النقيب الاستاذ المكاوي بنعيسى
استوقفتني الصورة البريئة والرائعة، والكلمة القيمة ،التي تناولت فترة زمنية تولى فيها المشمول بعفو الله ورضائه الاستاذ محمد عدلي ،أول منصب وكيل عام للملك لاول محكمة استئنافية بوجدة ،على إثر احداثها بمقتضى التنظيم القضائي الجديد سنة 1974 ،إلى حين تقاعده سنة 2000، قبل وفاته بقليل .تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جناته .
إنها فترة ذهبية عرفت فيها الساحة القضائية بالجهة الشرقية على يديه نهضة، تجلت في الانسجام والتعاون المثمر بين جميع اطراف الاسرة القضائية ،من أجل الدفاع عن حرمة القضاء واستقلاله ،لفرض احترام القانون .
إن هذه الشخصية المتميزة، بما حباها الله من دراية قل نظيرها في تدبير شؤون النيابة العامة، وبما كان يتوفر عليه من كفاءة عالية جمعت بين الحكمة والتبصر، وبعد النظر،وعمق التفكير في اتخاذ القرار .
في هاته الحقبة كان لي شرف أن تحملت مسؤولية نقيب هيئة المحامين بوجدة لمدة ثلاث ولايات ،وفي اطار العلاقة القائمة بين هيئة الدفاع والنيابة العامة، تعرفت عن قرب على هذه الشخصية الفذة، الذي كان يحب مهنته، ويتفانى في خدمة رجالاتها ،من قضاة ومحامين وغيرهم من مساعدي القضاء، بأسلوب حضاري ،وبطريقة مرنة تطمئن لها القلوب، وتزرع في النفوس الوئام بين سائر مكونات الاسرة القضائية.
هذا، فلكونه يمثل النيابة العامة، فإنه كان يأخذ العصى من الوسط ،عملا بالقاعدة ان النيابة العامة هي سلطة الملاءمة، فمن هذا المنطلق كان يسعى دائمآ إلى اصلاح ذات البين ،بين المتنازعين، بدلا من التسرع في اتخاذ أي قرار .
تلك بعض الاوصاف الحميدة ،التي تعتبر قيم مثالية ،غرسها ورسخها المرحوم بإذن الله الوكيل العام للملك الاستاذ محمد عدلي، كقواعد في تدبير الشان المهني، مما أكسبه حبآ واحترامآ من طرف الجميع .
وبعد تقاعده، تولت مجموعة من خيرة أبناء هذا الوطن منصبه، منهم من سار على دربه متمسكآ بتلك القواعد المثالية، ومن بين هؤلاء الوكيل العام للملك الاستاذ فيصل الادريسي، الذي تولى هذه المسؤولية في وقت كنت نقيبآ لهيئة وجدة لولاية رابعة ،تمكنت من خلال هذه الفترة أن لمست في شخص السيد الوكيل العام للملك الاستاذ فيصل الادريسي، نفس مميزات وصفات المرحوم بإذن الله محمد عدلي من حكمة بالغة ،وجرأة نادرة، وعمق في التفكير والتبصر في اتخاذ أي قرار.
مما جعل منزلته تحظى بتقدير خاص من القضاة والمحامين ومساعدي القضاء ومن عموم المواطين، وما التكريم الرفيع الذي خص به ،من لدن جميع أطياف المجتمع المدني، يوم إنتقاله من وجدة ،بإسناده صفة المحامي العام لدى محكمة النقض بالرباط ،الا دليل قاطع يؤكد على أن هذه الشخصية تعد ذاكرة قضائية بإمتياز ،سجلت تاريخها على مستوى المسوولية القضائية بالجهة الشرقية بشرف واعتزاز .
فالمجد والخلود، لهذين الهرمين الشامخين اللذين شرفا القضاء المغربي بصفة عامة والقضاء بالجهة الشرقية بصفة خاصة لما أدياه من واجب رفيع خدمة لهذا الوطن .