و.م.ع بقلم: عز الدين القاضي
بطموح قوي وإرادة راسخة، تنخرط لمياء البوشالي ضمن مجموعة صغيرة من الفاعلين بجهة الشرق، في المبادرة الإنسانية والعمل الجمعوي لفائدة الأشخاص المصابين بالسيلياك، وهو مرض مزمن لا يزال بعيدا عن الأضواء في المغرب.
وتكرس السيدة البوشالي جهودها لأجل قضيتها الأثيرة: أن تصبح حياة هؤلاء المرضى بدون “غلوتين” عادية وطبيعية وآمنة. “أجل، يمكن أن يتعايش المرء مع السيلياك”، تقول هذه السيدة التي اكتشفت قبل ثمانية أعوام أن ابنتها مصابة بهذا المرض ثم قررت – بعد الدهشة الأولى – أن لا تظل مكتوفة اليدين.
كان هذا الاكتشاف سبيل لمياء البوشالي نحو ارتياد عالمها الجديد. انقدحت في دواخلها رغبة الأم العارمة في أن تعنى بالأشخاص الذين يتقاسمون وضعية طفلتها الصغيرة التي أصيبت بمرض السيلياك النادر في عمر الطفولة المبكر.
بعد التشخيص الطبي، تقول السيدة لمياء في بوحها لوكالة المغرب العربي للأنباء، “عشنا، زوجي وأنا، لحظات عصيبة موسومة بأحاسيس قاتمة، قبل أن نأخذ الأمور على محمل الجد وندرك أن ليس ثمة أدوية خاصة للاستشفاء، عدا الحمية الصارمة بدون غلوتين.. ومدى الحياة”.
في البداية، لم يكن تشخيص المرض أمرا يسيرا، لأن أعراضه ليست متشابهة عند جميع المرضى. كان لزاما – والحالة هذه – أن يقوم الوالدان برحلات متوالية إلى الرباط قصد البحث عن سر توعك الطفلة الدائم. وحين تبدت معالم التشخيص واضحة، بدا العلاج شيئا وحيدا: “حمية بلا غلوتين”.. وهنا بدأت الرحلة.
“كان يجب أن نفهم هذا المرض وأن نتعلم أساليب السلوك الملائمة ونستوعب لائحة المنتوجات المسموح بها ونقرأ محتويات العلب الغذائية بدقة متناهية. لكن الأصعب من كل ذلك: كيف نقنع طفلة صغيرة أن لا تأكل مثل الآخرين؟ وكيف ندبر هذا التغيرات في نمط حياتنا وعاداتنا الغذائية؟”، تقول لمياء البوشالي، وهي تستعيد ذكريات الصدمة الأولى.
وغني عن البيان أن كل ذلك يستوجب الكثير من الصبر والحب بقدر ما يتطلب من عوائق وتضحيات، تضيف هذه الفاعلة الجمعوية التي أبرزت أن المنتوجات التي تلائم الحمية بدون غلوتين – وهي حمية لا غنى عنها، يومية ومدى الحياة – تظل نادرة في السوق وأسعارها ليست دائما في متناول جميع الأسر.
وبحسب المختصين، فإن مرض السيلياك، المعروف أيضا باسم حساسية الغلوتين، يعد مرضا مزمنا في الأمعاء، ناجما عن تناول بروتين الغلوتين، وهو مزيج من البروتينات الموجودة في بعض الحبوب (القمح والشعير..).
ويسبب هذا المرض تلف النتوءات المبطنة للأمعاء التي تقوم بدور الامتصاص، ما يجعل السطح المبطن للأمعاء أملسا، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث سوء امتصاص للمواد الغذائية، خاصة الحديد والكالسيوم وحمض الفوليك .
ويظهر السيلياك أيضا في العديد من الأعراض الأخرى، بما في ذلك الإسهال وأحيانا الإمساك ونقص الوزن وتأخر النمو وفقر الدم والضعف والوهن وآلام البطن وانتفاخ البطن وتقرحات الفم وزيادة قابلية النزف واضطراب التركيز والذاكرة .
والعلاج الطبي الوحيد لهذا المرض في الوقت الحاضر هو نظام غذائي مدى الحياة يتجنب مادة الغلوتين، ليس فقط في جميع المواد المصنوعة من القمح والشعير مثل الخبز والمعجنات، ولكن أيضا في عدد كبير من منتجات الصناعات الغذائية.
وتؤكد السيدة البوشالي، التي تعرف الكثير من هذه المعطيات بحكم مرض ابنتها بالسيلياك، أن الشخص المصاب بهذا المرض ومحيطه العائلي محتاجون – بالضرورة – إلى التوعية والدعم والتوجيه، علاوة على تعلم إعداد أطباق صحية ومتوازنة ولذيذة وخالية من الغلوتين. كما يحتاجون إلى أن توضع رهن إشارتهم منتوجات غذائية ملائمة لحاجياتهم.
ولأنها فخورة بتجربتها الناجحة في مواكبة ابنتها، فقد قررت أن تتقاسم مهاراتها في هذا المجال وتمنح شيئا من الدعم للأشخاص المصابين بهذا المرض الذي يظهر من خلال أعراض متنوعة.
وتجسد هذا الطموح في العام 2014 بتأسيس جمعية مرض السيلياك بوجدة، الأولى بجهة الشرق، بغية ضمان مواكبة أمثل ودعم متعدد الأشكال للمصابين بهذا المرض الصامت.
توضح السيدة البوشالي أن الجمعية تقوم بمبادرات عديدة، من قبيل الإعلام والتحسيس لفائدة المرضى وتنظيم دورات تكوينية بشأن الحمية بدون غلوتين وإرساء الشراكة والتعاون مع المؤسسات ذات الصلة، فضلا عن أنشطة تربوية واجتماعية ورياضية وثقافية تتوخى إفشاء قيم المواطنة والتطوع والتضامن.
من جهة أخرى، نوهت المتحدثة إلى أنه بغية الإسهام في معالجة إشكالية غلاء وندرة المنتوجات الغذائية بدون غلوتين، تم إحداث تعاونية لتلبية الطلب على المنتوجات المصنعة محليا من طرف المرضى المصابين بالسيلياك.
وتنتج هذه التعاونية، التي تحمل اسم “بدائل طبيعية”، منتوجات بدون غلوتين (دقيق وتوابل وسميد وكسكس..) وتقوم بتسويقها. تقول لمياء البوشالي، في هذا الصدد: “أملنا أن نجد مقرا ملائما وفق المعايير المطلوبة بغية زيادة تنويع المنتوج حتى يصبح متوفرا بكميات كافية للتسويق على مستوى الجهة وعلى الصعيد الوطني”.
وتضيف أن الجمعية والتعاونية تتكاملان، ومن شأن المقر الملائم أن يساعد مرضى السيلياك بجهة الشرق، وعددهم لا يقل عن 600 شخص من مختلف الأعمار، في التواصل والتعارف ولقاء الأطباء ومتابعة الأنشطة المبرمجة التي تعنيهم.
ولم يفت المتحدثة أن تقدم الشكر لكل الجهات التي ساعدت الجمعية، من قبيل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات العذائية ووزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي ومجلس جهة الشرق، قبل أن تختم بالقول “لا نزال في بداية الطريق، ونتطلع إلى بذل مزيد من الجهود من أجل أن يعيش مرضى السيلياك حياة عادية وطبيعية”.