” الذاكرة كي تعمل جيدا في حاجة الى تمرين متصل ومستمر ، واذا لم تستدع الذكريات مرارا فإنها تتلاشى ”
من منا لا يتذكر سنوات الرصاص وصعوبة ابداء الرأي في الثمانينات ، ومع ذلك نظمت جمعية هيآت المحامين بالمغرب التي كان يترأسها آنذك الاستاذ النقيب عبد العزيز بنزاكور مناظرة حول حقوق الانسان بالمغرب بمدينة وجدة، نظمتها وسهرت على إنجاحها هيئة المحامين بوجدة التي بذلت مجهوذا من اجل إنجاح التظاهرة وتسجيلها بمداد الفخر في سجلات تاريخ المهنة العتيدة من جهة ، ورسمها في سجلات التاريخ السياسي ومسار حقوق الانسان الذي يعتبر حجر الزاوية و اختصاص بدون منازع لهيآت الدفاع في جميع انحاء العالم من جهة اخرى ، مدينة وجدة التي استقبلت أقطابا ورجالات القانون والمبادئ وفطاحلة ساحات القضاء ، من محامين وحقوقيين لامعين ، تجرأت انذاك على اثارة مواضيع الإصلاح والتغيير ،مواضيع حارقة تخص الديموقراطية والتصدي لقمع التعسفات والاختفاء القسري والتعذيب ،وانحراف القضاء وفصل السلط ونبذ الوصاية على العدالة وإعادة الاعتبار لهيبة مهنة المحاماة وحرية الرأي في زمن عرف انتهاكات جسيمة لحقوق الاتسان وفِي زمن كانت فيه قنوات التواصل الاجتماعي من ضروب الخيال ، وكان حق الوصول الى المعلومة الذي اصبح حاليا مدسترا من سابع المستحيلات ، تم تنظيم المناظرة بمدينة وجدة سنة 1987 في أعقاب محاكمات سياسية عسكرية ومدنية ببعض مدن المملكة سنة 1984 ,منها مدينة وجدة التي عرفت احكاما قاسية كنا ندعوها انداك ” استانسيل ” لتشابهها وعدم دراسة وقائع كل قضية على حدة ، ، ولعل بعض المسؤولين حاليا واللذين عهد اليهم بمسؤوليات جسام كرئاسة مجلس المستشارين كان من بين المتهمين في هذه المحاكمات ، ناهيك عن الانتفاضات الشعبية التي عرفتها نفس السنة بمراكش وطنجة ووجدة وغيرها من المدن ،كل ذلك ليس بالأمر الغريب عن مدينة عرفت انطلاقة ثورة الملك والشعب في 16غشت 1953 وكانت حصنا حصينا امام توغلات الدولة العثمانية, كما قادت حملات شرسة ضد الاستعمار الفرنسي وشدت ازر الجارة الجزائر الى حين حصولها على الاستقلال سنك 1962 ايمانا بالوحدة وبالتكامل المغاربي ، بل ان الوقفة الاحتجاجية من اجل المطالبة بفتح الحدود بين المغرب والجزائر رأفة بالساكنة ودفاعا عن حقوق الانسان التي من بينها صلة الرحم و التي ضمت نقباء من مختلف الدول العربية ، عرفها المؤتمر المنظم بمدينة السعيدية ووجدة خلال يونيو 2013 ، وبذلك تكون المدينة الألفية التي عرفت أول محكمة عصرية وأول نقابة للمحامين سنة 1912 وأول محطة للقطار و وابرز الثانويات التي تخرج منها رجالات دولة ، و معالم عمرانية وثقافية ومعرفية ، و التي عانت لعقود من الاقصاء والتهميش مدينة الدفاع عن حقوق الانسان والسير بالمسار الديموقراطي بكل امتياز وكان محاموها عبر التاريخ يؤمنون بالعطاء السخي ونبذ الوصولية والانتهازية بل لم يحظ واحد من هؤلاء ببهرجات التكريمات والألقاب الخاوية الرنانة ،
اثنان وثلاثون سنة مرت على تنظيم مناظرة حقوق الانسان بوجدة ، تحققت خلال ثلاث عقود أهداف شتى ووقع نكوص وتراجع في قضايا شتى ، وجاء دستور2011 و رفع سقف الحقوق والحريات بعد تقلبات وهبوب رياح وطنية ودولية عاصفة ، ونظمت بعد ثلاثين سنة مناظرة بمراكش لعلها تربط الماضي بالحاضر لاستنهاض الهمم واعادة ترتيب وتطهير البيت الداخلي من الشوائب ،وإعادة الهيبة للقاضي والمحامي ،والتصدي لكل تطاول اوإضعاف الهمة ، في زمن كثر فيه اللغط واختلطت الأمور على أصحابها وأصبحت الفتاوى تصدر من طرف من لا اختصاص له وأصبح الاحتجاج هو الأصل و العمل الجاد هو الاستثناء ، زمن الغش والحصول على الديبلومات بسلطة المال والزبونية ، زمن تدني المستويات هذا التدني الذي يجب ان يجابه بقوة وارادة بالنسبة للمحامي عن طريق رفع المستوى التكويني والمعرفي والتوعية الحقوقية والمساهمة في العمل التشريعي عن طريق عمل تشاركي مع المحامين البرلمانيين من اجل نصوص قانونية تعيد الاعتبار لأمجاد المهنة والدفاع عن حقوق الانسان وطنيا ودوليا ورد الاعتبار لثوابت المهنة وأعرافها وآدابها وتاريخها بدل الاقتصار على اعتبار المهنة مجالا يقتصر على در الدخل والحصول على المكاسب المادية وسبيلا عرضيا لمواجهة وامتصاص غضب بطالة المجازين !
واذا كانت مسؤوليتنا هي الحفاظ على نبل المهنة والتذكير بأمجادها فاننا مطالبون بربط الماضي بالحاضر والتذكير بمجهوذات محامين قبل وبعد الاستقلال من مختلف المدن انحناء وتقديرا واعترافا لهم بالتضحيات من اجل مغرب الحريات متصد للتردي وتدني المستويات، والدفاع عن حقوق الانسان وطنيا ودوليا
سليمة فراجي – محامية – نائبة برلمانية سابقة