمي والروحي تم تقديم التهنئة الى أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله والأسرة العلوية الشريفة وعموم الشعب المغربي ، بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لميلاد ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن حفظه الله.
وعرفت هذه الليلة الروحية مشاركة ثلة من العلماء والمثقفين والمادحين، كما تم عرض شهادات حية لمريدي الطريقة من داخل المغرب وخارجه، أعربوا من خلالها عن الأثر الإيجابي للتربية الصوفية التي يتلقونها في الطريقة على حياتهم، من ضمنها شهادة السيدة لمياء من لييون بفرنسا، والسيد رفيق أحمد فارس من هولاندا.
تم افتتاح هذه الليلة التي تصادف العشر الأواخر من شهر رمضان الأبرك، بآيات بينات من الذكر الحكيم تلاها المقرئ الشيخ سعيد مسلم، لتتلوها المداخلة العلمية الأولى للدكتور حكيم فضيل الإدريسي، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب ابن مسيك، جامعة الحسن الثاني، بين من خلالها فضل ليلة القدر التي شرفت بالقرآن العظيم، وبين أن نزول القرآن في ليلة القدر إعلان عن فرقان فاصل، وأن غاية ذلك هو تلقي فيض الرحمة الإلهية، كما دعا إلى الثقة بالله تعالى في ظل الظروف الحالية المرتبطة بجائحة كورونا.
أعقبتها مداخلة باللغة الفرنسية للدكتور عبد الرحيم مرناسي، مؤطر تربوي سابق في التعليم، تناول فيها شرح لابن عطاء الله السكندري تقول “من علامات الاعتماد على العمل، نقصان الرجاء عند وجود الزلل”، وذلك انطلاقا من شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسني الموسوم بـ “إيقاظ الهمم في شرح الحكم”، حيث قام بتحديد مفاهيم كل من الشريعة والحقيقة والظاهر والباطن، موضحا أنه لا يمكن الفصل بينهما، كما بين أن الشريعة أن تعبد الله ظاهرا والطريقة أن تقصده والحقيقة أن تشاهده، وأن هذا من المقامات العليا ومن الفتوحات الربانية والفيض الرحماني، وأشار الى ان من بلغ الى حقيقة الاسلام لم يقدر ان يفتر عن العمل، ومن بلغ الى حقيقة الايمان لم يقدر ان يلتفت الى العمل بسوى الله، ومن بلغ الى حقيقة الاحسان لم يقدر ان يلتفت الى احد سوى الله.
فيما كانت المداخلة العلمية الثالثة، للدكتور منير القادري بودشيش، رئيس مؤسسة الملتقى ومدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، حول موضوع “فضل العمل الصالح وثمرته في الدنيا والاخرة”، استهلها بالإشارة الى أن العمل الصالح هو كل عمل يَرضى الله عز وجل عنه، ونبه الى أن للعمل الصالح شرطان، أولهما: إخلاص النية لله تعالى، وثانيهما: أن يكون العمل موافقا لشرع الله عز وجل، وأورد مجموعة من الاحاديث النبوية التي تبرز أهمية العمل الصالح، ولفت الى أن لِلْعملِ الصالحِ ثمراتٌ في الدنيا والآخرة.
وأكد أن اللهُ تعالى هُو وليٌّ الصالحين، مستشهدا بقوله عز وجل: (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)(الأعراف:196)، وأضاف أن من تولاهُ اللهُ فلا غالبُ له وأنه محفوظُ في نفسهِ ومالهِ وولده، مذكرا بقوله تعالى عن الغُلامينِ اليتيمين: (وَأَمَّا الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَينِ يَتِيمَينِ فِي المَدِينَةِ وَكَانَ تَحتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبٌّكَ أَن يَبلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَستَخرِجَا كَنزَهُمَا رَحمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلتُهُ عَن أَمرِي ذَلِكَ تَأوِيلُ مَا لَم تَسطِع عَّلَيهِ صَبرًا) (سورة الكهف: 82)، وأوضح أن الله تبارك وتعالى حَفِظَ كنزُ اليتيمين بسببِ صلاحِ أبيهما وإن لم يُذكرا بصلاح، موردا في هذا الصدد قول القرطبي – رحمه الله –” فيه ما يدلُ على أنَّ اللهَ تعالى يحفظُ الصالحُ في نفسهِ وفي ولدهِ وإن بَعَدُوا عنهُ”
وأشار الى أنه بالنسبة للمؤمن الصادق كل الشهور مواسم للعبادة والعمر كله عنده موسم للطاعة، وأنه في شهر رمضان يجتهد وتتضاعف همته لفعل الخير وينشط قلبه للعبادة أكثر، وشدد على أن أساس كل إصلاح ومنطلقه هو القلب والنفس، وأنه لا نجاح لدعوة إصلاح لا تهتم بهاذين العنصرين، وانسجاما مع مقولة “الصوفي ابن وقته”، أوضح رئيس مؤسسة الملتقى أن التربية الصوفية تعمل على تأهيل الفرد ليكون صالحا مصلحا، عبر تربيته تربية احسانية عرفانية سليمة متوازنة ومنسجمة مع واقعه وروح عصره، ومرتبطة بحاجيات ومتطلبات مجتمعه.
وقدم الدكتور منير القادري مداخلة باللغة الفرنسية ضمن هذه الامسية الروحية تحت عنوان “l’importance de la miséricorde et la convivialité dans le soufisme
أما المداخلة العلمية الرابعة فكانت باللغة الفرنسية، للدكتور محمد السعيدي من فرنسا، تمحورت حول فضل ليلة القدر، مشيرا الى أنها ليلة القيم النبيلة، حيث بسط القول في فضلها وشرفها وعظمتها، داعيا إلى إحيائها واغتنام أفضالها.
وبشأن المداخلة العلمية الخامسة للدكتور محمد أمين الغويلي، أستاذ باحث في العلوم الإسلامية، عضو المجلس العلمي المحلي بمراكش، فكانت تحت عنوان” ليلة القدر ذكرى ميلاد النبوة”، انطلاقا من الحديث الشريف “ألا إن في دهر ربكم لنفحات ألا فتعرضوا لها “، موضحا أن سنة الله جل جلاله اقتضت ان تكون بقاع افضل من بقاع وايام افضل من ايام وليلة افضل من ليال وساعة افضل من ساعات ، وبين أن سنة التفاضل والتفضيل سارية الى يوم القيامة، مستدلا بصيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين والخميس نافلة، وأنه لما سئل عن ذلك، قال أن ذلك يوم ولدت فيه وأحب ان يرفع عملي وأنا صائم، وأشار الى أنه لما كانت هذه الليلة المباركة انزل فيها القران الكريم على اشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمرنا بالاحتفاء بها، وأنه صلى الله عليه طلب منا أن نتحراها في العشر الاواخر من رمضان، ليخلص المتدخل الى انها ليلة القيام والقيم.
بعد ذلك تناول الدكتور علي زكي باللغة الانجليزية ، فضل العشر الأواخر من رمضان، مبرزا عمل الطريقة القادرية البودشيشية في تربية المردين تربية متوازنة، مفصلا الحديث عن دور التصوف ومساهمته في خلق التوازن بين متطلبات الجسد ومتطلبات الروح.
أما فقرة الفقه فقدمها باللغة الأمازيغية الأستاذ لحسن الخاوي ، عضو المجلس العلمي المحلي بتزنيت، أجاب فيها عن بعض الأسئلة المتعلقة بأحكام الفدية في الفقه الاسلامي.
وتخللت هذه الليلة الروحية كالعادة وصلات من السماع والمديح الصوفي لمنشدين من المغرب وخارجه، ويتعلق الأمر بكل بلال الحموي من تركيا، وفتح الله الدرعاوي، ومسمعي الطريقة القادرية بسلا وكذا بدولة ليبيا الشقيقة ، إضافة الى مجموعة الصفا من فرنسا، وبرعمات الطريقة بمداغ.
واختتمت أطوار هذا السمر الروحي بفقرة “من كلام القوم”، خصصها الأستاذ إبراهيم بن المقدم لعرض درر وشذرات من كلام العارف بالله مولاي عبد السلام بن مشيش، أعقبها برفع الدعاء الصالح سائلا المولى عز وجل الحفظ لمولانا أمير المؤمنين وولي عهده، وبلاد المغرب وصحرائه، وسائر بلاد المسلمين والإنسانية جمعاء.