تقول الأرقام إن ما يفوق 9 آلاف حجرة دراسية تعتبر غير صالحة لاحتضان التلاميذ واستقبالهم. وإن 60 في المائة من المدارس الموجودة في العالم القروي، غير مرتبطة بشبكة الإنارة. وإن أكثر من 70 في المائة منها لا يوجد بها ماء. في حين أن 80 في المائة من هذه المدارس والمجموعات المدرسية توجد بدون دورات مياه. وعليه فقد كانت الحاجة تفرض ضرورة إحداث 260 مؤسسة تعليمية كل موسم دراسي لا تتمكن الدولة من بناء غير 90 مؤسسة سنويا.
أعادت المذكرة التي أصدرتها نيابة التعليم بالعاصمة الرباط، والتي تحث مديري ومديرات المؤسسات التعليمية على الرفع من عدد تلاميذ القسم الواحد إلى ما فوق الأربعين تلميذا في أفق الخريطة المدرسية للموسم القادم، قضية البنيات التحتية التي لا تزال تشكل إكراها حقيقيا أمام تحقيق رهان الجودة الذي تسعى إليه المدرسة المغربية.
ولم تقدم المذكرة سرا جديدا حول معدل التلاميذ في القسم الواحد، والذي يفوق عادة الأربعين وقد يصل أحيانا إلى خمسين تلميذا في الفصل الواحد، خصوصا في بعض المؤسسات التعليمية بالوسط القروي. لكنها جعلت المسؤولين يكشفون عن هذه الحقيقة على الرغم من أن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني سارعت لنفي علاقتها بهذه المذكرة، وقالت إن ذلك يهم نيابة واحدة هي نيابة الرباط.
اليوم والمدرسة المغربية تتطلع لهذا الإصلاح التربوي المنتظر سواء ذلك الذي سيحمله تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أو الذي سطرته وزارة السيد رشيد بلمختار، لا أحد انتبه لهذا الإكراه الذي يعني واقع المؤسسات التعلمية، وضرورة تأهيلها لكي تقوم بدورها على الوجه الأكمل. لذلك قد تذهب كل الإجراءات التي يمكن أن يحملها مشروع الإصلاح أدراج الرياح إذا لم تجد في استقبالها مؤسسات تعلمية مؤهلة.
وليس غريبا أن يعترف أكثر من مسؤول أن غياب المراحيض، مثلا عن مؤسسة تعليمية في الوسط القروي، يكون سببا مباشرا في الهدر المدرسي الذي يطال التلميذات على الخصوص. لذلك كان المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم والذي لا تزال الكثير من مشاريعه في حاجة لتفعيل وإعادة الروح، قد وضع ضمن هذه المشاريع واحدا يعنى بتأهيل المؤسسات التعليمية بعد أن كشفت عملية التشخيص عن واقع مترد.
تقول الأرقام إن ما يفوق 9 آلاف حجرة دراسية تعتبر غير صالحة لاحتضان التلاميذ واستقبالهم. وإن 60 في المائة من المدارس الموجودة في العالم القروي، غير مرتبطة بشبكة الإنارة. وإن أكثر من 70 في المائة منها لا يوجد بها ماء. في حين أن 80 في المائة من هذه المدارس والمجموعات المدرسية توجد بدون دورات مياه. وعليه فقد كانت الحاجة تفرض ضرورة إحداث 260 مؤسسة تعليمية كل موسم دراسي، لا تتمكن الدولة من بناء غير 90 مؤسسة سنويا.
يعترف المتتبعون للشأن التربوي أن ظاهرة الهدر المدرسي التي تشكل واحدة من عناوين فشل المنظومة التعليمية ترتبط في شق منها بفضاءات المؤسسات التعليمية التي تفتقد لأبسط شروط الاستقبال كدورات المياه والإنارة والماء الصالح للشرب. وعليه، فالعلاقة وثيقة بين تحسين فضاءات المؤسسات التعليمية، وتحقيق الجودة. لذلك كان المخطط الاستعجالي قد وضع ضمن مشاريعه إحداث 2500 حجرة إضافية في التعليم الإبتدائي، منها 1700 حجرة في العالم القروي. وإحداث 720 مؤسسة إعدادية جديدة بمعدل 6800 حجرة إضافية.
كان مشروع هذه البنايات طموحا، بحسب الكثير من المتتبعين الذين يعرفون حقيقة بنيات الاستقبال. غير أن تنفيذه تأخر كثيرا، أولا لأن المخطط الاستعجالي توقف في منتصف طريقه لأسباب سياسية. وثانيا لأن جل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لم تنجح في المهمة بعد أن ظلت تنتظر مطولا تأشيرة وزراة المالية. كما أن الكثير من هذه الأكاديميات لم تكن تعقد مجالسها الإدارية في الوقت المناسب لكي تتأتى لها المصادقة على صفقات الإحداث هذه. والحصيلة هي أن جل الأكاديميات الجهوية لم تتمكن من صرف غير جزء يسير من ميزانياتها تراوحت بين 40 و45 في المائة.
حينما اختارت وزارة التربية الوطنية أن تضع ملف البنايات بيد الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين عملا بمبدأ الاستقلالية واللامركزية، لم تنتبه لشق أساسي هو المتعلق بغياب المؤهلات البشرية العارفة بتدبير ملف الصفقات. وعلى الرغم من الخطوة التي كان قد أقدم عليها وزير التربية الوطنية الاتحادي حبيب المالكي، والذي فتح أمام أطر الأكاديميات الجهوية فرصة التكوين في هذا المجال، إلا أن التجربة توقفت في بدايتها. وظلت هذه المؤسسات فاقدة للموارد البشرية القادرة على حسن تدبير وصرف الاعتمادات المالية التي حولت إليها من قبل الوزارة الوصية.
لم يفوت الكثير من المتتبعين الملاحظة كون تحويل ملف البنايات المدرسية من يد الإدارة المركزية لوزارة التربية الوطنية إلى الأكاديميات الجهوية، كاد يبعدها عن الدور الأساسي الذي يفترض أن تضطلع به وهو التربية والتعليم، خصوصا لافتقادها للتجربة والأهلية. لذلك كانت بعض الأصوات قد نادت بضرورة وضع ملف البنايات المدرسية بيد وكالة، أو مؤسسة خاصة لها ما يكفي من الإمكانيات والكفاءة لتكون قادرة على الوفاء بالالتزامات، بعد فشل تجربة الأكاديميات التي لا تزال الكثير من مشاريعها متوقفة إلى اليوم بعد أن دخل بعضها إلى ردهات المحاكم حيث يتواجه مسؤولوها مع المقاولين الذين لم يحترموا ما حمله دفتر التحملات على مستوى جودة الإنجاز، أو على مستوى مدته. والحصيلة هي أن عددا من الخرائط المدرسية هنا وهناك لم تلتزم بما سطرته، واضطرت بعض المؤسسات التعليمية إما لرفض استقبال التلاميذ، أو استقبالهم في ظروف سيئة قد يصل فيها عددهم في الحجرة الواحدة إلى خمسين تلميذا تزيد أو تنقص.
وارتباطا بهذا الملف الحساس المتعلق بتأهيل المؤسسات التعلمية وعلاقة ذلك بتحقيق الإلزامية، والوصول إلى الجودة المفترضة، يطرح إشكال آخر لا يقل أهمية، وهو المتعلق بالصيانة والمحافظة على المؤسسات التعليمية.
لنعترف أولا أن جل المؤسسات التعليمية تفتقر اليوم لأعوان الخدمة بعد أن أوقفت وزارة التربية الوطنية تشغيل هذه الفئة. لذلك يضطر المدرس رفقة تلامذته للقيام بمهام الصيانة أو النظافة مكرها. لذلك كان المخطط الاستعجالي قد انتبه لهذا الأمر حينما دعا إلى ضرورة إشراك الجماعات المحلية في عملية الصيانة وحماية فضاء المؤسسات التعلمية من التلف والتخريب خصوصا أثناء العطل المدرسية. غير أن الأمر ظل مجرد مشروع لم تقتنع به الجماعات المحلية، التي ظلت تعتبر نفسها غير معنية بقضايا التربية والتعليم سواء تعلق الأمر بشق حماية وصيانة المؤسسات التعليمية، أو تعلق بانخراطها في مشاريع التعليم الأولي، التي تعتبر من مهام الجماعات الترابية كما يحدث في جل الدول التي نجحت في هذه التجربة.
يقول أهل التربية والتعليم إن الزمن المدرسي زمن بطيء، لذلك تصبح عملية التقييم لنجاح هذا المشروع أو فشله، تتجاوز الزمن السياسي والحكومي لأن النتائح الفعلية لا تظهر إلا بعد عقد أو يفوق من الزمن. وعليه فقد كان المخطط الاستعجالي في حاجة للوقت قبل إخضاعه للتقييم لاسثتمار ما تحقق فيه إيجابا، وتعديل ما لم ينجز، بدلا من إنهاء العمل به دفعة واحدة وهو الذي كلف مالية الدولة أكثر من أربعين مليون درهم، خصوصا وأنه حمل معه أكثر من عشرين مشروعا كان ضمنها مشروع أساسي هو تأهيل المؤسسات التعليمية،
الذي لم ينجز غير نسبة قليلة منه.
ضحايا النظامين الأساسيين لسنة 1985 و2003 يحتجون للمطالبة بترقيتهم
رضوان الحسني
بعد أن فقدوا الأمل في وعود المسؤولين بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، خرج عدد كبير من ضحايا النظامين الأساسيين لسنتي 1985 و2003، للاحتجاج أمام باب الوزارة بالرباط، للمطالبة بإنصافهم وترقيتهم إلى الدرجة الأولى، دون أي تنسيق مع النقابات التي كانت تؤطر نضالاتهم السابقة. لقد جاؤوا من كل مدن المغرب رغم كبر سن غالبيتهم ورغم مرض العديد منهم إلا أنهم حرصوا هذه المرة على إبلاغ رسالتهم وصوتهم إلى أذن وزير التربية الوطنية والتكوين المهني وباقي المسؤولين بالحكومة الحالية.
قبل قدوم رشيد بلمختار إلى مكتب الوزارة بباب الرواح بعد التعديل الحكومي الأول، كان وزير التربية الوطنية السابق محمد الوفا قد أطلق العنان لوعوده لهذه الشريحة من نساء ورجال التعليم الذين وصفهم «بقدماء المحاربين» من ضحايا النظامين الأساسيين لسنتي 1985 و2003 من أساتذة التعليم الابتدائي، ووعدهم على الملأ بترقيتهم جميعا دفعة واحدة، حينها اعتقد هؤلاء أنهم يسمعون الخبر اليقين من وزيرمسؤول في حكومة مسؤولة. واعتقدوا واهمين أن ملفهم سوف يطوى بجرة قلم السيد الوزير، سيما بعدما أعادوا مشاهدة الفيديو الذي لازال شاهدا على «وعده» إلى اليوم بأن عدد الذين كان يجب ترقيتهم من هذه الفئة خلال تلك السنة هو4000 وسيعمل على ترقيتهم «كاملين» في السنة نفسها التي كان يتحدث فيها. لكن للأسف لم يحدث شيء من هذا بدليل نزول ضحايا النظامين الأساسيين للاحتجاج أمام مقر الوزارة في باب الرواح، ورفعوا الشعارات، وحملوا اللافتات للمطالبة بحقهم في الترقي أسوة بباقي نساء ورجال التعليم إلى الدرجة الأولى أي السلم 11، الذي يبدو أنهم لن ينعموا به في حال استمرار الأمور على ما هي عليه اليوم. وأبدع «قدماء المحاربين» كما وصفهم محمد الوفا في عز «تفاعله» مع قضايا المنظومة التربوية في رفع أنواع مختلفة من الشعارات جعلت الكثير منهم يجهشون بالبكاء جراء الحيف والظلم الذي يشعر به «شيوخ» المعلمين الذين لم تنصفهم الأنظمة الأساسية المتعاقبة، ولم تنصت الوزارات إلى معاناتهم رغم تكرار الاحتجاجات منذ سنوات. جاؤوا من كل جهات المملكة رغم كبر السن فمنهم من شارف على التقاعد ومنهم من تقاعد دون أن يرى الآلاف منهم الرقم 11 في وثائق ترقيتهم في الوقت الذي يحصل اليوم الآلاف من الأساتذة الجدد على هذا السلم بعد ست سنوات فقط من العمل عبر بوابة الامتحان المهني، بالرغم من أنهم كانوا قبل وقت قريب تلاميذا درسوا عند أساتذة من ضحايا النظامين الأساسيين لسنتي 1985 و2003.
عدد ضحايا النظامين الأساسيين لسنتي 1985 و2003 اليوم يفوق 30 ألف بين هيأة التدريس وملحقي الإدارة والاقتصاد والملحقين الإداريين والمديرات والمديرين، وكلهم في الأصل أساتذة التعليم الابتدائي خريجو السلم السابع والثامن من أفواج ما بين سنتي 1972 ,1986 القابعون اليوم في السلم العاشر، أصبحوا ينعتون بضحايا لأنهم حرموا من متابعة دراستهم الجامعية للحصول على شهادات تمكنهم من الترقية، رغم أن هذا الحق استفاد منه جيل التسعينيات فما فوق الذين تمكنوا من الحصول على شهادات خولت لهم الترقي إلى السلاليم الأعلى وقربت خطواتهم إلى السلم 11، في الوقت الذي لازال «قدماء المحاربين « قابعين في السلم العاشر وكثيرون منهم أحيلوا على المعاش دون أن يتمكنوا من الترقية إلى السلم 11. وعدد كبير منهم يصارع الأمراض المزمنة وتكاليف الحياة.
وحول دواعي هذا الاحتجاج قال محمد الشحيطي من متضرري نيابة القنيطرة إن سبب خروجهم للاحتجاج يرجع بالأساس إلى التماطل والحيف الذي طال هذه الفئة التي تضررت من النظامين المعروفين، حيث تم حرمان هذه الفئة من متابعة الدراسة الجامعية للحصول على شهادات تمكنهم من الترقي. وأضاف الشحيطي أن هذه الفئة راسلت كلا من رئيس الحكومة ووزير التربية الوطنية السابق محمد الوفا منذ سنة 2012 وكذا الفرقاء الاجتماعيين، لكن الملف لازال يراوح مكانه إلى اليوم، وطالب الشحيطي جميع المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الحكومة ووزير التربية الوطنية بالالتفات إلى مشكل هذه الفئة من نساء ورجال التعليم التي أفنت عمرها في خدمة قطاع التربية والتكوين، وأكد الشحيطي أن المتضررين اختاروا يوم عطلة للاحتجاج إيمانا منهم بضرورة عدم هدر الزمن المدرسي لأبناء المغاربة، ويتمنون أن تصل رسالتهم الاحتجاجية النبيلة والسلمية إلى المسؤولين على القطاع من أجل إنصافهم وترقيتهم إلى السلم 11 دون قيد أو شرط.
من جانبه أفاد سعيد أكوني من نيابة الفقيه بنصالح في اتصال ب»المساء» أن هذه الفئة هم الجيل الأول والثاني من المعلمين، أو ما يسمى بجيل بوكماخ، أو شيوخ التعليم القابعين في السلم العاشر والذين اشتغل أغلبهم قبل أن يلتحقوا بمراكزالتكوين بعد اجتياز المباراة ليتخرجوا بالسلم السابع.
واشتغل أغلبهم بالبوادي والقرى والمداشر في ظروف قاسية حيث انعدام أبسط المقومات «الماء، الكهرباء، السكن، الطرق».
بدورها دعت الأستاذة مليكة جازولي من ضحايا النظامين بالدار البيضاء، إلى وقف نزيف معاناة هذه الفئة، ووضع حد للإقصاء الذي طالها جراء حرمانها من الترقي، وأكدت الأستاذة مليكة أن هذه الفئة أفنت زهرة شبابها في العطاء. وذكرت بوعود الوزير السابق محمد الوفا الذي اعترف بعدالة قضيتهم ووعدهم بترقيتهم في غضون السنة الدراسية 2013، وأكدت أن قضيتهم مرت من مجموعة من المراحل إلى أن وصلت إلى النقابات التي وضعتها في إطارها القانوني وتم طرحها في الحوار القطاعي في انتظار تسوية الملف من طرف الوزير الحالي لوضع حد لهذا الوضع المهني الشاذ بحسب تعبيرها.
بوغوتة: مراكز مهن التربية يجب أن تراهن على مهنية التعليم
حاوره- عبدالقادر كترة
جاء إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين من لدن وزارة التربية الوطنية بغرض إصلاح منظومة التكوين بالنظر لأدواره المفصلية في مد المنظومة بالعنصر البشري، مادامت أزمة القطاع الجزء الكبير منها مرتهن بهذا العنصر. إلا أن الاختلالات لازالت موجودة وبدايتها من هيكلة هذه المراكز. لتقريب القارئ والمهتم أكثر من وضعية هذه المراكز، ارتأت جريدة «المساء» أن تحاور عبدالله بوغوتة، مدير المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين للجهة الشرقية.
– ألا يحق لنا أن نقول إن العشوائية والاعتباطية لازالت تهيمن على هذه المراكز، وبالتالي أي منتوج متميز ننتظره من مراكز بالاسم فقط؟
لقد أحدثت المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بمقتضى المرسوم 2.11.672، الذي حدد لها مهام واختصاصات هي في طريق البناء، وذلك بالإرساء التدريجي للمهام المنوطة بهذه المراكز؛ بحيث انطلق سلك تأهيل أطر هيئة التدريس المتدربين في بداية السنة التكوينية 2013/2012 أي مباشرة بعد صدور المرسوم، ولقد اشتغل نخبة من الأساتذة العاملين بالمراكز إلى جانب عدد من المفتشين والأساتذة الجامعيين وغيرهم ممن لهم علاقة بهذا السلك، بحيث عمل الجميع ولمدة غير يسيرة على إخراج النسخة الأولى من هندسة وعدة التكوين، والتي خضعت خلال السنة ذاتها لمرحلة تجريبية توجت بتقويم داخلي وآخر خارجي، كان إلى جانب أيام دراسية نظمت في بداية السنة 2014/2013، أرضية خصبة للمحطات الأربع لندوة المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، التي أسفرت على النسخة الثانية من هندسة التكوين، ومقترحات لعدد من النصوص التنظيمية لاستكمال عملية الإرساء، وهي الآن في مرحلة متقدمة، لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن هذه العملية الإصلاحية الكبرى تستوجب ما يكفي من الوقت والشروط الذاتية والموضوعية لنتمكن من تقويمها بشكل منصف، ومن ذلك بشكل خاص التمفصل والتكامل بين فضاء التكوين والتأهيل والتدريب، أي تكوين أساس بالجامعة لا يقل أهمية عما عليه الأمر بالمسالك التخصصية الأخرى، ثم سنة تأهيلية بالمراكز تتسم أساسا بالمهننة وتحترم أنموذج الاشتغال (عملي – نظري – عملي)، أي الانطلاق من الممارسة ثم تحليل الممارسة فالوعي بالممارسة، والقطع من أنموذج نظري-تطبيقي، كما ينبغي التركيز على هوية المراكز التي ليست مؤسسة مدرسية ولا جامعية، ولكن هي مؤسسة للتعليم العالي غير تابعة للجامعة، ومهمتها الأساسية هي المهننة.
وماذا بعد التخرج؟ هل يعتبر الأستاذ المترب مؤهلا لمزاولة مهنة التدريس؟
هنا لا يمكن بأي حال أن نغفل الفضاء الثالث وهو التدريب الفعلي بعد التعيين، لسنة أو سنتين، بحيث يستفيد الأساتذة المتدربون المتخرجون من مصاحبة ميدانية، تؤهلهم ليصبحوا مرسمين بعد امتحان الكفاءة في نهاية السنة الأولى أو السنة الثانية على الأقل، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أنه ينبغي القطع مع قاعدتين معروفتين وهما «من ولج المركز يعتبر ناجحا بالضرورة بعد سنة تأهيلية» ومن تخرج يعتبر مرسما أوتوماتيكيا بالضرورة، مع اعتماد آليات جديدة للترقية خلال المسار المهني كالبحث التربوي والتكوين المستمر الذي ينبغي اعتماد نموذج أكثر فعالية وجاذبية من الذي ساد منذ عقود، إلى غير ذلك مما يؤهل الموارد البشرية العاملة في قطاع التربية والتكوين إلى المكانة التي تليق بها وبتاريخ المغرب ومكانته، هذا إلى جانب عدد من الآليات والمرتكزات والشروط والضوابط، كلغة التدريس وتدريس اللغات خصوصا الأداتية منها والتي لها ارتباط وثيق بالهوية والحضارة المغربية…
– فتحت هذه المراكز إمكاينة التسجيل في السلك الثاني. ما هي الإضافة التي يمكن ان تحققها هذه الخطوة؟
السلك الثاني هو سلك التحضير لمباريات التبريز والتي انطلقت بالفعل منذ السنة 2014/2013، وسلك تكوين أطر الإدارة التربوية والذي انطلق بصفة رسمية في بداية هذه السنة بأربعة مراكز كمرحلة أولى.
وإرساء هذه الأسلاك الثلاثة ما هو إلا إرساء للمهمة الأولى، أما المهمة الثانية فهي تنظيم دورات للتكوين المستمر واستكمال الخبرة لفائدة مختلف فئات موظفي الوزارة، فضلا عن العاملين بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي والمساهمة في تنفيذ وأجرأة استراتيجية الوزارة في مجال التكوين المستمر بتنسيق مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين؛ والمهمة الثالثة تتجلى أساسا في تطوير أنشطة البحث العلمي التربوي النظري والتطبيقي في المجالات التربوية والبيداغوجية والديداكتيكية وحكامة المؤسسات؛ وإنجاز الدراسات والأبحاث في المجالات التي تدخل ضمن اختصاصات المراكز، أو التي يتطلبها التكوين؛ وكذلك إنتاج الوثائق التربوية، وكذا القيام بتبادل المعلومات والوثائق ذات الصلة باختصاصات المركز مع الجهات المعنية؛ واقتراح مشاريع إصلاح وتجديد مناهج وبرامج التكوين.
وبما أن الحكم عن الشيء فرع من تصوره، وجب لزوما الاطلاع على المشروع بكامله، والنظر إليه بمآله وغاياته، وهذا لا يمنع من وجود بعض الاختلالات، التي نعمل جاهدين على تذليلها بتعاون وتنسيق تامين مع كل الشركاء سواء من داخل القطاع مركزيا وجهويا، أو من خارج القطاع…
– ألم يطرح إدماج ما كان يسمى فيما مضى بالمدرسة العليا للأساتذة في هذه المراكز، إشكالية إيجاد الأطر العليا والكفأة من المكونين، لأن هناك شكاوى في مراكز أخرى من ضعف التكوين؟
فيما يتعلق بالمدارس العليا للأساتذة فقد التحقت ببنيتها المادية والبشرية بالجامعة، وهي جزء منها تؤدي دورها حاليا في إطار نظام LMD، أما دورها السابق وهو تكوين أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي فقد أنيط بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين وهي تقوم به على أحسن وجه، أما الحديث عن الأطر العليا الكفأة، فهذا كلام لا يستقيم؛ بحيث أن الكفاءة لا ترتبط أساسا بإطار معين، وأن الشهادات وإن كانت معيارا علميا ولكن لا يمكن بأي حال أن تعتبر معيارا وحيدا وأساسيا للكفاءة، وكما أنه لا يمكن إنكار ما قدمته المدارس العليا للأستاذة وما زالت تقدمه لمنظومة التربية والتكوين، فلا ينبغي أن ننسى ما قدمته مراكز تكوين المعلمين والمعلمات، والمراكز التربوية الجهوية، والتي توجد بها أطر كفأة اشتغلت بتفان منذ عقود خلت، وكذا مجموعة من الأطر العليا التي التحقت بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين وتعززت الخبرة بالكفاءة، في إطار من الانسجام والتناغم، وتبقى النسبية حاضرة في كل مجهود بشري مهما بلغ نضجا وكمالا.
– إلى أي مدى نعتبر العدة التربوية والتأطيرية والتكوينية قادرة على منحنا عنصرا قادرا على رفع تحدي الإصلاح مستقبلا؟
عدة التكوين الحالية بالمراكز هي في سنتها الثالثة وهي في تطوير وتجويد مستمرين، وهي في هندستها ومضامينها قمينة بتخريج أطر تربوية في المستوى المطلوب، لكن لا ينبغي أن ننسى أننا ما زلنا في بداية الطريق، والعدة مهما بلغت من القوة والكمال مبلغا فهي محتاجة إلى مجموعة من الشروط والآليات عند التفعيل والإرساء، ومن ذلك أساسا تضافر جهود جميع المتدخلين والمعنيين بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا الورش الوطني العظيم، بحيث ينبغي ضرورة ولزاما أن نعتبر الاستثمار في تكوين وتأهيل أطر المنظومة التربوية لا يقل أهمية عن أي مشروع وطني آخر، بل ينبغي اعتباره من المشاريع الاستثمارية ذات الأولوية، وذلك بتخصيصه بالدعم والاهتمام وتوفير كل الإمكانات والموارد البشرية والمالية واللوجيستية القمينة بإنجاحه.
– أين وصل مشكل المرشدين، وهل تمت تسوية المشكل تسوية شاملة وبشكل نهائي؟
بداية ينبغي توجيه كل التقدير والاحترام والإجلال لهذه الفئة من نساء ورجال التربية والتكوين الذي يعتبرون بحق مكونين شركاء في مجال تأهيل المتدربين بالمراكز خصوصا هيئة التدريس وأطر الإدارة التربوية، أما ما يتعلق بمستحقاتهم المادية للموسمين السابقين فهي في طريق التسوية في أقرب الآجال، وفي هذا السياق لا بد أن ننوه بما قامت به أكاديمية الجهة الشرقية في شخص السيد المدير الذي يشرف شخصيا بمتابعة هذا الملف وكل ما يتعلق بإنجاح منظومة التكوين بالجهة، ومرة أخرى أقول إن ما يقوم به السادة والسيدات المرشدون من مجهودات وتضحيات في سبيل تجويد التأهيل والتأطير الميداني، هو أكبر من أي اعتبار مهما بلغت قيمته.
– كيف تنظرون إلى ما أقدمت عليه الوزارة في شأن إحداث مسلك خاص بتكوين أطر مكلفة بمهام الإدارة التربوية؟ وهل المركز مؤهل ليقوم بهذه المهمة في غياب التجربة في هذا الشأن؟
إن إحداث مسلك تكوين أطر الإدارة التربوية يدخل في إطار تفعيل وإرساء مهام المراكز، وهو صيغة جديدة لتكوين أطر الإدارة التربوية، بحيث أننا ننتقل تدريجا من النظام التكويني الذي يرتكز على الاستفادة من أسابيع تكوينية مركزة خلال بضعة أسابيع تتخلل التحمل الكامل بالمهام على مستوى المؤسسات التعليمية، إلى الصيغة الجديدة التي تعتمد الانتقاء الأولي ومباراة الولوج، ثم التكوين لمدة سنة كاملة بالتناوب بين التكوين الحضوري بالمركز والتداريب الميدانية والتكوين الذاتي والبحث التربوي ذي الصبغة الإدارية، ولقد تم اختيار مركز الجهة الشرقية (الفرع الإقليمي بوجدة) ليكون فضاء لهذا التكوين على مستوى قطب الشمال الشرقي (أكاديميات: مكناس-تافيلالت وفاس-بولمان، وتازة-الحسيمة-تاونات، والجهة الشرقية)، بحيث يضم 30 متدربا من أصل 110 على المستوى الوطني بأربعة مراكز، أما الكلام عن التجربة فليس هناك أي مركز على المستوى الوطني له تجربة سابقة في هذا المجال لأنها تنظم لأول مرة بالمغرب، وفيما يخص الأطر فإن الجهة الشرقية تزخر بكفاءات من المستوى العالي ممن لهم خبرة متميزة في علاقتها بمجزوءات التكوين الخاصة بالتكوين في هذا المجال، وبهذه المناسبة فإنني أتقدم بالشكر والتقدير لكل من يسهم في إرساء هذا المسلك سواء على مستوى التكوين الحضوري بالمركز أو التكوين في إطار الزيارات واللقاءات التكوينية التي ننظمها داخل المركز أو بمصالح الأكاديمية والنيابات بالجهة، ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أتقدم بالشكر والامتنان لكل هؤلاء الأطر الذين يعملون بجانبنا لإنجاح هذا المسلك، دون أن أنسى السادة والسيدات المديرين الكفلاء الذين لا يقومون بالتداريب الميدانية بالمؤسسات التي يشرفون على تدبيرها، وكذا جميع الشركاء والمتدخلين.
الجامعة الوطنية للتعليم غاضبة من التضييق على الحريات النقابية
بنعيادة الحسن
أمام الدينامية النضالية التي خلقتها الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي بالعرائش والقصر الكبير، جراء ما آلت إليه المنظومة التعليمية من تدهور خطير، والتي ابتدأت هذا الموسم بالتقرير الأسود الذي رصد أكثر من 50 نقطة سوداء بالمدرسة العمومية والذي أغاض جهات فاسدة بالإقليم بحسب ما أسماه بيان صادر عن النقابة ذاتها أخيرا.
وزاد البيان الذي توصلت «المساء « بنسخة منه أن هذا التقرير تلته وقفة احتجاجية ناجحة يوم 16 أكتوبر 2014 بالنيابة التعليمية تنديدا بهذا الوضع الذي يمكن إجماله في سوء التسيير والانفراد به مع الشطط في استعمال السلطة الإدارية. لكن عوض أن يفتح المكلف بتسيير النيابة باب الحوار لإيجاد حل لهذه المعضلات فقد فضل أسلوب اللامبالاة، وتأليب بعض الجهات على الجامعة الوطنية للتعليم، وهو ما زاد من إصرار مناضلي الجامعة الوطنية للتعليم على ضرورة التصعيد، الشيء الذي تجسد في اعتصام دام 10 ساعات بالنيابة التعليمية يوم 18 فبراير 2015، لكن مع ذلك أصرت النيابة في شخص المكلف بإدارتها على صم الأذان نزولا عند رغبة من أسماهم البيان « لوبي الفساد بالإقليم»، والذي كشر عن أنيابه عندما قام مجموعة من الأستاذات والأساتذة بالثانوية التاهيلية مولاي محمد بن عبد الله بالعرائش بتنظيم وقفة احتجاجية يوم 13 مارس 2015 تنديدا بالتهديد والهجوم بالسلاح الأبيض الذي نفذه أحد تلاميذ المؤسسة ضد الحارسة العامة للخارجية بالمؤسسة ذاتها وحارس أمن باب المؤسسة، وهي الوقفة التي اعتبرها من أسمتهم «لوبي الفساد بالمؤسسة « احتجاجا عليه وإدانة له مما دفع المكلف بتسيير النيابة التعليمية وبإيعاز من هذا اللوبي النافذ بالثانوية والنيابة والمدينة بشكل عام إلى إرسال استفسار بوليسي استخباراتي للكاتب الإقليمي للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي بالعرائش، حول الوقفة الأنفة الذكر متهما إياه بتحريض الأساتذة للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية في استصغار تام وإهانة لهم، وترديد شعارات سياسية، وهو ما يعود بنا إلى سنوات الرصاص التي اعتقدنا أنها ولت إلى غير رجعة. الشيء الذي نعتبره تضييقا صريحا على الحريات النقابية، ناهيك عن التهديد والتشهير بكاتبنا الإقليمي بمشاركة و دعم من أسماهم البيان «بعض الفاسدين بالإقليم وسماسرة العمل النقابي «.
وأمام هذا الوضع أكدت النقابة أنها تعلن إدانتنا الشديدة للمضايقات والتهديدات التي يتعرض لها الكاتب العام الإقليمي للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي بالعرائش وباقي المناضلين، إدانتنا لكل الأقلام المأجورة لأشباه النقابيين التي تسعى للنيل من المناضلين الشرفاء وتبييض وجه الفساد بالإقليم بشكل عام وخصوصا بالثانوية التأهيلية مولاي محمد بن عبد الله تضامننا المطلق واللامشروط مع الكاتب العام الإقليمي، ومطالبتنا بالسحب الفوري للاستفسار المهزلة، كما تعلن أن المضايقات والتهديدات لن تزيدها إلا عزما وإصرارا على النضال، وأن معركتها بالإقليم لازالت مستمرة وهي دليل قاطع على أننا نسير في الطريق الصحيح.
وحذرت الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي بالعرائش والقصر الكبير، من مغبة التصعيد ودعت كافة الحقوقيين والديمقراطيين بالعرائش والقصر الكبير وكل المناضلين الشرفاء إلى الانخراط في هذه المعركة لاجتثاث الفساد والمفسدين من الحقل التعليمي بالمدينة. وأهابت بكل نساء ورجال التعليم النزهاء والشرفاء بالمدينة لمؤازرة هذه المعركة دفاعا عن الكرامة والحق في العمل النقابي والاحتجاج يضيف البيان.
نيابة الناظور تحتضن المحطة الإقليمية لملتقيات هيئة التفتيش
عبدالقادر كترة
احتضنت قاعة العروض بالنيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني بالناظور، الجمعة 17 أبريل 2015، لقاء تواصليا حضره المفتشات والمفتشون العاملون بمختلف المناطق التربوية يالإقليم في مختلف الأسلاك التعليمية (ابتدائي ثانوي إعدادي وثانوي تأهيلي) ومجالات التفتيش (تربوي تخطيط توجيه ومصالح مالية ومادية) وذلك في إطار المحطة الثالثة المقررة على المستوى الإقليمي من ملتقيات هيئة التفتيش.
أشار عبدالله يحيى النائب الإقليمي، في كلمة ألقاها بالمناسبة، إلى السياق العام الذي تتأطر ضمنه الملتقيات الخاصة بهيئة التفتيش وطنيا وجهويا وإقليميا والمتميز، على الخصوص، باللقاءات التواصلية المنعقدة أخيرا مع مختلف الفاعلين والمعنيين بالشأن التعليمي من أجل تقاسم وإغناء التدابير ذات الأولوية، مؤكدا على أهمية انخراط كل الفاعلين التربويين وعلى رأسهم السيدات والسادة المفتشات والمفتشون في العمل من أجل إنجاح تنزيل التدابير ذات الأولوية، وفق المحطات الأساسية المرسومة، منوها بحصيلة الإنجاز المسجلة، داعيا إلى مواصلة واستكمال الأنشطة المبرمجة للأسدس الثاني.
وقدم رئيس مصلحة الشؤون التربوية وتنشيط المؤسسات التعليمية عرضا بالمناسبة تناول فيه حصيلة الأنشطة التربوية المنجزة خلال الأسدس الأول من السنة الدراسية الحالية 2014/2015 من طرف المفتشين بمختلف الأسلاك ومجالات التفتيش في إطار العملين التخصصي والمشترك، وخلاصات واستنتاجات حول حصيلة الأنشطة التربوية المنجزة استنادا إلى استثمار مجمل الأنشطة، وتدقيق برنامج الأسدس الثاني من السنة الدراسية في ضوء مستجدات التدابير ذات الأولوية وكذا الاستراتيجية الوطنية لأجرأة مشروع المؤسسة.
وتركزت المناقشة التي تلت العرض حول قضايا تربوية أساسية ركزت على دور هيئة التأطير والمراقبة التربوية في تنشيط الحياة المدرسية وتفعل أدوارها، وأهمية العمل المشترك بين مواكبي المناطق التربوية ومنسقي جماعات الممارسات المهنية في بلورة مشاريع المؤسسات وفق الاستراتيجية الوطنية كما حددتها المذكرة 159 في الموضوع، وأهمية إشراك ومشاركة المفتشين وانخراطهم من أجل تنفيذ مختلف المشاريع التربوية، ومواصلة تتبع عمليات إنجاز المراقبة المستمرة في إطار العملين التخصصي والمشترك للمفتشات والمفتشين.
الإصلاح البيداغوجي رأس التدابير الآنية
محمد الشلوشي
باحث تربوي
أشار المجلس الأعلى للتربية والتكوين في الوثيقة التي نشرها حول تقييم الميثاق الوطني للتربية والتكوين بعد مرور ثلاثة عشر سنة على بداية تطبيقه إلى اختلالات عدة عرفها الإصلاح البيداغوجي السابق للمناهج سواء من حيث الهندسة الكلية للمناهج أو المعارف الأساسية التي تم تلقينها وهيكلتها، كما اعترف بغياب الطابع الإبداعي للمناهج التي بقيت أسيرة المحتويات الدراسية عوض الكفايات، ليزداد تنافرها بعد اعتماد بيداغوجية الإدماج، ما يستوجب التركيز عليها كقطب رئيسي في بلورة الإصلاح الجديد، وزارة التربية الوطنية استبقت التقرير الاستراتيجي ووضعت إصلاح المناهج على رأس التدابير ذات الأولوية، وهكذا وضمن المحور الأول المتعلق بالتمكن من التعلمات الأساس تم اقتراح تدبيرين مستعجلين سيكون لهما أثر واضح في تحسين جودة العملية التعليمية: أولهما خلق مسارات تعلم جديدة للسنوات الأربع من التعليم الابتدائي من خلال التركيز على اكتساب اللغات والرياضيات ومواد التفتح، ولضمان نجاحه تم قرنه بنظام واضح للتقييم يمكن من التأكد على حصول جميع التلاميذ على التعلمات الأساس من خلال التحكم من آليات القراءة والكتابة والعمليات الرياضية البسيطة في نهاية السنة الرابعة من التعليم الابتدائي قبل انتقالهم إلى المستويات اللاحقة، وثانيهما وضع عتبات انتقال معقولة للانتقال بين الأسلاك التعليمية، وذلك لضمان امتلاك التلاميذ للحد الأدنى من المعارف والمهارات التي تؤهلهم للمواكبة في السلك الموالي، وهذا يشمل تحديد سلة الكفايات الدنيا الواجب التحصل عليها نهاية كل سلك دراسي سواء في المستويات الانتقالية أو الامتحانات الإشهادية للتعليم الابتدائي أو الإعدادي، وهذا يتطلب وضع نظام موحد للمراقبة والدعم لمعالجة كل التعثرات والصعوبات وفق رزنامة زمنية محددة بمدخلات ومخرجات.
الصورة تبدو وردية لحد الآن، ولكن تنزيل هذا المحور الواعد يحتاج توفير شروط نجاحه، وأساسها إصدار مناهج جديدة بمواصفات نوعية تستجيب لميولات الأطفال ورغباتهم وتلبي خيالهم وعوالمهم التكنولوجية المستجدة، وهذا يتطلب تغيير النظرة البيذاغوجية لتدريس اللغات في الابتدائي من خلال تخفيف تدريس قواعد النحو بالمدارس المغربية، باعتبارها السبب الرئيسي في كره التلاميذ لحصص اللغة العربية أو الفرنسية حيث تختزل اللغة بالنسبة للطفل في مجموعة من القواعد الجافة التي لا يستوعب معناها ودلالاتها عوض أن يعيش اللغة بوصفها أحداثا حية وممارسات فاعلة وأنشطة مدرسية واكتشافات يومية لكل ما هو جميل ومثير للاهتمام، ولكي يتمكن المتعلمون من امتلاك ملكة اللغة أساس كل نجاح مستقبلي، لابد من التدقيق أثناء إعداد المناهج الجديدة في اختيار نصوص قرائية حقيقية مفعمة بالحياة والجمال واللغة السهلة والمحببة مما يُنشر ويُتداول لكتابها المعاصرين، وليست لمحترفي التأليف المدرسي ممن يكتبون تحت الطلب، مع إعطاء الأسبقية لإنتاجات الكتاب والكاتبات المغربيات لخلق ذاكرة ثقافية وطنية غنية، والعمل على استبعاد النصوص التاريخانية المغرقة في المثالية الأخلاقية أو الغزارة اللغوية المصطنعة أو التي تجعل من الراشد مالك الحقيقة الوحيد، أما فيما يخص تدريس اللغة في الإعدادي فلم يعد مقبولا اليوم الالتفات إلى جواهر الشعر الجاهلي والأدب الأموي والعباسي، بل من السداد التربوي البدء بتعريف المتعلمين على الأدب المعاصر وأهراماته المبدعة سواء كان محليا أو اقليميا أو عالميا وهم كثر، وكذا المقالات الخفيفة لبعض الصحفيين العرب المرموقين كسمير عطا الله وبشرى ايجورك ومحمد مستجاب وجهاد الخازن وخالد القشطيني وخالص جلبي ومحمد الأشهب وجمال بودومة وآخرين، وبعض مقالات التحقيقات الميدانية والاكتشافات العلمية بما يشيع حب اللغة وينشر القيم الكونية العادلة، ليصبح النص السلس والشيق بعد استيعاب أفكاره الرئيسية مدخلا تذوب فيه القواعد اللغوية لتقتصر على ملاحظة الشكل الإعرابي لأواخر بعض الكلمات نصبا أو رفعا أو كسرا أو جزما، ويمكن تطبيق المنطق نفسه عند تدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وصرامة لجان المصادقة هنا ضرورية في حماية دفاتر التحملات من أي انزلاق أو تساهل أو تغليب للطابع الاقتصادي ما دام الأمر يتعلق بمستقبل أجيال كاملة.
ولأن أطفال العالم يتكلمون معلوماتيا هذه الأيام، فمن الطبيعي مسايرة أسلوبهم في الحياة من خلال استغلال وسائط الاتصال من هواتف ذكية ولوحات الكترونية لتدريبهم على تسجيل قراءتهم والإنصات إليها، وتعويدهم على كتابة عبارات وجمل في مجموعات الفيسبوك والتويتر حول موضوع معين يختاره المعلم لتحقيق متعة قراءة تغريداتهم والتعليق عليها ومناقشتها،عوض الشكل الممل الحالي الذي تقدم به حصص القراءة والإنشاء، وهكذا سيتمرنون بسهولة على تصويب أخطاء الكتابة والنطق وتركيب الجمل وسيتحسن مستواهم في التعبيرين الشفوي والكتابي تلقائيا، وستتحول حصص اللغات لديهم إلى دقائق متعة ونشاط لا تفتر ولا تنتهي، ولكي تنجح هذه الوصفة فالحاجة ماسة إلى توجيهات دقيقة للأساتذة باستبعاد استعمال الدارجة في الفصول الدراسية وغمر التلميذ كليا في أجواء اللغة منذ دخوله الحجرة الدراسية حتى خروجه لتتدرب أذنه على الجرس اللغوي السليم واستدعاء مخزونه منها للتعبير عن كل فكرة يود المشاركة بها.
أما فيما يخص الرياضيات والعلوم فلا بد من فتح نقاش مستقل يحضره خبراء تربويون متخصصون، وعدم الاكتفاء بمشاورات سطحية مع فاعلين تربويين، لإعادة توسيع المفاهيم العلمية وفق منظور متدرج، يساير التحولات العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية الهائلة التي يحبل بها الكوكب حاليا، وخلق تجانس انتقالي سلس بين الأسلاك التعليمية لردم الطفرات الفجائية الكبيرة الموجودة حاليا بين السلكين الثانوي والاعدادي في دروس الفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعية، وتطوير تدريس الرياضيات وفق المعايير الدولية لرفع سقف الأسس الرياضية المشتركة الواجب توفرها في التلميذ على امتداد تمدرسه.