الدكتور منير القادري.. أزمات عالمنا المعاصر تستدعي التزكية الروحية

29 أكتوبر 2020آخر تحديث :
الدكتور منير القادري.. أزمات عالمنا المعاصر تستدعي التزكية الروحية

اعداد:حساين محمد
أكد الدكتور منير القادري بودشيش، مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، الحاجة الملحة إلى استدعاء “التزكية الروحية”، التي يعبرعنها البعض بالجانب الروحي في الإسلام، لمواجهة الأزمات المتعددة التي يمر بها عالمنا المعاصر.
جاء ذلك ضمن كلمته العلمية المباشرة التي ألقاها، السبت 24 أكتوبر 2020، في الليلة الرقمية السادسة والعشرين المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى العالمي بشراكة مع مؤسسة الجمال، وحملت عنوان “التربية النبوية والتزكية الروحية”.
استهل الدكتور منير كلمته بالتأكيد على أن البعد الروحي الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو أساس الإشراقات في الحضارة الإسلامية، وسر دخول الناس في الإسلام أفواجا، وأوضح أن القصد من البعد الروحي في الإسلام هو توثيق صلة العبد بربه، والاعتصام بحبل الله المتين من حيث الإيمان والإخلاص، والانتقال من النفس المضطربة إلى النفس المطمئنة، ومن عقل شارد، إلى عقل مؤيد عارف بالله تعالى.
وبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم، اهتم بالتربية الروحية لأصحابه امتثالا لأمره الله عز وجل، بإقامة بناء مقومات نفوسهم على أسس الإيمان والإخلاص لله تعالى، ومجاهدة النفس، مبرزا أن النفس الطاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل باقة من الفضائل، والمثل الرفيعة، والقيم الصالحة، رغم ما قاساه في سبيل الدعوة الى الله و ما تعرض له من المواقف الصعبة، ونبه الى أن قوته الروحية صلى الله عليه وسلم جعلته يرد على كل الإغراءات والتهديدات الصادرة عن زعماء قريش بقوله: “يَا عَمُّ، وَاَللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ”، وهو هو ما يدل على أن الفراغ الروحي لا يملأه المال، ولا السلطة، ولا المكانة، ولا المتعة، وإنما عبادة الله و تقواه، موردا قوله صلى الله عليه وسلم: « لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ”.
وأشار إلى أن ولادته صلى الله عليه وسلم في حد ذاتها هي تجلي لنزول الرحمة الإلهية على البشرية، التي هي رحمة مستمرة إلى ما شاء الله، مصداقا لقوله تعالى، في سورة الأنبياء، “وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” (الآية 107)، وأبرز القادري عددا من صفات النبي صلى الله عليه وسلم، التي من بينها صفتا الرأفة والرحمة، موردا مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة عليهما مثل قوله تعالى في الآية 128 من سورة التوبة،”لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ”،
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم “إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً»”(أخرجه مسلم)..
كما تطرق إلى مشاهد من سيرته صلى الله عليه وسلم تبرز بركاته، منها ما رواه جابر أنه عليه الصلاة والسلام أطعم يوم الخندق ألف رجل من صاع شعير وعناق وقال جابر: “فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه”، وأوضح أن كل ما يوصل إلى حب الله تعالى يوصل إلى حب الرسول صلّى الله عليه وسلّم وكذلك العكس، وأضاف أن المحب المؤمن حقاً يمشي في الطريق ملتمسا كل السبل لذلك الحب، وأورد القادري مجموعة من الوقائع الدالة على المحبة العميقة التي كان يكنها الصحابة الكرام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، منها ما جاء في الأثر، أن ثوبانُ مَوْلَى رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ كان شديدَ الحبِّ لهُ، قليلَ الصبرِ عنهُ، فأتاهُ ذاتَ يومٍ وقدْ تغيرَ لونهُ، ونحلَ جسمهُ، يُعرفُ في وجههِ الحزنُ، فقالَ لهُ النبيُّ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -: مَا غيرَ لونكَ؟! قالَ: يا رسولَ اللهِ، ما بي ضرٌّ ولا وجعٌ غيرَ أني إذا لمْ أركَ اشتقتُ إليكَ واستوحشتُ وحشةً شديدةً حتى ألقاكَ، ثمَّ ذكرتُ الآخرةَ وأخافُ أنْ لا أراكَ هُناكَ، لأني عرفتُ أنكَ ترفعُ معَ النبيينَ، وأني إنْ دخلتُ الجنةَ كنتُ في منزلةٍ هيَ أدنى منْ منزلتكَ، وإنْ لمْ أدخلْ لا أراكَ أبدًا، فأنزلَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – قولهُ: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69] .
وأشار إلى أن هذه المحبة لم تكن خاصة بالرجال دون النساء، واللواتي ضربن أروع الأمثلة في هذا الباب، وخير مثال على ذلك أُمُّ عُمَارَةَ التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حقها في معركة أحد وهي تدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم “ما إَلْتَفَتُ يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا ورأيتها تقاتل دوني”، وأضاف أن العلماء والمحدثين من شدة توقيرهم لرسول صلى الله عليه وسلم عظموا حديثه غاية التعظيم، حيث كان المحدث منهم لا يتصدر حلقة الدرس إلا بعد أن يتوضأ ويرتدي أجمل ثيابه ويتهيأ لهذا المجلس العظيم.
وبين الدكتور منير أن من أبرز آثار التربية الروحية الَّتي تلقاها الرَّعيل الأوَّل، استجابتهم أولا لأمر الله تعالى وإظهار العبودية له، مصداقا لقوله تعالى في سورة الشورى “وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ” (الآية 38)، مضيفا أن معاني العبودية الصَّادقة لله سبحانه وتعالى لا تتحقق إلا إذا اقترنت بصدق التوجه إليه، والإخلاص له مذكرا بقوله تعالى في سورة الأنعام “قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ” (الآيات 162 – 163)، وثاني هذه الآثار يتمثل في مناجاة العبد لربه، مشيرا الى أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن مشهداً من مشاهد هذه المناجاة، حيث قال عليه الصلاة والسلام : “قال الله تعالى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بيني وبين عبدي نِصْفَين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ﴾ قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ قال: مجَّدني عبدي، فإذا قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل”.

وتابع القادري أن تحقق مقامات العبوديَّة التي تُعد من أعظم أسباب تزكية النَّفس، وتقوية الإيمان، هي من أعظم ما ظفر به الصَّحابة من التربية النبوية، وأكد أنَّ الذِّكر والدُّعاء وتلاوة القرآن، والصُحْبَة في الله، وقيام اللَّيل، والنَّوافل بأنواعها، و فعل الخيرات و ترك المنكرات لها أثرٌ عظيمٌ في تزكية النفس، وسموِّ الرُّوح، فكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يبيِّن لهم حاجة القلب إلى غذاءٍ دائمٍ؛ من ذكرٍ، ودعاءٍ، وتلاوة قرآن؛ ليكون ذلك تحصيناً لهم من الأمراض، والآفات.
واختتم كلمته بالتأكيد على أن الطريقة القادرية البودشيشية، بما تحمله من إذن رباني وسند محمدي في التربية الروحية ما فتئت تحرص على نشر هذا النهج التربوي الاحساني وتبليغ هذه الرحمة للعالمين عملا بالحديث الشريف المتفقٌ عليهِ، عَنْ سَهْلِ بن سعدٍ، ، أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ لِعَليًّ:” فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعَم”، كما أنها حريصة على العمل يدا في يد مع باقي الطرق الصوفية تحذوهم الرغبة في المشاركة في رقي وطنهم وازدهاره تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.

الاخبار العاجلة