تزامنا مع حلول شهر رمضان وفي ليلة الوصال 49.. الدكتور منير القادري يحاضر في الحلم والصبر

19 أبريل 2021آخر تحديث :
تزامنا مع حلول شهر رمضان وفي ليلة الوصال 49.. الدكتور منير القادري يحاضر في الحلم والصبر

اعداد:حساين محمد
بمناسبة مشاركته مساء السبت 17 أبريل 2021، في الليلة الرقمية التاسعة والأربعين المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع مؤسسة الجمال تحت شعار” ذكر وفكر في زمن كورونا” تناول الدكتور منير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأوروالمتوسطي لدراسة إسلام اليوم موضوع : ” توضيح المراد في الترغيب بالحلم والصبر بين العباد ”


استهل مداخلته بمباركة شهر رمضان وربط الموضوع به لأنه شهر الرحمة والغفران والقرآن، و شهر التحمل والجلد والصبر، وهو مدرسةٌ تربوية تربي النفس على الالتزام الخلقي والنفسي على الحلم والصبر والتسامح شهرٌ أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار، وقد ختم هذا الاستهلال بقولة “الصبر نصف الإيمان والصوم نصف الصبر”.
وأكد أن القسوة في القلوب، والغلظة في الأخلاق تشكل دليلا على نقص كبير وعيب في نفس الإنسان، وعلامة فساد ومرض أخلاقيٍّ يهدد المجتمع، مشيرا الى أن القرآن الكريم حذر منها واعتبرها علة الفسق عن أمر الله، و علامة الشرود عن صراطه المستقيم، مستدلا بقوله تعالى: ”أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ” (الحديد:16).
وأضاف أنه إذا زاد الإيمان في القلب وأطمأنت النفس بذكر الله، ازدادت السماحة وإزدان القلب بالحلم، واتسع الصدر لتحمل هفوات الناس، فلا يقابل الجاهل بمثل جهله ولكن بقوله تعالى لعباده الصالحين في سورة الفرقان: “وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”، موردا أقوالا لعدد من الصحابة والتابعين، منها قول الحسن البصري في تفسير هذه الآية”إن جُهِل عليهم لم يجهلوا”.
وأشار الى أن الصبر باعتباره احتمالا للمكروه، يختلف اسمه فى الخطاب الصوفى، باختلاف المكروه الذى غلب عليه، فإن كان فى مصيبة، اقتصر على اسم الصبر، وتُضاَدُهُ حالة تُسمى الجزع والهلع، وإن كان فى حرب ومقاتلة، سُمى شجاعة، ويضاده الجبن، وإن كان فى كظم الغيظ والغضب سمي حلما، ويضاده التذمر، مذكرا بالحديث الشريف “ليْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّمَا الشَدِيدُ الَّذِي يَملكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ”.
ولفت الى أنه إذا كان الصبرُ المحمود هو ما كان عند الصدمة الأولى، فإن خيرَ التسامُح ما كان بعد الخطأ مباشرة، لأنَّ فيه تجرُّعًا للغيظ، واحتمالاً لبلاء عظيمٍ يَرِدُ على النفْس في لحظات الغضب، مستشهدا بقوله صلى الله عليه وسلم “ما من جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله، مِن جَرْعَةِ غَيْظٍ كظمها عبد ابتغاء وجه الله”، وأضاف أن للحلم والبعد عن الغضب مغانم، لقوله تعالى “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” (سورة فصلت، الآيتين 34 35).
واستعرض الدكتور القادري مجموعة من الواجبات القلبية لكل مسلم، منها الصبر على أداء ما أوجب الله، والصبر على اجتناب ما حرم الله، إضافة الى الصبر على ما ابتلاه به الله، ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكلامه و آل بيته وصحابته والصالحين من عباده وغيرها.
وأشار الى أن الصبور اسم من أسماء الله تعالى، موردا قول النبي صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى قال: “إنى أنا الصَّبُور”، واستطرد شارحا أنه عز وجل لا يعاجل العُصاة بالانتقام مع القدرة عليهم، كما أورد في ذات السياق حديثا نبويا آخر “لا أحدَ أصبرُ على أذى يسمعه من الله عز وجل” ، مبينا أن لا أحد أشد حلما من الله عز وجل على فاعل ذلك وترك المعاقبة عليه، ليخلص الى أنه بهذا يقترب معنى الصبور من معنى الحليم، مع وجود فرق يبقى بينهما، وهو أن المذنب لا يأمن العقوبة فى صفة الصبور، كما يأمنها فى صفة الحليم.
وشدد الدكتور منير على أن الحلم من أشرف الأخلاق، وأحقها بذوي الألباب، لأن فيه سلامة العِرض وراحة الجسد، واكتساب الحمد، موردا الحديث الذي رواه محمد بن الحارث الهلالي “أن جبريل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إني أتيتك بمكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة”، خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” (سورة الأعراف الآية199)، وأعقبه بما رواه الإمام المحدث سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم ن حين نزلت هذه الآية قال: “يا جبريل، ما هذا؟ قال: لا أدري حتى أسأل العالِمَ، ثم عاد جبريل وقال: قال يا محمدُ إنَّ ربَّك يأمرُك أن تَصِلَ من قطعَك وتُعطِيَ من حرمَك وتعفوَ عمن ظلمَك”.
وتطرق رئيس مؤسسة الملتقى الى مجموعة من الأشياء المعينة على الحلم و الصبر، أولها تذكُّر كثرة حِلْم الله على عباده، وأن من أسمائه تعالى: الحليم، لقوله تعالى: “وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ” (البقرة: 235). وتابع موضحا أن الله تعالى حليم، يرى معصية العاصي ومخالفته لأمره فيمهله، وثانيها تذكُّر الأجر العظيم مِن الله تعالى لمن يكظم غيظه ويعفو عن النَّاس، مصداقا لقوله تعالى: “وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (آل عمران ،الآية133-134)، وثالثها الرَّحمة والشفقة على الجاهل والضعيف، لقوله تعالى في سورة النحل: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، ورابعها كراهية رد السَّيِّئة بمثلها، والتَّرفع عن ذلك، وخامسها اتقاء مضرة أو سوء أكبر قد يجره الرد على الإساءة، موردا قول الأحنف بن قيس “مَن لم يصبر على كلمة سمع كلمات، ورُبَّ غيظٍ قد تجرَّعته مخافة ما هو أشدُّ منه”، وسادسها تذكر المحاسن والأفضال أو العِشْرَة السابقة، موردا قول جعفر بن محمد “مَن أكرمك فأكرمه، ومَن استخفَّ بك فأكرم نفسك عنه”.
وبالمقابل أشار المحاضر الى “أن من فقد لديه الغضب لله والغيرة لانتهاك محارمه، فقد عُدِمَ من فضائل النفس كالشجاعة، والأنفة والحميّة والغيرة والأخذ بالعزم لأنها خصال مركبة من الغضب، فإذا عدمها الإنسان هان بها، ولم يكن لباقي فضائله في النفوس موضع، ولا لوفور حلمه في القلوب موقع”، مؤكدا في نفس الوقت أن هذا القول ليس إغراءً بالغضب والانقياد إليه، بل دعوة إلى التوازن بين الحلم والغضب على أن يكون الحلم قائداً وله المبادرة.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن التربية على الأخلاق الاحسانية في التجربة الروحية بين يدي الشيخ المربي لم تكن يوما مجرد نظريات فلسفية، وإنما ممارسة حية عملية و مجاهدات عرفانية، قوامها المصاحبة و المجاهدة والإطلاع، فهي أمر لا يكتسب إلا بالتربية على مكارم الأخلاق والممارسة الذوقية الشخصية، لقوله صلى الله عليه وسلم “إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يطلب الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه”.

الاخبار العاجلة