اعداد:حساين محمد
بمناسبة مشاركته السبت 27 فبراير 2021، في الليلة الرقمية الثانية والأربعين، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع مؤسسة الجمال تحت شعار “ذكر وفكر في زمن كورونا “، تناول الدكتور منير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى ورئيس مركز المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، في مداخلته موضوع “التربية على قيم الوفاء والصدق للمساهمة في الرقي بالقيم الإنسانية”.
استهلها بالتعريف بمفهوم الوفاء، و بيان أهميته في سلوك الإنسان و مدى حاجته إليه، وأنه قيمة إنسانية اجتماعية تستوجب الصدق على كل حال ، معتبرا الوفاء أصل الصدق ومظهره.
وأكد أن الصدق والوفاء مفهومان متلازمان، فالوفاء هو صدق اللسان والفعل معا، وأنه لا خير في الصدق إلا مع الوفاء، فهما قرينان لا ينفكان، ليخلص إلى أنه “متى وجد الوفاء وجد الصدق”.
واعتبر في – ذات السياق- أن الأنانية والغل والحسد نواقض للوفاء، داعيا إلى تطهير القلب من هذه الشوائب، وإلى ضرورة الشعور بالغير.
وأبرز رئيس مؤسسة الملتقى مجموعة من ثمار التربية على قيم الوفاء والصدق، منها رعاية الأمانات والفوز بأعلى الجنات، مذكرا بقوله سبحانه تعالى في أوصاف المؤمنين المفلحين : { والذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وعَهْدهمْ راعُون والذينَ هُمْ على صَلَواتِهمْ يُحاَفظونَ} (سورة المؤمنون- الآيتان: 9.8 )، وكذا ثمرة التقوى ومحبة الله جل وعلا، مصداقا لقوله تعالى: { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهٍ إلاَّ الذِينَ عَاهَدتُمْ عنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ } (سورة التوبة- الآية:7) ، إضافة الى ثمرة كمال العقل، مستشهدا بقول الله تبارك وتعالى: { إنّمَا يتَذَكَّرُ أولُوا الالبَابِ الذِينَ يُوفُونَ بعَهْدِ اللهِ ولاَ يَنْقضُونَ المِيثاَقَ } (سورة الرعد- الآيتان: 20.19)، الى غير ذلك من الثمرات التي عمل على إبرازها في مداخلته.
ودعا الدكتور القادري إلى ضرورة الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، الذي ربط قيمة الوفاء بالإيمان، كما في الحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ” إنَّ حُسْنَ العَهْدِ منَ الإِيمَانَ”.
ونبه الى أن قيم الوفاء والصدق أصبحت عملة نادرة في هذا الزمان، الذي طغت فيه المادة وأصبح فيه الإنسان مجرد آلة استهلاكية في حضارة مشوهة، وأفكار ضالة مضلة جاعلة شريعة الغاب سيدا يحكم الجميع ويسيطر فيها القوي على الضعيف.
وشدد على ضرورة الاتصاف بقيم الوفاء والصدق مع الناس في كل الظروف، حتى في زمن المحن والشدائد، منتقدا جَعْلَ الوفاء مجرد أسلوب للمداهنة والنفاق، مذكرا بالحديث النبوي الصحيح الذي، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : “وَمَا يَزَالُ الرّجُلٌ يصْدقُ ويتَحَرَّى الصِّدقَ حَتَّى يكتب عند الله صِدِّيقا”.
وحذر الدكتور منير من اعتزال الناسِ، واتخاذ هذا الاعتزال مطيةً في تحصيل الصدق، واستطرد أن الصادق ليس من يعتزل المجتمع بل هو من يعيش مع الناس بقيمه البناءة، فيساهم بذلك في تطوره وتقدمه وازدهاره، بعيدا عن الانعزال والانغلاق والعدمية.
وأشار الى أن الصدق عند الصوفية يعني استواء السر والعلانية، والظاهر والباطن، لكيلا تكذب أحوال العبد أعماله ولا أعماله أحواله، وأنه صفة تنبعث من العزم والهمة على الترقي في مدارج الكمالات والتخلي عن الصفات الناقصة المذمومة.
وأوضح أن الاتصاف بقيم الوفاء والصدق ليس بالتحصيل العلمي والثقافي ونيل الدبلومات، وانما بالتربية على القيم الأخلاقية والإحسانية التي من شأنها إقامة دولة الحق في قلب كل طالب وجه الله تعالى وملازم للأخيار والصادقين .
وسلط الضوء على مراتب الصدق عند الصوفية أهل الإحسان ، مبينا أن هناك “صدق العوام وصدق الخواص وصدق خواص الخاصة، فصدق العوام في الأعمال، وصدق الخواص في الأحوال، وصدق خاصة الخاصة في المقامات. فللعوام الأجور، وللخاصة النور، ولخاصة الخاصة النظر والسرور، فأول علامة من ثبات المريد على طريق القوم الصدق، فلا ثبات لغير الصادق، وليس الفقير من تقربه نفحة وتبعده نفحة، لأن مقام الصدق هو مقام ابتلاء، لقوله تعالى : { ليَسْألَ الصَّادِقينَ عن صِدْقِهمْ } (سورة الأحزاب- الآية: 8).
وأضاف أن الصدق في طريق الله تعالى أساس الأمر كله، موردا مجموعة من الاقوال المأثورة عن شيوخ التصوف، منها مقولة “شيخك في الطريق هو صدقك”، و مقولة ” الخير والحكمة في الصِّدق وليس في السبق “.
واختتم مداخلته ببيان مدى حاجة الإنسانية جمعاء في عصرنا هذا إلى التصوف والتربية الروحية التي تقي صاحبها سقطات الأزمة الحضارية والنفسية، و التي تهدف إلى تحقيق التكامل النفسي والتوافق المادي والروحي، بعيدا عن مظاهر الأنانية والقلق والاكتئاب، لأن هذه التربية مستمدة من الوحي والكتاب والسنة ورجالات التربية الذين أفنوا أعمارهم في تربية وتخريج رجال صادقين أوفياء لوطنهم ومجندين وراء أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله.