الدكتور منير القادري يدعو الى تجديد الخطاب الصوفي والعمل الصوفي المشترك

15 مارس 2021آخر تحديث :
الدكتور منير القادري يدعو الى تجديد الخطاب الصوفي والعمل الصوفي المشترك

اعداد:حساين محمد
تناول الدكتور منير القادري خلال مشاركته في النسخة الرابعة والأربعين من فعاليات “ليالي الوصال”، التي نظتمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى، بشراكة مع مؤسسة الجمال، السبت 13 مارس 2021، والتي بثت اطوارها عبر المنصات الرقمية لمؤسسة الملتقى، موضوع “التربية الصوفية والاستثمار في الرأسمال البشري”.


استهل مداخلته بالتأكيد على أن الشريعة الإسلامية كانت ومازالت صالحة لكل زمان ومكان، بمبادئها الربانية الحكيمة وبعقيدتها الخالصة في توحيدها وتوجهها، وانها تهدف إلى تربية الناس داخل هذه المنظومة الكونية على المبادئ الأخلاقية السمحة، و إخراجهم من حظيرة الشهوات النفسية واتباع الهوى إلى عبادة الله عز وجل، والفناء في ذكره والتوجه إليه سلوكا ومنهجا.

وأضاف أن التصوف الإحساني مهمته الدعوة إلى الله عز وجل وتحقيق السمو الأخلاقي والروحي المنشود، وترسيخ أواصر التعامل الأخلاقي بكل مقوماته، وتنوير القلوب وترشيدها من مزالق الزيغ والانحراف، وحفظها من نوازع الهوى، وذلك بإصلاح القلوب العليلة وتزكيتها بأنوار المعرفة الربانية وإرجاعها إلى طريق الله المستقيم.
وذكر بأقوال عدد من العلماء، منها قول الإمام المحاسبي : “ثم وجدت أن سبيل النجاة في التمسك بتقوى الله وأداء فرائضه، والورع في حلاله وحرامه وجميع حدوده، والإخلاص لله تعالى بطاعته والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم”.

و أشار الدكتور منير الى أن هذا المعنى هو الذي جاء به الأولون الذين نهلوا من هذه المعاني وسهروا على غرسها في الناس، لإنشاء جيل صالح متحقق برقي التعامل والإخلاص، وأن هذه المعاني الجوهرية الخاصة لا يفهم معانيها وتوجهاتها إلا من كان له دراية بهذا المعنى.
وتطرق رئيس مؤسسة الملتقى الى التعاريف المتعددة لمفهوم التصوف، مشيرا الى أن المستشرق نيكلسون في كتابه التصوف الإسلامي وتاريخه، ألفى ما يربو عن التسعين تعريفا للتصوف، ليخلص المحاضر الى أن التصوف يعتني بالقلب الإنساني باعتباره المحل الذي تتجلى فيه معرفة الله، ومن ثم تنعكس أنوارها في عقل المتصوف المسلم المحسن وفي نفسه وروحه، واستطرد أن هذا لا يتحقق إلا بمجاهدة النفس، وإلزامها بالمداومة على أذكار وأوراد، مع الاجتهاد الدائم في الطاعات والعبادات، في إطار الصحبة وبذل الجود والعطاء للخلق و التَهَمُمُ بهمومهم.

ولفت الدكتور القادري الى أن التصوف المعاصر وشيوخه أمام تحدي بَعْثِهِ من جديد، وإحياء وظيفته المركزية في تزكية النفوس وإصلاح المجتمعات، عن طريق تجديد الخطاب الصوفي بما يتلاءم و مقتضيات العصر، انطلاقا من مقولة “الصوفي ابن وقته”.
وأضاف أن واقعنا المعاصر المتأزم في حاجة إلى تصوف احساني وتربية روحية تكون لها بصمة واضحة في مجتمعاتنا المعاصرة، تصوف قادر على إعداد جيل متصوف ومتعلم للعلوم الشرعية والعلوم المتنوعة الأخرى، يعم بخدمته الجميع بغض النظر عن أديانهم ومعتقداتهم، و يشمل بمعروفه من يستحقه ومن لا يستحقه، إنسان يوازن بين بعده المادي والروحي، ليخدم حاضره ويصنع مستقبله، وهو ما ينسجم مع المفهوم الجديد للرأسمال اللامادي ببعده الروحي والأخلاقي.

وزاد أن هذا لن يتأتى إلا إذا انتظم الصوفية ونَظّمُوا عملهم ومجهوداتهم وفق معايير تتطلبها مقتضيات العصر، تجمع بين الأصيل والحديث، من خلال العمل على إيجاد هيئات تنسيقية و أطر مؤسسية تجمع الطرق الصوفية المختلفة، وإنشاء مشاريع رائدة في التعليم والإعلام والعمل الخيري، كنموذج للعمل الدعوي والإصلاحي والاجتماعي و التضامني، وانشاء معاهد للدراسات الإسلامية وعلوم القرآن، تعنى بتدريس وتخريج الطلبة والعلماء الذين يعملون على نشر قيم الوسطية والاعتدال والفهم الصحيح لديننا الحنيف ولمقاصده الشرعية بعيدا عن كل غلو و تطرف، والاهتمام بمشاريع تمكن الطرق الصوفية من تقديم النفع المجتمعي والوصول لعامة الناس و التأثير إيجابا على حياتهم اليومية عن طريق القيم الأخلاقية و العمل التضامني، وضرورة إنشاء المدارس التعليمية الشاملة التي تجمع بين العلوم الشرعية و علوم العصر، لاستعادة الدور الإصلاحي للتصوف من المهد إلى اللحد.
وشدد على أن “التصوف ليس أذكارا وأورادا وخلوات و سماعا و مديحا فقط، بل قول وفعل، علم وعمل، وأن التصوف يقوم على التحصيل العلمي … والاهتمام بالمجتمعات وإصلاحها وتقديم يد العون و مساعدة المحتاجين والمعوزين”.
وأوضح أن التصوف هو علم الإخلاص الباطني الذي يهتم بصناعة الإنسان؛ من خلال إعداده إعداداً متكاملاً دينياً ودُنيوياً في ضوء مصادر الشريعة الإسلامية، ووفق منظور التحقق بمقامات أولياء الله الصادقين في مقامات القرب واليقين.

وأكد أن التصوف المغربي الذي تُجمع عليه الأمة المغربية المبني على حب النبي صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره والاقتداء به والإخلاص لله في العمل كله، تتجاوز قيمته الوظيفة التاريخية أو الاجتماعية أو النفسية، إلى النظر إليه باعتباره مقوما أساسا من مقومات الهوية المغربية الأصيلة، وخاصة في بعدها الديني و الحضاري، القائمة على ثلاثة مبادئ أساسية، هي: العقيدة الأشعرية والفقه المالكي وتصوف الإمام الجنيد، و إمارة المؤمنين باعتبارها الضامن الذي يحمي هذه الهوية ويعمل على تقويتها والحفاظ عليها ورعايتها وضمان استمراريتها .

الاخبار العاجلة