الاستاذة صليحة حاجي استاذة التعليم العالي
تعتبر القاعدة القانونية إحدى أهم الآليات التي تقوم بدور بارز في تغيير سلوكيات الافراد، وضبط علاقاتهم الاجتماعية سواء في الفضاء الخاص المتمثل في الأسرة، او الفضاء العام المتمثل في المجتمع، وذلك عبر قواعد آمرة.
فالأسرة أساس المجتمع باستقامتها تستقيم الأوضاع الاجتماعية برمتها ، لذلك دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى إعادة النظر في مدونة الأسرة من خلال تقييمها وتقويمها لمواجهة اختلالاتها وذلك بالتزامن مع الذكرى 14 لدخولها حيز التنفيذ بديلا عن الأحوال الشخصية ، أوضح في رسالته التي وجهها إلى الوزراء المكلفين بالطفولة الملتئمين في المؤتمر الإسلامي الخامس في الرباط :”عملنا على تعزيز تماسك الأسرة من خلال اعتماد مدونة متقدمة للأسرة ….داعين إلي مواكبتها بالتقييم و التقويم لمعالجة النقائص التي أبانت عنها التجربة “.
لذا أصبحت محل قراءات متعددة و كذا ندوات في جميع ربوع المملكة تحت إشراف أطر مختصة كان آخرها بمدينة الناظور التي احتضنت ندوة علمية تحت عنوان : ” مدونة الأسرة المغربية بعد 14 سنة من التطبيق – واقع التنزيل و آفاق التعديل -.
والتي تناولت مختلف كتب المدونة بما فيها تمكين المرأة اقتصاديا لما لها من دور ريادي في بناء الاجيال الناشئة، لان المجتمع كالطائر لا يمكنه ان يحلق بعيدا الا بجناحين سويين واذا اختل احدهما اختل التوازن عموما.
فالى جانب علو المكانة التي أولاها الإسلام للمرأة، نجد التشريعات الوطنية المغربية برمتها قطعت أشواط كبيرة فيما يتعلق بحقوق هذه الاخيرة وإرساء مبدأ المساواة وجعل البعد الحقوقي في صلب أولوياتها، وفق إرادة سياسية تؤمن بأن ضمان تكافؤ الفرص بين المواطنات والمواطنين رافعة أساسية لتحقيق التنمية وإقرار السلم الاجتماعي، كما أكدتها مقتضيات دستور 2011، الذي نص في تصديره على أن المغرب “يرتكز على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية”.
كما ان تجميع حصيلة وازنة من الاصلاحات ذات طابع هيكلي يتجسد في الخطة الحكومية اكرام في نسختيه الاولى 2012/2016 والثانية2017/2021 الرامية الى النهوض بأوضاع المرأة اجتماعيا اقتصاديا وسياسيا
ومنه نتساءل عن تهيئة البيئة التي تمكن المرأة من المشاركة في الاقتصاد وتحقيق توازن صحي بين عملها وحياتها اليومية، ومدى اعتبار التعديلات القانونية المتعلقة بالادوار الاجتماعية، بما في ذلك تدابير القيادة والحماية الاجتماعية، كافية للضمان حصول المرأة على وظائف الثقة؟،. وهل من شأن زيادة مستويات التدريب للمرأة وتطلعاتها إلى المشاركة في القوة العاملة أن يفيد الاقتصادات بوجه عام، وهل تؤدي إلى حياة عملية منتجة أم أن هناك ضرورة لتدابير تكميلية لدعم المشاركة الاقتصادية للمرأة؟
لذا سنعمل على تقسيم دراستنا هذه الى مطلبين أولهما يخص بعض المقتضيات من مدونة الأسرة التي تهم التمكين الاقتصادي للمرأة(مطلب اول) ونعرج على مطالب الحقوقيات في هذا الشان( مطلب ثان).
المطلب الأول: التمكين الاقتصادي للمرأة من خلال مدونة الأسرة
يعتبر موضوع استفادة الزوجة من الأموال المحصلة خلال الحياة الزوجية التي ساهمت وعملت على تكوينها، من مرتكزات الشريعة الإسلامية ومطالب الفقه الإسلامي عبر قرون، ومن خلال إعمال مقتضيات المادة 49 فإنها تشمل كلا من الزوج والزوجة، وقد جاءت عامة غير مقيدة بمجال أو بنشاط معين، ولا ينحصر تطبيقها على المرأة القروية التي تشتغل خارج البيت، أو غيرها من الزوجات سواء كن يعملن خارج المنزل أو داخله. لكن هل يمكن القول أن هذه المادة تشمل أيضا العمل المنزلي للزوجة ؟.
فالعمل المنزلي للمرأة في المغرب لا يعترف به بصفته منتجا ومفيدا بالنسبة لتنمية البلاد، بخلاف بلدان أخرى التي تعتبره ولو بشكل نسبي وتعوض عليه في بعض الأحيان .
لذا يذهب عدد كبير من القضاة المشاركين في دورات التكوين المتعلقة بمدونة الأسرة والمنظمة من طرف المعهد العالي للقضاء ووزارة العدل للقول بأن ما ينبغي اعتباره هو العمل المدر للمداخيل ومنه الخياطة والنسيج وغيرها أما الأعمال المنزلية فتعتبر من واجبات المرأة وهو غير ما جاء به الدليل العملي لمدونة الأسرة وما أجاب به وزير العدل عند سؤاله بهذا الخصوص حيث جاء في معرض جوابه:” إن عزم النص على الأعباء والأمهات التي تتحملها الزوجة في البيت لا يعني أنها لا تتدخل في مضمون التحملات والأعباء المنصوص عليها في المادة 49 السالفة الذكر بل إن هذه المادة جاءت في صيغتها الجديدة بعبارة أعم وأشمل وذلك في إطار المساواة بين الرجل والمرأة كما أقره مشروع المدونة .
وإذا كان الأمر على هذا الحال فإن مسألة تقييم وتقدير العمل المنزلي في تقاسم الأموال المكتسبة خلال مرحلة الزواج هي الأخرى تثير بعض الإشكالات ففي بعض الأحيان تتجه المحكمة إلى محاسب خبير عندما يتعلق الأمر بنصيب المرأة في الأموال بحيث يقدر النصيب الذي ينبغي أن يعطى لربة بيت بضرب عدد سنوات الزواج في معدل الأجرة الشهرية والتي تتقاضاها امرأة خادمة . وهكذا تختزل جميع مساهمات المرأة العاطفية والتربوية والأسرية والمنزلية والاجتماعية في البعد الخاص بالخدمات المنزلية فقط، فأين الواجبات المنجزة؟ وما القيمة الممنوحة للتضحيات التي تقوم بها الأمهات؟ وعليه فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار نصيب النساء المتمثل في مجمل الخدمات التي تقدمها المرأة الزوجة والأم، كما أن كل تعويض يجب ان يراعي مستوى العيش العام ومستوى مداخيل الزوج. فما هي قيمة العمل المنزلي؟ وما مدى استحقاق الزوجة مقابل الأعمال المنزلية؟
1) : قيمة العمل المنزلي:
للعمل أهمية خاصة داخل المجتمع غير أن للعمل داخل البيت أهمية قصوى لارتباطه الوثيق بأفراد الأسرة. ويختلف هذا الأخير لاختلاف صفة الشخص الذي يؤديه والنطاق الممارس داخله. فالزوجة تقوم بعدة أعمال وخدمات لفائدة الأسرة، حيث تقوم المرأة عموما والزوجة بصفة خاصة بأعمال مختلفة داخل بيت الزوجية لصالح زوجها وأفراد أسرتها.
ومن ثم يمكن تعريف عمل الزوجة داخل البيت بأنه مجموعة الأعباء والمجهودات والخدمات البيتية الشاقة المتكررة المنتجة التي تؤديها لفائدة الزوج والأسرة لمدة غير محددة بدون مقابل والتي من شأنها تنمية أموال الزوج وتراكمها .
أ – حكم عمل الزوجة داخل البيت:
وبالرجوع إلى المادة 49 فإن المشرع يحيل عند انعدام الاتفاق على القواعد العامة لإثبات المجهود المبذول والأعباء المتحمل بها من قبل كل زوج في سبيل تنمية أموال الأسرة وإن ما يمكن تسجيله هنا هو عدم تحديد نوع المجهود والعبء المعتبر للمساهمة في تنمية أموال الأسرة وهل يمكن إدراج عمل المرأة داخل بيت الزوجية ضمن المجهودات المذكورة؟
لإزالة هذا اللبس تم اقتراح تعديل صياغة الفقرة الأخيرة من المادة 49 أثناء مناقشتها في البرلمان لتصبح كالآتي “……. مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات لتنمية أموال الأسرة بما في ذلك القيام بأعباء البيت.
والملاحظ بخصوص هذه النقطة أنها كانت مثار جدل وخاصة بين فقهاء الحنفية الذين يرون أن العلة من إلزام الزوجة بالخدمة داخل البيت مستمدة من نظرية الاحتباس إذ أنه استنادا إلى هذه النظرية فالزوجة ووقتها كله ملك للزوج، فالقول بخلاف ذلك يتعارض حسب الاتجاه مع ما قررته الشريعة الإسلامية من حق الرجل على المرأة مقابل واجب النفقة، وحق الرجل هنا هو تفرغ المرأة للبيت الذي عبر عنه الفقهاء جميعا بالاحتباس، وهكذا فالجسد للاستمتاع، والعضلات للكد والعمل، وجزاء كل ذلك النفقة اليومية الضرورية لحفظ الحياة، والتي تتوقف بمجرد انتهاء العلاقة الزوجية تبعا لانتهاء الاستمتاع وتسخير العضلات، ويلاحظ أن المشرع المغربي في إطار مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم يأخذ بهذا الرأي إذ لم يجعل على عاتق الزوجة مهمة القيام بالأعمال المنزلية وإنما قصر دورها فقط على الإشراف والمراقبة وإن كان للواقع والعرف داخل المجتمع المغربي غلبة على النص القانوني.
ويعتبر الأصل الذي تجب به الفتوى هو أنه ليس هناك نص في الشريعة الإسلامية يلزم الزوجة بخدمة الزوج، والواقع أن التفريق بين الزوجة الوضيعة والزوجة الشريفة حسب جانب من الفقه الإسلامي، أدى إلى صدور أحكام شاذة وغريبة لا يستسيغها العقل المعاصر وتتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تقضي بالمساواة بين البشر وعدم التمييز بينهم إلا بالتقوى، إذ أن الزوجية لا تقوم على أساس اتخاذ المرأة لخدمة الزوج، فذلك أمر يجوز أن تقوم به باختيارها، وإلا فإن للزوج أن يضع لها من يقوم بشؤونه وشؤونها، وعند العجز يخدمان معا، وهذا ما تقتضيه الزوجية المبنية على روح التعاون وحسن المعاشرة، غير أن الفقه المالكي بعدما أقر بعدم إلزامية الزوجة شرعا بالقيام بشؤون البيت أضاف ” إلا في حالة ما إذا كان العرف يقتضي ذلك” وبهذه الإضافة أو بهذا الإفتاء الذي اعتمد فيه الفقه المالكي العرف مصدرا ملزما وليس نصا في الشريعة الإسلامية، أصبحت الزوجة داخل الأسرة المغربية ملزمة بالقيام بشؤون البيت الزوجي بدون مقابل، بل كما أفتى بذلك الفقهاء عدا نفقتها اليومية الضرورية الواجبة على الزوج بقدر معروف بصفتها أحد أفراد الأسرة.
ب – طبيعة عمل الزوجة داخل البيت:
يعتبر العمل المنزلي عملا منتجا، فبعض الدراسات اعتبرت أن قيام النساء بالأعمال المنزلية يجعل الرجال يتحررون من تحمل مسؤوليتها، لكون المرأة عندما تقوم بالعمل المنزلي، ويخدم الزوج خارج المنزل وتسهر على راحته، فإن هذا العمل يجدد نشاط الزوج وبالتالي يؤدي إلى إعطائه الحماس من أجل القيام بأعماله .
أما الرأي الغالب في المغرب فهو الذي يصبغ على العمل المنزلي صفة العمل البيولوجي الطبيعي – كالإنجاب والإرضاع إذ يعتبر من صميم الطبيعة الفطرية للمرأة والذي لا يمكن أن يقوم بالمال لتستحق عنه مقابلا أو أجرة على اعتبار أن ما ينفقه الزوج عليها هو المقابل المستحق لما تقوم به من أعمال منزلية داخلة في مسؤوليتها البيتية .
وعليه نشاطر الراي القائل بان العمل داخل البيت ليس عملا طبيعيا كما قال به البعض وليس واجبا على الزوجة، وإنما هو عمل إنتاجي يحتوي على عناصر العمل المنتج، فغالبا ما تسخر الزوجة بالإضافة إلى عضلاتها بعض أموالها الخاصة لتسهيل أدائها للعمل اليومي الدؤوب والشاق داخل البيت ويتفاوت ذلك بتباين المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأسرة.
2) مدى استحقاق الزوجة مقابل الأعمال المنزلية:
اعتبر البعض عمل المرأة بالبيت هو عمل مفروض عليها وواجب أن تقوم به شرعا مما يجعلها لا تستحق مقابلا عليه لأن ذلك يكون مقابل الإنفاق عليها، كما أن قيامها بالعمل فيه انتقاص لنظرية الاحتباس. أما الرأي المخالف فيرى أن المرأة حينما تعمل في البيت وتعتني بشؤونه وتربية أبنائها وتلبية احتياجاتهم واحتياجات الزوج فهي تقوم بذلك ليست لأنها ملزمة به، خاصة وأن عقد الزواج لا يلزمها بخدمة البيت، كما أن عملها يمكن أن تكون له قيمة اقتصادية تستحق التقدير.
وعليه فما مدى استحقاق الزوجة لنصيبها في الأموال المكتسبة كمقابل للأعمال المنزلية في حالة وجود الاتفاق أو غيابه؟
أ – تقدير المقابل مع وجوب الاتفاق:
إن اتفاق الزوجين على تقديم مقابل الأعمال المنزلية هو إقرار بدور الزوجة الهام وبقيمة العمل الذي تنجزه خلال الحياة الزوجية فالمشرع أعطى لها حرية اختيار وقت الاتفاق وموضوعه وذلك تجنبا لأي حرج قد يقع فيه الزوجان أثناء قيام الحياة الزوجية وهذا راجع لقلة الإمكانيات المالية بين الزوجين .
كما أن التنصيص على هذا المقتضى سيهدف إلى إعطاء فرصة للأزواج الذين أبرموا عقد أزواجهم قبل صدور المدونة وبالتالي تمكينهم من هذا الاتفاق .
وبهذا الاتفاق سيتم سد الفراغ القانوني بشأن عمل الزوجة داخل بيت الزوجية وهو وضع غير منسجم مع مقاصد الشريعة الإسلامية القائمة على العدل والمساواة إلى حين تدارك المشرع ذلك سواء بالنص على مساواة عمل الزوجة داخل البيت بعمل زوجها خارجه، وإما بتحديد شكل معين للمقابل المستحق لها عن ذلك عن طريق اعتبار عملها هذا يشكل مساهمة منها في الإنفاق يقدر عند الطلاق باعتباره معيارا ومحددا من محددات تقدير التعويض ترتكز عليه المحكمة للحكم به .
لهذا يكون من العدل القول بأن تكليف المرأة بالأعمال المنزلية ينبغي أن يتم في إطار مبدأ توزيع المسؤوليات والاستفادة المشتركة من الحقوق، لا الاكتفاء بالقول أن العرف يقضي بتحمل المرأة عبء العمل المنزلي بدون مقابل، فهو ليس عملا غير منتج. فالقول بخلاف ذلك يجعل المرأة إن طلقت أو توفي عنها زوجها عاجزة عن إعانة نفسها وأطفالها وهذا راجع بالخصوص إلى كون مؤسسة العقد المالي لا زالت مجهولة إلى يومنا هذا، و يكتنفها الكثير من الغموض وذلك بسبب الجهل بالقوانين من طرف عامة المتزوجين والمتزوجات، وهو ما لا يتناسب مع التطور الذي يشهده المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة وخروج المرأة إلى العمل وتحولها من شخص معال إلى شخص نشيط ومتوفر على دخل قار يعيل به، وقادر على اتخاذ القرارات وتدبير الشؤون الاقتصادية للأسرة، وهذا هو ما دفع إلى تغيير النظرة إلى الجانب المالي للعلاقة الزوجية وبالتالي القول بضرورة تحديد الوضعية المالية للزوجين بشكل واضح في اتفاق مكتوب يزيل كل لبس بخصوص النزاعات المالية التي قد تثار بينهما لاحقا لما فيه من حماية لحقوق كل الأطراف وبالأخص الزوجة التي تتضرر من جراء عدم تقدير عملها المنزلي عند احتساب مقدار مساهمتها في تكوين أموال الأسرة.
ب- تقدير المقابل حالة غياب الاتفاق بين الزوجين:
إن غياب الاتفاق يطرح مشاكل متعددة من قبيل تحديد نصيب الزوجة في ممتلكات الأسرة ولاسيما الزوجة غير العاملة خارج البيت والتي تقضي جل وقتها في السهر على شؤون الأسرة ولا تملك حجة ولا دليلا على مساهمتها في هذه تنمية أموال الأسرة.
وقد تنبه المشرع لهذا الإشكال وأورد عناصر ومعايير تساعد القاضي في حالة غياب الإثبات أو وجوده على تحديد نسبة مساهمة كل طرف على حدة وذلك وفقا لسلطته التقديرية. إذ تنص الفقرة الأخيرة من المادة 49 من مدونة الأسرة على أنه: ” إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة”.
و ما يمكن ملاحظته بخصوص هذه الفقرة هو استعمال المشرع عبارة ” لتنمية أموال الأسرة: بدل عبارة لتنمية أموال الزوجين” ولعل الغاية من ذلك واضحة لما يكون عليها واقع الزوجين من تظافر الجهود وتحمل الأعباء لتنمية هذه الأموال وتضحية بالوقت والمجهود على اعتبار أن تلك الأموال ملك للأسرة بكافة أفرادها دون تمييز .
وقد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بطنجة “إن المستأنفة الفرعية تمسكت بالمادة 49 من مدونة الأسرة إلا أنها لم تدل بأية وثيقة تدعيما لقولها على اعتبار أن الذمة لكل من الزوج والزوجة هي مستقلة عن الآخر ولم تدل بما يثبت قدر مساهمتها في نمو ثروة الزوج ومع ذلك فإن المحكمة لما تكون بصدد فرض متعة الزوجة عند الطلاق فإنها تراعي كل الجوانب بما في ذلك مساهمة الزوجة في تنمية تلك الثروة والمحكمة تعتبر أن ما حدد للزوجة من نفقة ومتعة روعي عند تحديدها كل المعطيات السالفة الذكر وتكون قد أنصفت الزوجة فيما لحقها من ضرر بسبب تعسف زوجها في إيقاع الطلاق عليها .
وعليه فإنه يجب على القضاء التعامل بحذر مع مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 49 و أن يجعل من قيام العلاقة الزوجية قرينة على بذل الجهد الذي تتحمله الزوجة في العمل المنزلي، أما المساهمة المادية في تنمية أموال الأسرة فتخضع للوسائل العامة للإثبات، وعليه يجب التفريق بين المساهمة المادية التي يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات خاصة عندما تكون الزوجة عاملة، وبين المساهمة بالمجهودات والأعباء التي يترك للمحكمة أمر تقديرها حسب سلطتها التقديرية وقناعاتها دون تفريغ النص القانوني من محتواه، وحتى تستطيع الزوجة المتفرغة لأعباء البيت الحصول على حقها فيما أسهمت به في تكوين وتراكم أموال الأسرة ولو بالمجهودات والأعباء التي تحملتها على طول مدة الزواج.
ونلمس هذا من قرار صادر عن محكمة الاستئناف بفاس بتاريخ 2010/01/22 (قرار رقم 52 ملف عدد 7/8/881) ، استنتجت هذه الأخيرة أن عدم ثبوت تملك الزوج للعقارات المسجلة في اسمه قبل إبرام عقد الزواج، يجعل الزوجة محقة في طلب نصيب من تلك العقارات، كما اعتبرت أن مساهمة الزوجة في تنمية أموال الأسرة ثابتة طبقا للقواعد العامة للإثبات، ولو أنها لم تدل بما يفيد وجود اتفاق على تدبير الأموال المكتسبة أثناء فترة الزوجية، ما دام أنها أدلت بتواصيل أداء كراء الشقة وأداء واجب الماء والكهرباء، وأداء فاتورة الخط الهاتفي، وبما يفيد مساهمتها في واجبات تمدرس بناتها ومساهمتها في أشغال تهيئة كهرباء الفيلا.
وقد جاء في حيثيات القرار السابق ما يلي:
“وحيث بخصوص الدفع المثار من كون المحكمة لم تبين المعيار التي اعتمدته لتحديد نسبة المساهمة المزعومة للزوجة في تنمية أموال الأسرة، وكذا الدفع المثار حول كون المحكمة اعتبرت دون وجه حق أن عدة عقارات تدخل ضمن الأموال الواجب اقتسامها، دون أن تبين مساهمة المدعية فرعيا في تنمية أموال الأسرة، فبعد اطلاع المحكمة على الوثائق المرفقة بالملف، نجد أن المستأنف عليها ساهمت بقسط من مالها في تنمية أموال المستأنف عليه، ليس في إطار الفقرة الأولى من المادة 49 من مدونة الأسرة، ولكن في إطار الفقرة الأخيرة من نفس المادة، ذلك أنها أدلت بتوصيل أداء كراء الشقة الكائنة برقم 15 شارع أحمد أمين وعددها 196، وكذلك أداء واجب الماء والكهرباء عن نفس الشقة، وأداء فاتورة الخط الهاتفي وأصل العقدتين المتعلقتين بالماء والكهرباء وكل تلك التواصيل في اسمها، فضلا عن إدلائها بما يفيد مساهمتها في واجبات تمدرس بناتها حسب ما أدلت به من شواهد مسلمة لها من مؤسسة “إيتيج” ومؤسسة الفلاح، كما أنها أدلت بما يفيد مساهمتها في أشغال تهيئة كهرباء الفيلا الكائنة برقم 21 شارع أنوال نرجس أ فاس، وغيرها من المساهمات المادية التي وردت مفصلة بالحكم المستأنف لا داعي لإعادة ذكرها في هذا القرار، مما يكون للمستأنف عليها حق فيما اكتسبه المستأنف من أموال خلال فترة الزواج، ما دام أنها أثبتت مساهمتها في تنمية أمواله في إطار القواعد العامة للإثبات، ولو أنها لم تدل بما يفيد وجود الاتفاق على تدبير الأموال المكتسبة أثناء فترة الزوجية، علما أن الحكم المستأنف فرق بين العقارات، التي تتمتع بوصف الأموال المكتسبة خلال فترة قيام الزوجية، وبين من لا تتمتع بالوصف المذكور، كالعقارين موضوع الرسمين 99353 و07/101858 ولم يدرجها ضمن الأموال الممكن مطالبة المستأنف عليها بنصيبها فيها لكون المستأنف ينفرد بملكيته لهما، ولكون وجه مدخل هذين العقارين في ذمته المالية هو الهبة.
وحيث بخصوص الدفع المثار حول كون المحكمة اعتبرت مجرد الوصولات والفواتير المدلى بها من لدن المستأنف عليها هي من أدتها، في حين أن شواهد المحافظة العقارية التي في اسم المستأنف لم تعتبره مالكها، فإن الفقه المالكي لا يجيز استئثار الزوج لنفسه بما كتبه في اسمه من المشتريات ويعتبر الزوجة شريكة له في ذلك بقدر جهدها وسعايتها فيه كما ذكر، وأشير في معرض الجواب عن الدفوعات أعلاه بخصوص مساهمة المستأنف عليها في ثروة المستأنف، كما أن الحكم المستأنف أشار إلى ما جرى به العمل عند بعض الفقهاء من كون الزوجة شريكة لزوجها، فيما أفادا مالا بتعنيتهما وكلفتهما مدة انضمامهما ومعاونتهما كما أن أحكاما صادرة عن قضاء الموضوع في هذا الاتجاه منها الحكم الصادر عن ابتدائية أكادير بتاريخ 1986/12/26 في الملف رقم 86/54، وغيرها من الأحكام المشار لها في الحكم المستأنف.
وحيث بذلك يكون ما قضى به الحكم المستأنف بأداء المدعى عليه الفرعي للمدعية فرعيا عن قيمة مساهمتها في تنمية أموال الأسرة أثناء قيام الزوجية في محله، ويتعين تأييده مبدئيا، لكن اعتبارا لما لهذه المحكمة من سلطة التقدير في هذا الشأن ترى أن المبلغ المحكوم به مبالغ فيه بالنسبة للمجهود المبذول من لدن المستأنف عليها، والمساهمة في تنمية أموال المستأنف عليها، والمساهمة في تنمية أموال المستأنف، مما يتعين خفضه إلى الحد الوارد في المنطوق.
وفي نفس السياق أقرت محكمة الاستئناف بتازة أحقية الزوجة في نصيب من الثروة الزوجية بناء على إقرار الزوج بكونها أحدثت إصلاحات بالمنزل الذي اكتسب أثناء قيام الزوجية، وتأكيد الشهود لذلك، وخلصت بذلك إلى أنها ساهمت بمجهودها ومالها الخاص في تنمية أموال الأسرة.
ومما جاء في هذا القرار الصادر بتاريخ: 2009/02/04 (قرار رقم 54 (الرقم حسب ترتيبه في الفهرس المتعلق بالأحكام والقرارات القضائية)- ملف 8/244) نذكر الآتي:
“وحيث إن الثابت من الحكم المطعون فيه ومجموع الوثائق المدرجة بالملف وخاصة شهادة المستمع إليهم ابتدائيا وإقرار الطاعن بكون زوجته أحدثت إصلاحات بالمنزل المكتسب أثناء قيام الزوجية بينهما، تشكل كلها قرائن على أن الزوجة ساهمت بمجهودها ومالها الخاص في تنمية أموال الأسرة الشيء الذي يبقى معه الحكم موضوع الطعن، صائبا فيما قضى به ويتعين تأييده، وما ارتكز عليه الاستئناف من أسباب غير مؤسس ويتعين رده”.
ومن ثم فإن للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقييم الحجج وتقديرها ولا تخضع في ذلك إلى رقابة محكمة النقض إلا فيما يتعلق بالتعليل، لذا نرى بضرورة تعديل مقتضيات الأسرة خاصة مقتضيات المادة 49 وتحديد معايير لتقويم هذا العمل، وفي انتظار ذلك نناشد القضاء باتخاذ المبادرة لاعتبار العمل المنزلي قرينة قوية دالة على مساهمة الزوجة الفعلية في أموال الأسرة.
ومنه تطالب بعض التمثيليات النسائية بضرورة النص بصفة صريحة لا تدع مجالا للشك والتاويل فيما يخص تمكين النساء من حقوقهن المالية ملاءمة مع ماجاء في دستور المملكة.
المطلب الثاني : مطلب ملائمة الدستور مع مضامين مدونة الأسرة
يقر الدستور الجديد في الفصل 19 بما يلي :
“يتمتع الرجل و المرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية و السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضياته الاخرى وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب وكل ذلك في نطاق احكام الدستور وقوانين المملكة ” .
إن المتأمل لما جاء في هذا الفصل ، يستنتج أن كثيرا من بنود مدونة الأسرة لا تحقق المساواة الفعلية بين الرجال والنساء كما نص عليها دستور 2011 وهو أمر يفرض بالضرورة الاستجابة لمطلب إعادة النظر في مدونة الأسرة وتغيير بعض فصولها التي مازالت تكرس التمييز، هذه المراجعة ستمكن المغرب من تحقيق المزيد من العدالة والمساواة ، انسجاما مع روح الدستور وأيضا انسجاما مع موقفه من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمناهضة كافة اشكال التمييز ضد النساء سيداو .
ولعل مناسبة ثامن مارس كانت محطة أخرى للتركيز على مطالب يجب الاستمرار في النضال من أجل الحصول عليها ، ومن ضمن هذه المطالب قضية محاربة التمييز القائم على الجنس بكل أشكاله .
و هو أمر يتطلب بالضرورة القطع مع ازدواجية القوانين الوطنية ، وإعادة النظر في هذه القوانين التي لا تنسجم مع هذا المبدأ وبالتحديد بعض فصول مدونة الأسرة ، وهو أمر ملح ستؤكده القاعدتين السابعة عشر والثامنة عشر من نفس التصدير واللتين جاء فيهما ما يلي :
القاعدة السابعة عشر :” حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما والإسهام في تطويرهما مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء”
القاعدة الثامنة عشر:”حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان.
ومع غياب تحقيق هذه المطالب يظل السؤال عريضا حول ما إذا حققت النساء المغربيات مواطنة كاملة ؟
ولعل مرور 14 سنة على صدور مدونة الأسرة وتقييم حصيلة تطبيقها على أرض الواقع يؤكد بما لا يدع مجالا للشك اذ الكثير من بنود مدونة الأسرة تتطلب تغييرا أو تصحيحا وبعضها الآخر إلغاء ، هذا الأخير تم استنتاجه من خلال العديد من التقارير التي أصدرتها منظمات نسائية و مراكز الدراسة بل الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل .
كما دعت مجموعة من الجمعيات النسائية و الحقوقية إلى مراجعة شاملة و عميقة لكل كتب المدونة بما فيها كتاب المواريث ، و أكدت في بيان وقعت عليه أزيد من 40 جمعية أنه يتعين أن ترتكز هذه المراجعة على مبدأ المساواة و عدم التمييز سواء على أساس الجنس أو المعتقد أو الوضعية العائلية للأبناء طبقا لمقتضيات الدستور و الاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، و ذلك بعد مرور 14 سنة من تطبيق المدونة بما أفرزه من اشكالات و قصور ، و إرساء العدالة الاجتماعية و تعزيز حقوق الإنسان و دعت كل القوى الحية من أحزاب وفعاليات اخرى الى النضال من أجل مراجعة شاملة و عميقة لمدونة الأسرة تنبني على مبادئ المساواة و عدم التمييز .
كما طالبت الحقوقيات المشاركات في ندوة وطنية نظمها اتحاد العمل النسائي إلى ضرورة تجاوز ازدواجية التشريع في مدونة الأسرة ، معتبرات أن مقتضيات هذه المدونة التي تمس نواة المجتمع تتخبط بين التشريع الإسلامي و القانون الوضعي و مبادئ الإنصاف والمساواة ، كما اعتبرن أن مدونة الأسرة لا تزال تعاني عدم صراحة نصوصها وانها نصوص تتخبط في العموميات ، مما يجعل عددا من الأحكام فيها غير صالح للمرأة والأسرة استنادا الى عدم تنصيصها على المساواة في الارث.
الا اننا نؤمن بالمساواة بين الجنسين ، لكن لا نؤمن بالمساواة بينهما في الإرث ، لأن فيه نص قطعي لا يمكن التطاول عليه.