أصبح مجتمعنا الحالي يعرف استفحال ممارسة جد سلبية لم تبلغ أن تكون ظاهرة مجتمعية بالمعنى العلمي لكلمة الظاهرة،ممارسة تتسبب عمدا في قتل المرء لنفسه الموت،ما أصبح يقدم عليه بعض الناس (نساء،كبار وصغار) من إنتحار،ومن إزهاق أرواحهم ومغادرة العالم على هذا النهج.
عن هذه المارسة يقول فضيلة الشيخ الدكتور مصطفى بنحمزة،رئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة،وعضو المجلس العلمي الأعلى: ” استباحة الإنسان للانتحار ناشئ عن ظن خاطئ واعتقاد غير مصيب هو اعتقاده أنه يمتلك الحياة وأن من حقه أن يفعل فيها ما يشاء،والذي أفاده الإسلام بهذا الخصوص هو أن الحياة منفصلة عن الإنسان من حيث هي عطاء إلهي و منحة إلهية ونعمة ربانية،بل إن الحياة هي كالإنسان نفسه،فإذا كان الإنسان مخلوقا فالحياة هي أيضا مخلوقة،فالله تعالى قال “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ “،فالحياة إذن ليست ملكا للإنسان ليفعل فيها ما يشاء بل هي مخلوق كالإنسان نفسه،فمن ثم لم يمتلك هذه السلطة،سلطة الاعتداء عليها،فهذا الذي ينتحر ظانا أنه يتخفف بذلك ويتخلص من ألم أو من وضع اجتماعي في عيشه أو أنه يفعل ذلك من أجل الاحتجاج على شيء،إن الإنسان حينما يعيش واقعا مزريا فإن أمامه شيئا واحدا هو أن يغالب هو أن يواجه وأن يجاهد من أجل تغيير واقعه،ولاكنه حينما ينتحر قد انسحب وانهزم،وبالتالي فلا معنى لتصوير الانتحار على أنه بطولة أوشيء عظيم فهو إعلان عن عدم القدرة على الاستمرار وهذا هو الشيء الذي يجب أن يكون واضحا لأن تمجيد الانتحار هو دفع للآخرين نحو المحرقة،فتمجيد الانتحار مهما يكون الباعث والداعي عليه فليس مشروعا وإنه اعتداء على حياة أراد الله لها أن تستمر،وإن البوعاث إلى الانتحار هي الأسباب الكاملة وراء حصوله ويجب على المجتمع كله أن يدرك هذه البواعث و هذه الأسباب حتى لا يتكرر هذا الفعل.
وأضاف العلامة بنحمزة،أن هذا المظهر غير عادي في مجتمعنا له أسباب،والقرآن الكريم حينما أشار إلى الانتحار أشار إلى سبب وهو فقدان التقة بالله والإطمئنان إلى رحمة الله،لذلك قال تعالى الله تعالى: ..وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) سورة النساء،أي أن الناس لو استحضروا الرحمة،وأن الله رحيم بهم وأن ما يمرون به إنما هو أزمة عابرة قد لا تستمر وأن الفرج يأتي بعد الشدة والله تعالى ذكر لمؤمنين ما يغالبون به فقال ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(153) ﴾،لا توجد على الأرض أمة لم تمر بالمشاكل قاتلة وطاحنة ولاكن الأمم العظيمة إذا وقعت فإنها تقوم أما أن ينسحب الناس ويفر الناس فهذا هو الشيء الذي ليس سليما،وبالاضافة إلى هذا العنصر عدم الاطمئنان إلى رحمة الله وأن الله تعالى يبلي البشر ويمتحنهم ويختبرهم ثم يخلصون بعد ذلك إلى مصير آخر،فإن هناك سبب آخر وهو هذا الخواء الروحي،أي أن هذا الإنسان الذي لايعتبر نفسه مسنود من قبل الله تعالى،فالإنسان ليس وحده في الكون وهو مسنود ومدعوم والفعل كله من الله عزوجل على الإنسان الذي يعتبر نفسه مسنود ومدعوم أن يواجه المشاكل بروح الإحساس بالمساندة وبالدعم الإلهي ولاكن الذي لايومن بالله إلا قليلا لايمكن أن يستشعر هذا السند وهذا المدد وبالتالي فإنه يسقط في الجولة الأولى،ثم إن هذا الأمر حينما يزول الإيمان ويزول لازم الإيمان وهو الاطمئنان،والاطمئنان هو النتيجة الطبيعية لذكر الله،(( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللًّهِ الا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))،لأن هذا الذكر يذكرنا بالموجود الذي هو مكون هذا الكون والفاعل فيه وبالتالي يقع الاطمئنان،وإذ لم يقع فيقع التخبط والاضطراب الذي قد ينتهي بالانتحار ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ( 110 ).
وأفاد فضيلة الشيخ،أن الذي لا يعرف سر الخلق،أي يتصور أن الخلق والكون جاء عبثا تستهزم عليه الحياة وربما يتعفف منها ويتخلص منها أو يقول شيئا مما يفيد أنه لايفهم من هذه الحياة شيئا وهو يقول إني جئت ولا أعلم من أين أتيت؟ وأنه لا يعرف شيئا عن حياته الحالية ولايذكر شيئا من حياته الماضية،هذه الطلاسم كما سميت في هذه القصيدة تجعل الإنسان في حيرة وارتباك،هذا الارتباك يخرج الإنسان منه أن يعرف ما أفاده القرآن بخصوص وجود الإنسان وأن له رسالة وأنه عابد وأن مطوق برسالة وأنه مكان الاستخلاف في هذه الأرض وبالتالي فإنه يتوجه توجها آخر،و هذه بعض الأسباب التي تجعل الإنسان يقع فريسة الإحساس بضرورة الإنتحار.
وأبرز العلامة أن هناك عامل آخر وهو العامل المرضي الذي لايطمئن إليه المجتمع،لأن مجتعنا قليلا ما يهتم بالأمراض النفسية وحينما تبرز تفسر تفسيرا خرافيا وبالتالي فالعلاج فيها قليلا بل الناس بعد الاخفاق في بعض المشاريع الاجتماعية والانسانية،يفكر الإنسان في هذا الذي آل إليه أمره ثم ينزوي ويصير عاجز عن تحمل الحياة ثم ينتحر لذلك بعض الانتحارات تأتي في ظروف الاكتئاب ليست بالمعنى المذكور وإنما أثر لمرض وربما بعد فوات الأوان يشعر يعض الناس أن الشخص كان مصاب بالاكتئاب وأن أحد لم يلتفت إليه لأن الناس مشغولون بأنقسهم عن ذويهم وقرابتهم،هذه بعض الأسباب التي يمكن أن تكون كاملة وراء هذا الفعل،لاكن لابد أن نقوي مناعة الإنسان ونجعله يرفض فكرة الانتحار عن طريق التذكير بما أوعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم من انتحر وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنه من قتل نفسه بشيء في الدنيا بعث وهو يقتل نفسه يوم القيامة بما قتل نفسه.
وختم فضيلة الشيخ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال” كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة”،وهذا وعيد شديد يجعل الإنسان يتريث ويفكر ليخرج من هذه الدنيا في حالة مرضية متوافقا مع الله تعالى،لايخرج وهو ارتكب هذا الإثم الكبير،الذي لاشك أنه يغضب الله و يسخطه،والإنسان المسلم الذي له مرجعية لا بد أن يجد في تلك المرجعية سند وقوة تدفعه وتعينه على مغالبة هذا الفعل السيئ.
حساين محمد