هشام الصغير ما قبل المقاولة ، ما بعد رئاسة مجلس العمالة..

1 مايو 2017آخر تحديث :
هشام الصغير ما قبل المقاولة ، ما بعد رئاسة مجلس العمالة..

oujdaregion.com (2)
%d9%85%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%ad-%d9%85%d9%86-%d8%aa%d9%85%d9%8a%d8%b2-%d9%86%d8%ae%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82%d9%8a%d8%a9
يشير تيودور أو يزرمان في كتابه ” تطور الفكر الفلسفي” أن أثينا في زمن اليونانيين القدامى كانت تعبد بوصفها آلهة الحكمة، وكانت تصور في النحت وإلى جانب قدمها بومة، باعتبار أن البومة كانت تعد طائرا مقدسا، ربما لأنها تستطيع الإبصار في الظلام، ولعل هذا الإبصار الخارق في غياب شروط الإبصار الطبيعي هو ما جر على الفلسفة اليونانية بعض الانتقادات لأنها كانت تنظر بالأسطورة وتطورها و تؤسس الوهم على الوهم.
حال بومة أثينا لا تختلف في وظيفتها عن بومة الأصالة والمعاصرة، خلال انتخابات الرابع من شتنبر 2015، عندما منعت وكيل لائحة الجرار بعد حصوله على الرتبة الأولى من تزكيته للتنافس على الرئاسة، فكلتا البومتين رمز لتأسيس الوهم على الوهم، والتخيل على التخيل، وإن أكبر وهم يحاول رفاق الباكوري تصريفه على أساس أنه عين الحكمة، هو هذا المنع الممنهج الذي زهدهم في بلدية وجدة لتقايض بجهات أخرى، وهذه المصالح المعطلة بعد مرور شهور على اختيار المكتب المسير ونشوب ذلك الصراع بين الرئيس ونوابه. فهل من مصلحة وجدة أن تتحول المحطات الانتخابية إلى صخب مجنون وان تكون رسالة الأحزاب هي تصفية الحسابات وتشويه صورة العمل الانتخابي وادعاء البطولات الكاذبة وتيئيس المناضلين الشباب وتزهيدهم في العمل السياسي..؟ على أي قد منعت القرارات الحزبية وصول هشام إلى رئاسة البلدية بالرغم من حصوله على تلك الأغلبية، وقنعت العقول الاستراتيجية للحزب بمنصب رئاسة العمالة بجانب منصب رئاسة جهة الشرق، لكن ينبغي التأكيد على أن هشام الصغير حينما كان يخوض الحملة الانتخابية المحلية ليوم رابع شتنبر 2015، كانت عينه على رئاسة البلدية ولا شيء غيرها، لذلك عندما كان يتحدث أثناء حملته الانتخابية عن برنامجه الانتخابي ورؤيته المستقبلية لمدينة وجدة، كان يتحدث عن المدينة التي في خاطره، ووصف مؤهلاتها بكل دقة، لا يختلف عمن يتحدث عن مدينته لرسام معماري أو مهندس ديكور، كانت رؤيته لمدينة وجدة عبارة عن مرافعة معمارية وتنموية وثقافية، وكانت أطروحة أكاديمية وسياسية وذات خلفية جيو إقتصادية أكثر، وتلك صفة نخال أن هشام اكتسبها بكثير من البراعة من اشتغاله بعالم المقاولة والأعمال. لذلك ذكر خلال هذه المحطة التي كان يطمح من خلالها إلى رئاسة بلدية وجدة بالثلاثية المفتاح وهي ضرورة تسيير بلدية وجدة بالطريقة المقاولاتية، والعمل على المشاريع المهيكلة ثم الاعتماد على الحكامة في التسيير، معتمدا في ذلك على ثلاثية أخرى مقدسة وهي عدم إهدار الوقت، والمال، والموارد البشرية، تحدث عن ذلك بذوق رفيع وأسلوب واقعي، وتلك طبيعة رجل أعمال همه النجاح في مشاريعه، كما هي طريقة شاب تعلم من المنطق الأرسطي، الذي اشتغل عليه عندما كان طالبا بالأقسام التحضيرية في العلوم الرياضية، ما يمكنه من إيجاد التماسك المنطقي للخطوات المنهجية لكل استدلال مطلوب. في مجال التربية والتكوين توقف عند إمكانية عقد شراكات لتكوين الطلبة الوجديين في اختصاصات بعينها تفرضها طبيعة المدينة والجهة للولوج إلى عالم الشغل بكل اطمئنان، وعن معضلة التشغيل أكد على أهمية تشجيع الاستثمار مع الأخذ بعين الاعتبار مؤهلات المدينة والجهة، وما ألمحنا إليه في البداية من المقاربة الواقعية تجد في بوح هشام الصغير بعدم نجاح المشاريع الصناعية بوجدة ما يعضدها، فارتفاع التكلفة الناتجة عن اللوجستيك والبعد عن الوسط تجعل من أي مشروع صناعي بالمدينة غير ذي أهمية باستثناء بعض الصناعات التحويلية التي ترتكز على موارد الجهة الشرقية سواء الفلاحية أو المعدنية، لذلك فهو يراهن على ضرورة استغلال الموقع الجغرافي والتاريخي الذي يعزز القيمة التجارية والخدماتية للمدينة، بل لذلك أخذ على عاتقه عندما كان يطمح إلى رئاسة البلدية تشجيع إحداث المراكز التجارية الكبرى وتنظيم مهرجانات للتسوق بالأسواق التقليدية حتى تحافظ على رواجها..
كان هشام الصغير يؤمن بأن القوة الكامنة في وجدة والجهة الشرقية وبالخصوص في مجالات تجارية وبيئية وخدماتية، قادرة على خلق التحول نحو الأفضل، بفضل ما هو كامن فيها أيضا من رصيد تاريخي وموقع استراتيجي، ذلك ما يعن لنا عندما نقرأ تحليله لجعل مدينة وجدة مدينة خضراء ما دام حظ الصناعة فيها ضئيلا، كما يتأكد لنا ذلك عندما يشرح جثة الخدمات العابرة للقارات ويربطها بالجهة ذات الأراضي المنخفضة التكلفة والقريبة من أوربا والأقرب من العالم العربي بما فيه دول الخليج. فمن هو هذا الشاب الهادئ الذي كان أقرب من الوثوق بتربعه على رئاسة بلدية وجدة دون حاجة للتحالف مع الاستقلال ، والذي تخرج من مخارج صوته آهات عن مآلات عاصمة الجهة الشرقية بعدما فعلت عوامل متضافرة فعلها في اقتصادها وتنميتها؟ من هو هذا الشاب الذي يتحدث ببراغماتية المقاول، ومنطق الرياضي، واستعارات المثقف، القريب من تعاسة الفقراء وأحيائها والبعيد عن سقف التسويات والتنازلات؟
تقول السيرة الشفوية لهذا الشاب المفعم بالحيوية أنه من مواليد سنة 1980 بوجدة، نشأ بحي مولاي الميلود بلازاري، تابع دراسته الابتدائية بمدرسة عثمان بن عفان التي كان يطلق عليها سابقا مدرسة مولاي الميلود، ثم انتقل إلى إعدادية الرياض التي قضى بها السلك الإعدادي لينتقل بعد ذلك إلى ثانوية وادي الذهب التي حصل فيها على شهادة البكالوريا علوم رياضية وبمعدل جد عال مما مكنه من ولوج الأقسام التحضيرية بثانوية عمر بن عبد العزيز التي قضى بها سنتين في شعبة الرياضيات دائما.
الذي يقرأ هذه المحطات من الحياة الدراسية لرئيس مجلس عمالة وجدة، يخال أن ابن حي مولاي الميلود ظل كامنا للحظ الدراسي بكل التفوق الذي عرف عنه، لكن دليل الفكرة الاقتصادية تقول إن هشام تعاطى للأنشطة الاقتصادية منذ نعومة أظافره، فهو سليل عائلة فقيرة وهو جار دائم للسوق الأسبوعي بلازاري، لذلك لا غرو أن يجد الطفل هشام ضالته في تجارته البسيطة التي بدأت تكبر داخل أسوار هذا السوق. لقد انتمى هشام إلى أفق شعبي صاخب بعقل منطقي يجد للمعادلة حلها حين تنضج عناصرها، فخلافا للطابع الذهني الصرف للرياضيات، لم يكن عالم المقاولة مجرد حسابات ودراسة جدوى المشاريع، بل كانت رهانا حيويا للخروج من ذلك الانسداد الاقتصادي لعائلة هشام الصغير، لذلك سيتوجه هشام سنة 1999 إلى مدينة الدار البيضاء للاستثمار في شركة للتوزيع في مجال الاتصالات، وستكون تلك هي البداية الثانية لهشام المقاول بعد البداية الأولى للتلميذ والطالب هشام الصغير المتفوق في دراسته ونبوغه في الرياضيات على وجه الخصوص.
تكاد تتفق مجمل الشهادات التي تدلى في حق الشاب هشام على أنها تنحصر ما بين طرفين: العمل المقاولاتي والعمل الجمعوي، أي مما هو قابل للتحقيق من طرف أي صاحب فكرة وإرادة وإصرار، إلى ما هو غير قابل للمقارنة مع وضع كثير من رجال الأعمال الذين ربما تنكروا بسرعة للفاقة التي عاشوها في فترات سابقة، لكنه قابل لوصفه بالنموذج الذي يصنع أبعاده حب المكان وحب الإنسان. فبالرغم من كل التباينات التي تعود إلى فن كل متحدث عن هشام كما قد تعود إلى سياق الاحتكاك به، تتقاطع الأحكام ووجهات النظر التي تدلى في حق رئيس مجلس العمالة ورئيس مؤسسة بسمة للعمل الخيري بوجدة في تشريف العمل الممنهج والدقيق، كما أنها تثير بالفعل التساؤل وتطرح الاستغراب في الواقعية التي لا تصدق لهذا الوجه المفعم بعشق لمدينة وجدة وأعرافها وأصولها. ولعلنا لن نجانب الصواب إذا ما ادعينا في هذا القياس أن هذا المقاول الناجح يجد في مثابرته داخل مقاولاته ومن قبلها في دراسته رمزية للنجاح والتألق، كما يجد فيها سر نجاحه في تسييره لمجلس العمالة وفق الاختصاصات الجديدة التي أنيطت برؤساء مجالس العمالة، فهي تمثل له الحجر الذي ينحت فيه ومنه ملامح مدينته المشتهاة التي كانت في خاطره. نعم للسياسة منطق آخر وللساسة حساب آخر يختلفان بكل تأكيد عن الحساب والمنطق اللذين برع فيهما ذات يوم هشام الصغير عندما كان طالبا بالأقسام التحضيرية، لذلك سيحرم من رئاسة البلدية بكل الذي شاع عن هذا الحرمان الذي تدخلت فيه الحسابات الحزبية ومنطق” أعطني هنا أعطيك هنالك” ومن سوء حظ هشام أن الهنالك المقصود في هذه المتساوية السياسية جرفت بهشام من رئاسة البلدية ومن حسن حظ رفاقه الكبار في الحزب أن تموقعوا في الهنا المعطاء، وهذا ما حذا بالمتتبعين إلى الاعتقاد بأن إسناد رئاسة بلدية وجدة للائحة التي حصلت على آخر الرتب في هذه الاستحقاقات بسبعة مقاعد منتصرة بذلك على اللائحتين الفائزتين بالرتبتين الأولى والثانية، فيه ضرب فاضح لمبادئ الديمقراطية والقيم الكونية في ضمان حق الاختيار وتكافؤ الفرص، ولعل تزامن هذه الطبخة العجيبة مع الدخول المدرسي، يحمل من الإشارات الدالة على أننا نعاكس القيم التي تراهن عليها المدرسة المغربية من التربية على القيم الحقوقية والديمقراطية كمدخل أساس للتأسيس لفعل تربوي هادف يشجع التميز ويدعو إلى المواطنة ويغرس القيم النبيلة. فكيف يمكن إقناع التلميذ الشاب أو المراهق بجدوى المثابرة والاجتهاد وهو يرى بأم رأسه أن من يسير مدينته وفاز برئاسة بلديتها هو من حصل على آخر الرتب؟ أليس في هذا المنحى تكريس لثقافة الغش والتكاسل ووأد لمبدإ تكافؤ الفرص؟
كان حلم هشام كبيرا لأن يترأس بلدية وجدة وكانت آماله عظيمة في أن يحقق برنامجه الانتخابي الذي تغنى به وأبدع في اختيار مضامينه، أو هكذا على الأقل كان يبدو لكن للأحزاب مصالح وأجندة مجنونة ولدت الحماقات على حد تعبير ألان عندما قال “كل سلطة لا تضبط تنتهي بالحماقات”.
المتتبع لمسارات الموجود من الحياة الجمعوية لهشام الصغير يدرك أنه تربى على قيم التضامن والتعاون منذ أن كان عوده يسير نحو الاشتداد بذلكم الحي الشعبي مولاي الميلود الذي أنهكه الفقر وضعف التجهيز، لذلك اليوم هو مرتبط أيما ارتباط بهذه الأحياء التي تؤثث جانبا مهما من مساحة مدينة وجدة، ولذلك أيضا رحلت معه هذه الشحن الخيرية إلى وسط المغرب أين بنى مسجدا ببوسكورة وأسس جمعيات بالدار البيضاء وانخرط بجمعيات دولية حتى يستفيد من تجاربهم التظيمية والتسييرية على حد تصريحاته. لقد كان هشام حاضرا مع مؤسسة بسمة للأعمال الخيرية التي باتت تعرف التألق في تدخلاتها ونوعية إنجازاتها، فقبل حوالي سنتين سيتربع على رئاستها، ومع هذا الانعطاف ستعرف الجمعية على عهده تغييرا في الهيكلة وتنوعا في مجالات التدخل.
إن المتتبع أيضا للمسار السياسي لهشام لا بد وأن يلاحظ تلك العذرية من أي تجربة سابقة إلا ما كان من تعاطفه مع حزب الأصالة والمعاصرة منذ تأسيسه سنة 2008 واقتناعه ببرنامجه وطموحاته، فهو بذلك دخل هذه التجربة الانتخابية بكرا من أي تجربة سابقة شأنه في ذلك شأن رفيقه في الدرب عبد النبي بعيوي وربما كانت هذه العذرية سبب اختيارهما من قيادة الأصالة والمعاصرة ليكونا على رأس اللائحتين المحلية والجهوية.
نعتقد بغير قليل من الجزم أن هشام الصغير رغم الظاهر الهادئ لشاب تنقل كثيرا بمقاولاته في المغرب، فقد كان أكثر حلما وهو يلوح بالجديد في المدينة الألفية، إذ يفكر في تنظيم مهرجان السيارات الكلاسيكية بوجدة في أفق استمالة النخب الاقتصادية للاستثمار بوجدة، ويحلم بتشييد 25 قاعة مغطاة للرياضة في ظرف ست سنوات، ويسعى إلى اختصاصين طبيين تكون وجدة معروفة بهما، على غرار ما هو متداول من طب الحروق بمكناس، وفي ذلك كله رواج اقتصادي قادر على خلق التميز والتنوع في الجانب التنموي، ولم يخف استعداده في العمل بالشباك الوحيد في مستودع الأموات حتى تختصر المسافة على أسر الأموات للحصول على التصريح بالدفن. ولا نعتقد أن رؤيته لمدينة وجدة في المجالات الثقافية والرياضية والصحية تختزل وحدها قوة برنامج هشام ومن معه في الانتخابات السابقة، فما شاع من اقتراحه الخاص بتشجيع أرباب التجزئات لاعتماد الطاقات المتجددة والنظيفة في الإنارة العمومية، وإلزام الشركة المستغلة للمطرح العمومي باحترام دفتر التحملات، يقيم الدليل على تشبع هشام بتربية بيئية سليمة تنم عن وعي وتربية جديرتين بالاحترام. كما أن قناعته بقطار جهوي يربط بين الرباط والسعيدية وبركان والناظور سيعطي للاستثمار دفعة قوية لا ترى إلا بعين رجل الأعمال الثاقبة.
تلك بعض الإشارات الدالة التي تجعل لهشام الصغير بصمته الخاصة التي لا يمكن اختزالها في وكيل لائحة حزب الجرار، بل تتعداها لتلامس جانبا من مادة تفكيره وطريقة تسييره لشركاته وربما سينعكس ذلك على مجلس العمالة بعدما تبخرت أحلامه في تفعيل مضامينها على مصالح بلدية وجدة . ومن يدري ؟؟
مقتطف من مؤلف: ملامح من تميز نخب الجهة الشرقية لصحافي المميز الأستاذ عبد المنعم سبعي

oujdaregion.com (2)%d9%85%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%ad-%d9%85%d9%86-%d8%aa%d9%85%d9%8a%d8%b2-%d9%86%d8%ae%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82%d9%8a%d8%a9

الاخبار العاجلة