اعداد:حساين محمد
في زمن كورونا، وانسجاما مع ما تقتضيه تدابيرالحجر الصحي ، واصلت مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية بشراكة مع مؤسسة الملتقى العالمي للتصوف ومؤسسة الجمال للسماع والمديح والفن العريق تنظيم ليالي الوصال “ذكر وفكر” باستعمال تقنية البث المباشر وذلك عبر صفحة مؤسسة الملتقى بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك ، بإحياء الليلة السادسة ،السبت 6 يونيو2020 .
وعرفت هذه الليلة مشاركة مجموعة من العلماء والأساتذة من المغرب وخارج المغرب ، وتخللتها وصلات لمنشدين مغاربة وآخرين من ماليزيا وليبيا وفرنسا واسبانيا ، إضافة إلى شهادات حية لمريدي الطريقة القادرية البودشيشية من أقطار مختلفة، عكست انتشار الطريقة خارج المغرب خاصة في أوساط المثقفين.
استهل الحفل بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم تلاها المقرئ سعيد مسلم لتنطلق بعد ذلك سلسلة المداخلات العلمية الرصينة ، والتي تميزت بتنوعها وغناها، وقد كانت باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والاسبانية ، والتي كانت تعقبها ترجمة مختصرة لها، و من بينها المداخلة العلمية للدكتور مصطفى عزام ، أستاذ التعليم العالي بجماعة محمد الخامس بالرباط والتي تمحورت حول موضوع “الآداب الروحية للحجر الصحي ” ، والمداخلة العلمية للدكتور إبراهيم سلامة من جنيف بسويسرا، والذي يشغل منصب سفير ومستشار لدى هيئة الأمم المتحدة لحقوق الانسان ،حول موضوع ” ضمان الحقوق في زمن كورونا “.
أما الكلمة العلمية التنويرية لفضيلة الدكتور مولاي منير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى ورئيس مركز المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم ،والتي على غرار سابقاتها تناولت موضوعا في صلب الحاجة التي يفرضها السياق المعاصر، المتمثل في جائحة كورونا، من خلال موضوع “دور التصوف في بناء أسس المواطنة الفاعلة وأثرها على ترسيخ قيم التضامن الاجتماعي ” ، بين من خلاله أن منظومة القيم التي يحملها التصوف الذي هو مقام الاحسان، والذي هو ثابت من ثوابت هويتنا الدينية، تجعله يسهم في عملية النهوض بالواقع وبناء مجتمع أكثر تماسكا من الناحية الاجتماعية ،والمرتكز على القيم الاخلاقية النابعة من قيمنا الإسلامية الراسخة والمتجذرة في ثقافتنا المغربية ، موضحا أن أزمة كورونا بينت المعدن الحقيقي للمغاربة ، وأن المغرب بلد قيم التآزر والتكافل، وهو ما جسدته على أرض الواقع المبادرات الاستباقية والتضامنية التي قادها جلالة الملك محمد السادس نصره الله ، والتي شكلت حافزا قويا للمواطنين المغاربة ليكونوا فاعلين إيجابين من خلال سلوك التضامن والتكافل الذي أبانوا عنه ،عكس النظرة المادية الصرفة التي تقصي القيم الروحية الإنسانية ، منبها إلى أن عالم ما بعد كورونا مختلف عن عالم ما قبل كورونا ،ومبرزا فضيلته أن المستقبل للقيم الأخلاقية التي ظهرت الحاجة إليها في ظل أزمة كورونا، هذه الأخيرة التي جددت اعتقادنا وثقتنا بالله، وقوت علاقتنا بقيمنا الأخلاقية .
وبين فضيلته أن الانسان يبقى هو أساس النجاح ، فالإنسان قبل البنيان،والساجد قبل المساجد، والذي ينبغي أن يهتم به من خلال نظرة شمولية ، تراعي مختلف حاجياته النفسية والروحية والجسدية والفكرية ، مبرزا أن التربية الصوفية توجه الانسان نحو السمو الأخلاقي والتحقق بالأخلاق المحمدية المبنية على الرحمة ونفع الناس ، والانشغال بعيوب النفس وتزكيتها والتغافل عن عيوب الناس ، موضحا أن التصوف يحي الفطرة الإنسانية وينشر قيم المحبة والتآزر ويحقق الأمن الروحي ، الشيء الذي يجعل الإنسان يشعر بالمسؤولية ويصبح فاعلا ومتفاعلا مع مجتمعه ، متحليا بالقيم الأخلاقية الكونية، فالتنمية في الإسلام ذات بعد إنساني كوني تعود بمنافعها على كافة البشر وعلى البيئة كذلك.
ليخلص فضيلته إلى أن التصوف يهدف الى تغيير الفرد نحو الأفضل ،من خلال الأخلاق الحسنة المبنية على الإحسان ،مما يؤدي الى تمنيع الافراد والمجتمعات ، وبناء مواطنين صالحين لأنفسهم ولأسرهم ولمجتمعهم ، وللبشرية جمعاء بما ينسجم و مفهوم المواطنة العالمية، مذكرا بما جاء في خطاب جلالة الملك حفظه الله عن أهمية الاخلاق والوطنية الصادقة بمناسبة الذكرى التاسعة عشر لتوليه عرش أسلافه المنعمين، حيث جاء في خطاب جلالته:
” فالمغرب هو وطننا، وهو بيتنا المشترك. ويجب علينا جميعا، أن نحافظ عليه، ونساهم في تنميته وتقدمه..
إن الوطنية الحقة تعزز الوحدة والتضامن، وخاصة في المراحل الصعبة. والمغاربة الأحرار لا تؤثر فيهم تقلبات الظروف، رغم قساوتها أحيانا. بل تزيدهم إيمانا على إيمانهم، وتقوي عزمهم على مواجهة الصعاب، ورفع التحديات.
وإني واثق أنهم لن يسمحوا لدعاة السلبية والعدمية، وبائعي الأوهام، باستغلال بعض الاختلالات، للتطاول على أمن المغرب واستقراره، أو لتبخيس مكاسبه ومنجزاته. لأنهم يدركون أن الخاسر الأكبر، من إشاعة الفوضى والفتنة، هو الوطن والمواطن، على حد سواء”
يشار إلى أن من أهم ما ميز الليلة السادسة، إحداث فقرة تفاعلية مع الأسئلة التي تم طرحها من طرف المتابعين لهذا السمر الروحي ،وهوما لقي استحسانا من طرفهم ، هذه الأسئلة التي تميزت بتنوعها، حيث همت الأسس والثوابت التي تقوم عليها الطريقة ، والتربية التي تنهجها، وحضورها الوطني والدولي، وقد تولى الإجابة عنها باللغتين العربية والفرنسية فضيلة الدكتور مولاي منير القادري ومجموعة من علماء الطريقة وأساتذتها.
وقد تخللت هذه المداخلات وصلات من بديع الانشاد والسماع ، حيث شنف أعضاء من الفرقة الوطنية الرسمية للطريقة القادرية البودشيشية للسماع والمديح المتابعين بقصائد سمت بأرواحهم ، إضافة قصائد لمجموعة سماع الطريقة القادرية البودشيشية بماليزيا ومجموعة الصفاء بفرنسا وصلات فردية متميزة للمنشد طارق عبيد من اسبانيا والمنشد محسن الزكاف والمنشد محمد أبو طار من ليبيا.
وعلى غرار الليالي السابقة تميزت هذه الليلة بشهادات لمريدي الطريقة البودشيشية من خارج المغرب و المنتمين لجنسيات مختلفة ،
ليتناول الكلمة في الأخير، الأستاذ إبراهيم بلمقدم باحث ومؤطر بمركز أجيال التابع للرابطة المحمدية للعلماء وخطيب ، والذي تولى اختتام هده الليلة الروحية برفع الدعاء الصالح بأن يحفظ المغرب ملكا وشعبا من هذا الوباء ، وأن يوفق جلالة الملك محمد السادس في خطواته الرشيدة في التصدي لهذا الوباء.