اعداد:حساين محمد
شارك مساء أمس السبت 2 يناير 2021، الدكتور منير القادري بودشيش، مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركزالأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، في الليلة الرقمية الرابعة والثلاثين ضمن فعاليات “ليالي الوصال ذكر وفكر في زمن كورونا”، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع مؤسسة الجمال، بمداخلة حملت عنوان: “التربية على قيم التفاؤل والأمل وصناعة نفوس واثقة بفرج الله”.
أشار في بدايتها الى أن الله تعالى جعل الحياة الدنيا متقلبة الأحوال، لا تستَقيم أَبدا على حال، ولا تصفو لمخلوق في المئال، وأن فيها الخير والشر، والسرور والحزن، واستطرد موضحا أن الأمل والتفاؤل يشكلان شعاعين يضيئان مصابيح الظلام، فيَبْعثانِ في النفْسِ الجد والمثابرة، ويلقنانها الجلد والمصابرة.
وبين أن السبب الذي يدعو المؤمن الى أن يخالف هواه، ويطيع مولاه، أمله في الفوزِ بجنته ورِضاه، وأنه إذا تعسر على المؤِمنِ شيء لم ينقطع أَمله في تبدل العسرِ إِلى يسر، وإِذا اقترف ذنبا لم ييأس من رحمة الله ومغفرته، بل يرجع إِلى ربه، مستدلا على ذلك بقوله تَعالَى في سورة الزمر :(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))( الآية 53).
وأضاف أنه بِالأَمل يذوق الإِنسان طعم السعادة، وبالتّفاؤلِ يحس بِبهجة الحياة، مذكرا بأن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفَأْلُ، لأن فِيهِ إِحسان الظن بِاللهِ عَزَّ وجَلَّ.
وتابع أِن حقيقة الأَمل لا تأْتي من فراغ، و أَن التفاؤل لا ينشأُ من عدم، و أَنهما معا وليدا الإِيمان العميق بِاللهِ عز وجل، والمعرِفة بِسننه ونواميسه في الكون والحياة، واستطرد مبرزا أن الله سبحانه يصرف الأمور كيف يشاء متى شاء، بِعلمه وحكمَته، وإِرادته ومشيئته، مستشهدا بقوله تعالى في سورة الرعد 🙁 وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)( الآية 8)، وأن الله يجعل من بعد العسرِ يسرا، ويجعل من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، موردا مقولة لابن عطاء الله السكندري: ” إنَّما يُؤلِمُكَ المَنْعُ لِعَدَمِ فَهْمِكَ عَنِ اللهِ فيهِ”.
وبين أن المؤمن يكون على خير في كل أحواله، لحسنِ ظنه بالله، وَتفاؤله لبلوغِ الآمال، واضعا نصب عينيه قول اللهِ تَعالَى في سورة البقرة: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) (الآية 216)، وقول النبِي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي : (لاَ يُؤمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، وحَتَّى يَعلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، ومَا أَخْطأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ)، وأنه بذلك عكس المتشائم الذي لا يرى الحياة إِلا بنظرة سوداء، فيحكم على نفسه أنه من التعساء.
وأشار الدكتور القادري الى أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان أكثر الناس استبشارا وتفاؤلا، مذكرا بأنه مكث في مكة ثلاثة عشر عاما يدعو الناس إِلى الإسلام، ليخرجهم من عبادة الأصنام، إِلى عبادة الله عزوجل، رغم معارضة طواغيث الشرك لدعوته، ورغم أنهم واجهوه بِالاستهزاء والعصيانِ، وأذاقوا أصحابه ألوانا من العذاب والإِيذاء، حيث لم يضعف أو يستكن، ولم ينطفئ في صدره الأمل والتفاؤل، و كذلك حين وصل المشركون إِلى غار ثور نجده يقول لأبي بكر الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بلغة الواثقِ بربه، الموقن بقدرته الذي لم يتسرب اليأس إِلَى قلبه: (ما ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثالثُهُما)، وأضاف أن الأنبياء والمرسلين عليهم السلام اتصفوا بهذه الصفات مقدما أمثلة على ذلك من القرآن الكريم.
وأضاف أن المؤمن بِقضاء الله وقدره، يعلم أَن كل ما أَلم به وأَصابه، قد قدره اللهُ عليه، مصداقا لقوله تعالى في سورة التوبة: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ( الآية 51)، وزاد أن الأَمل والتفاؤل مطلب للتغلب على الأزمات، يعطي المؤمن قوة وعزيمة، وطاقة عظيمة، فهو إِذا أحسن الظن بربه، لا يعرف طريقا للفشل، ولا يخالجه الكسل والملل، ولَوِ استبطأ الفرج، فإنه يلجأ الى التضرع والدعاء، موردا في هذا الصدد الحكمة العطائية التي تقول : ”متى أطْلَقَ لسانَكَ بالطَّلبِ؛ فاعْلَمْ أنَّه يُريدُ أنْ يُعطيَكَ”.
ودعا رئيس مؤسسة الملتقى الى التفاؤل والأَمل في حياتنا، والى التوكل على الله تعالى مذكرا بقوله عزوجل في سورة الطلاق (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) ( الآية 3).
وأشار الى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربي أصحابه رضي الله عنهم على التفاؤل وعدم اليأس، موردا ما رواه ابن هشام في سيرته العطرة أن عَدِيُّ بن حاتم لمّا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل إسلامه قال له النبي صلى الله عليه وسلم
“لَعَلَّكَ يَا عَدِيُّ إنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُخُولٍ فِي هَذَا الدِّينِ مَا تَرَى من حَاجتهم، فو الله لَيُوشِكَنَّ الْمَالُ أَنْ يَفِيضَ فِيهِمْ حَتَّى لَا يُوجد من يَأْخُذهُ، وَلَعَلَّكَ إنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُخُولٍ فِيهِ مَا تَرَى مِنْ كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وَقلة عَددهمْ، فو الله لِيُوشِكَنَّ أَنْ تَسْمَعَ بِالْمَرْأَةِ تَخْرَجُ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى بَعِيرِهَا حَتَّى تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ، لَا تَخَافُ، وَلَعَلَّكَ إنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُخُولٍ فِيهِ أَنَّكَ تَرَى أَنَّ الْمُلْكَ وَالسُّلْطَانَ فِي غَيْرِهِمْ، وَاَيْمُ اللَّهِ لَيُوشِكَنَّ أَنَّ تَسْمَعَ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَأَسْلَمْتُ”.
وأوضح أن عباد الله المتفائلين يُحْسِنُونُ صِناعَةَ الحَياةِ، ويَبنُونُ أُسُسَ الحَضارة، وأن المُتشائِمينَ لاَ يَصنَعونَ حَضارَةً، ولاَ يَبنُونَ وَطَناً، مذكرا بقوله تعالى في سورة الحجر: ( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ ) ( الآية 56)، وَقول عَبْدُاللهِ بنُ مَسْعودٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: (أَكْبَرُ الكَبائرِ: الإِشْراكُ بِاللهِ، والأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ، والقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، واليَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ).
وأبرز بعض الآثار السلبية المترتبة على اليأس، منها الفُتُور وَالكَسَل عَنْ فِعْلِ الطاعات والغَفْلَة عن ذِكر الله، موردا مجموعة من الاقوال المأثورة الدالة على ذلك منها قول ابن حجر الهيتمي: (القانط آيِسٌ من نفع الأعمال، ومن لازم ذلك تركها)، وأيضا الاستمرار في الذنوب والمعاصي، موردا مقولة لأبي قِلَابَة: (الرَجُل يُصِيب الذنب فَيَقُول: قَد هَلَكْت لَيْسَ ِلي تَوْبَة، فَيَيْأَسَ مِن رَحْمَةِ الله، وَيَنْهَمِك فِي المَعَاصِي، فَنَهَاهُم الله تعالى عن ذَلك، قال الله تعالى: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف الآية87)).
ونبه الدكتور منير الى أن الله تعالى حَرّمَ اليَأْسَ واعْتَبَرَهُ قَرِين الكفر ، فقال تعالى: ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ (يوسف: 87)، وأنه ندَّد بالقنوط واعتبره قرين الضلال، فقال تعالى: ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ (الحجر: 56) وأن القرطبي جعلهما من حيث الترتيب في الكبائر بعد الشرك ؛ قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأْس من رَوح الله، والأمن مِن مكر الله).
وأضاف أن اليأْس فيه سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى، مستدلا بقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا ﴾ [الإسراء: 83].
وزاد أنه مَهْما تَلَاحَقَت الخُطُوب, وتَتَابَعَت الكُرُوب, فإن نصر الله قريب ليس ببعيد, وكَيدُ الشَيْطان ضَعيف لَيْس بِشَدِيد، والعاقبة لِجُنْد الله ؛ (فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ) (الرعد:17)، وقد كتب الله في كتابه العزيز: (لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:21).
وذكر بما يوصي به شيخ الطريقة القادرية البودشيشية الدكتور مولاي جمال الدين حفظه الله، المريدين كما هو حال أهل التصوف والتربية الروحية على الاقتداء بالمنهج المحمدي بتربية النفس على التحلي بالأمل و التفاؤل وحثها على المسارعة للخيرات والتشبث بذكر الله في السراء والضراء، خصوصا في الظرفية الراهنة المتمثلة في الازمة الصحية العالمية، حتى يكون المسلمون المؤمنون المحسنون المتفائلون أعمدة راسخة تعمل من أجل غد أفضل للناس أجمعين، عملا بالحديث الشريف الذي أخرجه الإمام أحمد، عن أنسٍ أن النبيَ صلى الله عليه وسلم قال: ” إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فَلْيَغْرِسْهَا”.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن العمل والحركة من سنن الله تعالى التي أخبرنا القرآن أنها لا تتبدل ولا تتحول، ولا تسمح لفارغ أو قاعد أو كسول أن يظفر بما يريد، أو يحقق ما يأمُل، بل إن سنن الله في الدنيا لا تفرق في الجزاء على العمل بين مؤمن وكافر.