اعداد:حساين محمد
دائما في إطار سلسلة ليالي الوصال في زمن كورونا، “ذكر وفكر” المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى العالمي للتصوف بشراكة مع مؤسسة الجمال للسماع والمديح والفن العريق تم السبت 30 ماي 2020 احياء الليلة الخامسة ، وذلك عبر صفحة مؤسسة الملتقى بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك .
وقد كان برنامج هذه الليلة متنوعا ، من خلال مشاركة مجموعة من العلماء والأساتذة من المغرب وخارج المغرب ، وتخللتها وصلات لمنشدين مغاربة وآخرين من بريطانيا ، إضافة إلى شهادات حية لمريدي الطريقة القادرية البودشيشية من فلسطين والأردن وبريطانيا وفرنسا واندونيسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
فبعد الكلمة الترحيبة باللغة العربية واللغة الفرنسية، انطلق الحفل بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم تلاها المقرئ سعيد مسلم ، لتتلوها الكلمة العلمية التنويرية لفضيلة الدكتور مولاي منير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى ورئيس مركز المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام ،والتي تمحورت حول “قيم الفتوة وأثرها في المجتمع” ، بين من خلالها أهمية الفتوة في بناء انسان هذا العصر، من خلال ربطها بالمجال القيمي والأخلاقي، وضرورة الاهتمام بفئة الشباب كمدخل أساسي للتنمية ، مشيرا فضيلته إلى أهمية تربيتهم على الأخلاق الفاضلة والوطنية الفاعلة، وهو ما يندرج ضمن الحكامة الجيدة في تدبير المشاريع التنموية ، مذكرا بقوله تعالى” إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ” ، كما نبه الى أن الفتوة هي حسن الخلق وبدل المعروف وحب الخير للناس ، مستحضرا أن الفتوة قبل الإسلام كانت فتوة الأخلاق والشهامة والنجدة والكرم، غير أنها كانت ممتزجة بالنزعة القبلية والعصبية، أما في عصر الإسلام فصارت هي القدوة على صعيد الأخلاق قال (ص) ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” ، فالفتوة هي منهج حياة وهي التفاني في خدمة الصالح العام وتغليب مصلحة الأمة على الأنانية الفردية ، منبها إلى أن محور نجاح التنمية هو الانسان المتوازن في كل أبعاده المادية والروحية والنفسية ، فالتصوف الذي هو ثابت من ثوابت الهوية الدينية المغربية يرى في الأخلاق تقربا الى الله واقتداء بالنبي (ص) وتزكية روحية تسمو بالإنسان الى الحب الإلهي ، فالمعاني الأخلاقية عند السادة الصوفية متسعة اتساعا كونيا تربط كل ما في الوجود بالحب الإلهي ، فالفتوة عندهم هي حب كل شيء في هذا الوجود ،وأن تحب للناس ما تحب لنفسك وأن تقدم الناس على نفسك ، مع ترك الخصومة والتغافل عن زلات الآخرين .
ليخلص فضيلته إلى أن الفتوة تقتضي منا في الوقت المعاصر اتخاذ مجموعة من التدابير، وذلك من خلال اعطاء القدوة للشباب انطلاقا من سير أسلافنا والعلماء والصالحين ،ونشر ثقافة الفتوة والقيم الأخلاقية المبنية على الوسطية والاعتدال عبر وسائط التواصل الاجتماعي، كثقافة مضادة لثقافة الميوعة والانحلال الخلقي والنفعية الضيقة والانتهازية، دون اغفال توظيف المؤسسات التعليمية والإعلامية في تغيير النمط الخلقي للشباب ، مع ضرورة النهوض بدور المساجد والخطباء والدعاة والعلماء والزوايا، وتنسيقها بما يتماشى مع استراتيجية اصلاح الشأن الديني تحت رعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله والثوابت الدينية ، مذكرا في هذا الخصوص بما جاء في خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى السادسة والستين لثورة الملك والشعب، الذي أبرز فيه دور الشباب باعتباره قوة حقيقية ومصدرا للثروة، حيث جعل جلالته الشباب في صلب عملية النموذج التنموي ، مشددا على ضرورة تكوينهم ومنحهم الثقة التي يحتاجونها .
ليتناول بعد ذلك الكلمة العلمية الثانية الدكتور عبد المجيد الدخيسي ، أما الكلمة العلمية الثالثة للدكتورمصطفى زكري أستاذ جامعي بالبرتغال ، حول موضوع ” قراءة روحية للحجر الصحي “، فيما كانت الكلمة العلمية الثالثة للدكتور كمال عبد المجيد، استاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء حول مفهوم “الكلمة وأثرها”، والكلمة العلمية الرابعة فكانت للدكتورة سميرة لطفي وهي باحثة في الدراسات القرآنية والصوفية حول موضوع ” تأملات الانسان للنفس في زمن الحجر”.
يشار إلى أن المدخلات كانت تصاحبها ترجمة مختصرة لها الى اللغات الفرنسية والانجليزية .
وقد تخللت هذه المداخلات وصلات من بديع الانشاد والسماع ، حيث شنف أعضاء من الفرقة الوطنية الرسمية للطريقة القادرية البودشيشية للسماع والمديح المتابعين بقصائد سمت بأرواحهم ، إضافة قصائد لمجموعة سماع الطريقة القادرية البودشيشية ببريطانيا وصلات فردية متميزة للمنشد حكيم خيزران والمنشد غفير الزكاف والمنشد محي الدين موضاح.
جدير بالذكر انه خلال هذه الليلة توجهت مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية بأحر التعازي في وفاة السيد عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله ، الذي شغل منصب الوزير الأول سابقا، مثنية على مواقفه الوطنية ، وحكمته وتبصره ، وتفانيه في خدمة الوطن والصالح العام ، كما توجهت كذلك بالتعزية في وفاة الشيخ العلامة محمد المختار الحسني الوزاني، الذي أمضى حياته في نشر العلم والتربية الصوفية، والكتابة عن العرفان ومحبّة رسول الله ،مثل كتابه “رباط المعاني”، و كتابه “الجامع المختار للصّلوات المحمّديّة”.
وعلى غرار الليالي السابقة تميزت هذه الليلة بشهادات لمريدي الطريقة البودشيشية من خارج المغرب و المنتمين لجنسيات مختلفة ، من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا و الاردن وفلسطين واندونيسيا، والذين تناولوا من خلالها تجاربهم مع الحجر الصحي وكيفية تعاملهم مع الوباء والدورالايجابي الذي تلعبه التربية الروحية التي يتلقونها في الطريقة القادرية البودشيشية في هذا الصدد.
ليتناول الكلمة في الأخير، الأستاذ إبراهيم بلمقدم باحث ومؤطر بمركز أجيال التابع للرابطة المحمدية للعلماء وخطيب ، والذي تولى اختتام هده الليلة الروحية برفع الدعاء الصالح بأن يحفظ المغرب ملكا وشعبا من هذا الوباء ، وأن يوفق جلالة الملك محمد السادس في خطواته الرشيدة في التصدي لهذا الوباء.