الدكتور منير البودشيشي:الدبلوماسية الروحية للمغرب بصمت السلم والأمن داخل القارة الإفريقية

6 ديسمبر 2019آخر تحديث :
الدكتور منير البودشيشي:الدبلوماسية الروحية للمغرب بصمت السلم والأمن داخل القارة الإفريقية

إعداد:حساين محمد
أكد الدكتور مولاي منير القادري بودشيشي،الخبير الاقتصادي،ورئيس الملتقى العالمي للتصوف،أن الدبلوماسية في ظل السياق المعاصر أضحت صورة مختزلة عن الشعوب والأمم في مختلف أبعادها السياسية والدينية والاقتصادية والثقافية والحضارية، فبعد أن كان العمل الدبلوماسي يرتكز في السابق على التمثيلية السياسية للشعوب، غدا اليوم ينفتح على كل الفعاليات التي من شأنها الإسهام في رعاية وخدمة مصالحها، ويأتي هذا في سياق التحولات الكبيرة التي تعرفها المجتمعات المعاصرة.


وكشف الدكتور منير البودشيشي في حوار مع جريدة oujdaregion.com،أن ما فرضته السياقات الجديدة من متغي ارث على كثير من منظوماتنا،،إذ لم يعد منحص في النظام السياسي، بقدر ما أصبح يرمز إلى كل المكونات والفعاليات المشكلة لهذا الكيان، وتبعا إلى هذا فقد تطورت العلاقات فيما بين الدول وصارت أكثر تعقيدا وتشابكا مما كانت عليه في الماضي،بحيث تتضمن اليوم كل الفاعلين الذين يسهمون في رعاية وتأثيث هذه العلاقات، وهو ما تبلور في مفهوم “الدبلوماسية الموازية” التي يعتبر البعد الروحي والديني من أهم فاعليها”.

وأضاف المتحدث،أنه لا يخفى الدور المحوري الكبير الذي أصبح يضطلع به المكون الديني في تقوية العلاقات الدولية والتقريب فيما بين الشعوب، واشاعة روح الحوار والتعايش، وتثبيت دعائم السلم والسلام العالميين. وقد صارت الدول اليوم على درجة كبيرة من الوعي بأهمية هذا المكون في تدعيم وتقوية مواقفها السياسية اولدبلوماسية، خاصة تلك التي تحمل موروثا ثقافيا وروحيا ودينيا كبيرا،حيث أصبحت تعمل بشكل ممنهج على استثماره وبلورته في تقوية علاقاتها ونسج تحالفات لخلق فضاء للتعاون،إقليميا وقاريا ودوليا، والترويج لنموذجها الحضاري إلى جانب النماذج الحضارية الأخرى.
وأوضح مولاي منير أن التصوف قد شكل في سياق هذا البعد مرجعا روحيا وثقافيا هاما، فهو من أكثر المكونات الدينية رعاية وخدمة للأبعاد الروحية والوجدانية لأمتنا؛ وذلك لاختصاصه بخدمة الجانب الإحساني من الدين الإسلامي المتمثل في تزكية النفس وتطهيرها والسمو بها إلى كمالات الأخلاق، وقد قدم طيلة تاريخه نماذج إنسانية وحضارية ا رقية، شكلت مرجعا قيميا وأخلاقيا وروحيا كبيرا، كان لها الأثر البالغ في إشاعة روح التعايش والتسامح فيما بين الأفراد والشعوب، سواء بين المسلمين على اختلاف مكوناتهم الثقافية والعرقية واللغوية…، أو فيما بينهم وبين غيرهم من المكونات الحضارية الأخرى.وقد استطاع هؤلاء الأعلام بما حملوه من قيم أخلاقية سامية، أن يقدموا صورة مشرقة عن الإسلام في أرقى مستوياته، وقد كانت إسهاماتهم وما قاموا به من أدوار ريادية في تقوية الصلات بين الشعوب نموذجا حيا لما أسهم به التصوف في تفعيل الدبلوماسية الروحية.
وأكد الدكتور منير إن الدبلوماسية الروحية التي يقدمها التصوف اليوم من شأنها أن تخلق دينامية واسعة داخل مجتمعاتنا الإنسانية في شتى أبعادها، فهي لا تقتصر في عملها على الجوانب الروحية والدينية، وانما تشكل موجها عاما وشموليا يهم المعيش الإنساني في كل أبعاده؛ دينا وسياسية وأمنا واقتصادا وثقافة…الخ، وقد كانت لهذه الأبعاد الآثار البالغة في توثيق الصلات فيما بين الشعوب والأمم، فكل واحد منها يشكل حلقة مستقلة من شأنها الدفع بقوة نحو تعزيز وتمتين هذه الصلات، بداية من الأبعاد الفنية والجمالية التي يتضمنها الخطاب الصوفي وما أضحت تضطلع به هي الأخرى من أدوار ضمن هذه الدبلوماسية؛ لما تفتحه من آفاق الحوار والتفاعل الإيجابي فيما بين الأف ا رد والثقافات اولحضا ا رت، إلى جانب الأبعاد المعرفية والثقافية والفكرية التي تشكل بدورها مكونا أصيلا في دعم وتعميق هذه الدبلوماسية، وما تفتحه من آفاق رائدة للتنمية؛ سواء من خلال ما يسهم به المنتسب ون للزوايا من رجال الاقتصاد، أو من خلال الموجهات القيمية التي يقدمها التصوف والتي تدفع بقوة نحو ترسيخ الفكر الإنتاجي وترشيده وتخليقه، وما لذلك من آثار مباشرة على التنمية الاقتصادية ببعديها الإنساني والعمراني. هذا بالإضافة إلى ما تكرسه سائر الأبعاد الأخرى من قيم وأعراف وسلوكات شكلت إرثا مشتركا لكل الشعوب التي شملها هذا المكون الروحي الأصيل.
وأبرز أن التصوف بما يحمله من موجهات سلوكية عميقة قد شكل فاعلا أساسيا في ال أ رسمال اللامادي للشعوب، وذلك لما يقدمه من إسهامات جليلة في البناء الروحي لهوية الإنسان، وما لذلك من آثار على كل أبعاده المعيشية، وهو كفيل اليوم في ظل ما تشهده مجتمعاتنا من متغيرات وتحديات، بأن يقدم سندا روحيا قويا من شأنه أن يحصنها من كثير من الآفات والاختلالات، بما فيها الفراغ الروحي المهول الذي أصبحت تعاني منه كثير من دول العالم،والدفع بقوة نحو تعزيز روح الحوار والتعايش والتعاون؛ امتثالا لأمر الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ المائدة: 20 ، وتحقيق مقصد التعارف الوارد في قوله عز وجل:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾الحج ا رت: 31 ، ومن ثم تغيير الصورة النمطية التي أصبحت سائدة عن الإسلام في ظلتنامي ظاهرة الإرهاب، وتحصين الشباب من كل أشكال التطرف والتعصب، وبعث روح التسامح وسائر القيم الإسلامية النبيلة.
وأفاد نجل شيخ البودشيشية،على أن للمغرب دور كبير و ا رئد في تفعيل الدبلوماسية الروحية في أرقى مستوياتها،وذلك في سياق ما عرفه من تميز وتفرد لهذا البعد الروحي وما شكله من عمق وتأصِّل ضمن مكونات هويته، فالتصوف قد شكل مرجعا ثقافيا وروحيا وحضاريا هاما ضمن مقومات هذه الهوية؛ وهو ما أعطى للتجربة الدينية المغربية توازنها وخصوصيتها، لما حلاها به من قيم روحية أصيلة شكلت صورة إيجابية للتدين المعتدل القائم على قيم الوسطية والاعتدال والرحمة والمحبة، وما كان لها من آثار على الإشعاع الروحي لهذا البلد، خاصة مع ما عرفه من مدارس وشخصيات صوفية جليلة كابن عربي، ابو الحسن الشاذلي…( كان لها الفضل الكبير في تقوية هذا الإشعاع. فالمغرب وهو أرض الأولياء قد شكل مرجعا روحيا متمي ا ز أسهم بقوة في توطيد العلاقات مع كثير من بلدان العالم، ويكفينا في هذا السياق ما عرفته المدارس والزوايا المغربية من امتدادات واسعة داخل إفريقيا وما خلفته تاريخيا والى الآن من روابط روحية وثقافية عميقة مع العديد من البلدان الإفريقية.

وخلص المتحدث على كون الدبلوماسية الروحية التي يقدمها المغرب في القطر الإفريقي تشكل حلقة وصل قوية فيما بين الشعوب الإفريقية، وهي من شأنها أن تقوم اليوم كما الأمس بأدوار طلائعية ومحورية في إشاعة السلم والأمن داخل هذه القارة، وتسوية العديد من النزاعات والفتن بين كثير من بلدانها، وربط الصلة فيما بينها وبين المكونات الحضارية الأخرى في سياق ما تقدمه هذه الدبلوماسية من أبعاد للتفاعل الحضاري الدولي او العالمي.

الاخبار العاجلة