خاص…عبد العزيز مزيان بلفقيه مسيرة رجل دولة كبير لم تتلطخ بالخيانات

27 ديسمبر 2016آخر تحديث :
خاص…عبد العزيز مزيان بلفقيه مسيرة رجل دولة كبير لم تتلطخ بالخيانات

oujdaregion

%d9%85%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%ad-%d9%85%d9%86-%d8%aa%d9%85%d9%8a%d8%b2-%d9%86%d8%ae%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82%d9%8a%d8%a9

غالبا ما تشوب مسيرات رجال الدولة الكبار نقائص على الأقل في تقدير الأمور، إن لم تقدح حياتهم العملية خيانات وتواطؤات، ونماذج قليلة منهم هي التي تبقى عنوانا للصدق والالتزام والتفاني في حب الوطن، وفي اعتقادنا أن السيد عبد العزيز مزيان بلفقيه رمز هذه النماذج الأخيرة في وطن يشكو قلة الكفاءات المواطنة. لذلك ظل المرحوم عبد العزيز متربعا على قلوب أبناء المغرب عموما والجهة الشرقية على وجه الخصوص.

 فالمكانة التي كان يحتلها الراحل في قلوب أبناء مدينة تاوريرت لا يمكن التعبير عن كنهها  وحقيقة أمرها سوى بذلك الاقتناع بأن السيد عبد العزيز كان خير سفير لهذه المنطقة والمدينة التي لم يكن لها ذكر حتى في النشرات الجوية، ولم تكن مدينة تاوريرت لتعرف كل ذلك التداول الإعلامي الوطني والدولي لحظة وفاته [1]، لولا الحزن الذي سكنها عندما كانت تودع أحد أبنائها الوطنيين، ولولا الوفاء والإخلاص اللذين طبعا حياة المستشار الملكي عبد العزيز مزيان بلفقيه طيلة حياته، لذلك استحق أن تشيع جنازته بذلك الجم الغفير من المشيعين وبتلك الدعوات والشهادات التي لم يشذ عنها أحد سرا أو علنا.

فأن يولد المرء ويترعرع ويجد ويكد، وينجب ويموت فسيظل ميتا إلى حين، أما أن يولد ويحمل على أكتافه بعضا من هموم الوطن وينشغل بأهم انشغالات أبناء الوطن ثم يموت فسيظل حيا ولن يحتسب  من الأموات، وهذه حال عبد العزيز مزيان بلفقيه بفضل ما عرف عنه من إخلاص وتفان وصمت وأناة، وحب للوطن، وبحث عن رفعة الوطن، لذلك فإنه لن يفارق أجيالا من المغاربة لأنه ارتسم في قلوبهم.

فبين سنة 1944 وهي السنة التي رأى فيها النور ذات يوم بتاوريرت، وبين 11 ماي 2010 تاريخ دفنه بالمقبرة الأولى لمدينة تاوريرت إلى جوار والده، مسيرة حافلة بالعطاء، مثقلة بالانجازات، وأكثر من ذلك غنية بالبصمات الإنسانية النبيلة والوطنية الصادقة، فعند ما ولد الفقيد سنة 1944  ولد تحت نجمة وثيقة المطالبة بالاستقلال، وبما أن مرحلة الولادة لابد وأن تكون مرتبطة بمسار المولود وبشيء ما من حياته، فإن ملامح بناء الوطن ما بعد الحصول على الاستقلال قد ملأ قدر هذا الرجل الذي كانت منطقته ووطنه يغليان كبركان خامد، حيث تعاد صياغة العناصر الأولية لملامح استقلال بدائي ما زالت ثماره مشتهاة بنهم ،كما ارتفعت به جديته إلى الانخراط في تأسيس البنية التحتية للأقاليم الجنوبية غداة استرجاعها.

نعتقد بكثير من الجزم أن المرحوم عبد العزيز رغم الظاهر القوي والنافذ لرجل عاد إلى وطنه مثقلا بالشهادات الباريزية، وفرنسا وقتها كانت تعيش مخاض ثورة الطلاب، وكان المغرب يعيش الإسقاطات المركبة للتجارب الفاشلة غداة الاستقلال، وهنا سيتعرف السي عبد العزيز على بعض رموز الموجة الاشتراكية، عاد السيد بلفقيه إلى وطنه وهو قد حصد نياشين الشهادات،  فمن مهندس مدني إلى حاصل على دبلوم الدراسات العليا في تدبير المقاولات مرورا بدبلوم الدراسات المعمقة في الميكانيك والصلب. لم يكن ليصل إلى أعلى هرم السلطة دون التدرج في أسلاك الوظيفة العمومية والوظائف السامية وطبع مساراته المهنية بطابع الجدية والانهماك في العمل وحسن الإنصات والحوار… ففي سنة 1968 ستبدأ مواهبه في الظهور عندما عمل بوزارة الأشغال العمومية كمهندس لتهيئ سد مولاي يوسف، وسيعين سنة 1974 رئيسا للشعبة التقنية لإدارة الطرقات وفي هذه المرحلة أبان عن كفاءة تقنية عالية .. ثم رئيسا لدائرة الأشغال العمومية والتواصل بالرباط، وبعد محطة المسيرة الخضراء سيعين بلفقيه منسقا عاما لوزارة الأشغال العمومية في الأقاليم الصحراوية و بهذه الصفة وضعت أمامه الملايير الخاصة بصرف ميزانية التجهيز في هذه الأقاليم المسترجعة، لكنه أصر في هذه الظرفية الخاصة على أن يتم تعيين مراقب يتابع ويراقب ويفصل ويصادق أو يعترض على صرف هذه الميزانية المحترمة جدا، وعند عودته إلى الرباط سنة 1978 عين مديرا عاما لوزارة التجهيز والإنعاش الوطني ثم بعدها مديرا للطرق والمواصلات الطرقية وسيصبح الراحل في هذه المرحلة موطن ثقة بكفاءته التقنية وخلقه العالي، ويقول مطلعون إن وزارة التجهيز قامت على أكتافه ولم يكن محمد القباج الغارق في مشاريعه الكبرى جدا سوى رمز بروتوكولي في الوزارة [2]. وفي سنة 1993 سيعين وزيرا للفلاحة ثم وزيرا للأشغال العمومية والتكوين المهني و تكوين الأطر ثم وزيرا للفلاحة والتجهيز والبيئة ثم مستشارا ملكيا طيلة هذه المحطات كان بصدق رجل الاشتغال على المدى البعيد وصاحب الرؤى الاستراتيجية [3]

بهذا العطاء المتميز كان عبد العزيز يصنع اسمه الوظيفي والإداري في تقاطع مع صناعة النجاح في المهمات الكبرى، فلا أحد ينكر أن ترأسه للجنة الملكية لإعداد مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد أعطى نفسا جديدا وقويا نسبيا لإخراج قطاع التعليم من النفق المسدود الذي كان قد وصل إليه، كما أن حضوره إلى جانب أوريد ومحمد شفيق وبن منصور… قد ساهم بشكل ملفت في إخراج تشكيلة المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى حيز الوجود، بالإضافة إلى مهام ثقيلة أخرى كترؤسه  لمؤسسة محمد السادس لرجال التعليم وتكليفه بتهيئ مشروع أبي رقراق ومشروع تطوان أطلنتيك وملف الاستثمار الخليجي بالمنطقة الحرة قرب سبتة المحتلة.

إذا كانت حياة عبد العزيز مزيان بلفقيه السياسية كما يزعم البعض حياة تفتحت شهيتها لامتلاك السلطة بواسطة نسج العلاقات وهندسة الحكومات واستوزار بعض الوزراء، فإنها مع ذلك لم تتلظخ بأي خيانة ولم تتفتح شهيتها لجمع المال بالرغم من وجوده في فترة السبعينيات والثمانينيات بوزارة الأشغال العمومية التي تحولت وقتئذ حسب المتتبعين إلى أم الوزارات التي تدبر عشرات المؤسسات بملايير الدراهم كانت منبع اغتناء الكثيرين، وتلك ميزة نعتقد أنها صاحبت الابن التاوريرتي المهندس ورئيس المصلحة والمدير العام والوزير والمستشار الملكي… فأن يصل السيد عبد العزيز إلى منصب مستشار ملكي، فذلك أمر لا يمكن فهم قيمته في ميزان النخب المغربية إلا بالعودة إلى البحث في طقوس العبور والشروط الواجب توافرها في الشخص المرشح لهذه الدرجة من النخبة، ففي حلقة شهيرة من برنامج ” شاهد على العصر ” الذي تبثه قناة الجزيرة القطرية بدا المستشار الملكي الراحل عبد الهادي بوطالب [4] في سياق رده على الكاتب والصحفي المصري حسين هيكل، ملما بالثقافةة العربية والإسلامية والمشرقية، بل ومتخصصا في تسويق النموذج السياسي المغربي بثقافةة إسلامية وعربية واضحتين. جزء من رد الراحل عبد الهادي بوطالب في هذه الحلقة كان تصغيرا وتقليلا من شأن المثقف المصري حسين هيكل حيث وصفه بكونه ” يأتي بالمبتدأ ولا يأتي بالخبر” في إشارة إلى أن قول هيكل مردود حتى من ناحية البناء وأبجديات قواعد اللغة فبالأحرى من ناحية المتن[5].

نجاح الراحل عبد الهادي بوطالب في تقزيم رأي هيكل والتقليل من مصداقيته لم تكن اعتباطية فالرجل الذي اختير كمستشار للملك الراحل الحسن الثاني والذي ألف كتاب “نصف قرن من السياسة ” كان حافظا للقرآن ومتمكنا من العلوم الشرعية ومتضلعا في فنون اللغة العربية لذلك اختاره الحسن الثاني وفق هذه العروبية ليخاطب به أهل المشرق، ويحاجج به القوميين والبعثيين الذين حفلت بهم الأمة العربية في وقت من الأوقات.

إن نموذج بوطالب حالة واحدة تكبر الاعتبارات والمعايير التي كان وفقها يتم اختيار المستشار الملكي الذي هو في عرف الساسة ومن سار على دربهم من المتتبعين، أكاديمي بلغ من درجات العلم أرقاها، وحصد من الشواهد أعلاها، واشتهر في مجال تخصصه حتى شهد له بالحنكة أهل الاختصاص وذوو النظر الثاقب، وفوق ذلك هو شخص حظي بثقة القصر والملك ومحيطه.

ليس في تناول حالة عبد الهادي بوطالب ضمن هذا البورتريه الخاص بالمرحوم عبد العزيز مزيان بلفقيه خروج عن صلب الموضوع الذي نلامس من خلاله حضور الراحل في الفعل السياسي وتميزه، ولكنه ضغط المنهج القائم على الاستدلال بالمثال يفرض الوقوف على هذه الشخصية التي بصمت الحياة الاستشارية للملك على عهد الراحل الحسن الثاني بكثير من التميز، لنتعرف حقيقة اختيار ثلاثة مستشارين ملكيين منحدرين من الجهة الشرقية.

لقد ورث محمد السادس عن أبيه بعد أن التحق بالرفيق الأعلى صيف 1999 مملكة بحكومة تناوب توافقي، كما ورث عنه ثمانية مستشارين ملكيين[6] كان الحسن الثاني قد اختارهم وفق معاييرر خاصة وبناء على ظرفيات سياسية متباينة، لكن المؤكد أن صلاحيات هؤلاء المستشارين كانت تفوقق سلطات حكومة عبد الرحمان اليوسفي بأكملها وإن كانت غير معلنة صراحة، على اعتبار أن كثيرا ممن استوزروا في هذه الحكومة جاءوا إلى السلطة التنفيذية من رحم المعارضة بعيدا عن التجربة الإدارية اللازمة، لذلك كان غالبا ما يوصف مستشارو الملك بحكومة الظل [7] أو الحكومة الفعلية. في هذهه الظرفية الخاصة سطع نجم ثلاثة مستشارين منحدرين من الجهة الشرقية من بين ثمانية مستشارينن بنسبة قريبة من 40 في المائة، وبذلك تم وضع حد للهيمنة الفاسية والرباطية التي طبعت الانتماء الجغرافي لمستشاري الملك في تلك اللحظة [8]، والسيد عبد العزيز مزيان بلفقيه كان من بين هؤلاء المستشارين، وبقي وفيا لجهوده في الملفات الكبرى التي اشتغل عليها إلى أن التحق بالرفيق الأعلى.

في لحظة تكريم متميزة واعترافا بدور الفقيد عبد العزيز مزيان بلفقيه، في تعبئة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج،كانت باريز العاصمة الفرنسية خلال شهر دجنبر 2012 على موعد مع الكفاءات المغربية لترسم الصورة الحقيقية لقامة هذه الشخصية التاوريرتية الفذة بكثير من الجزئيات التي تنفض الغبار عن القيم النادرة التي كان يمتح منها الراحل كاريزميته. وخلال هذا المنتدى، الذي احتضنته المدرسة الوطنية العليا للمناجم بباريس، قدمت شخصيات عايشت عن قرب الفقيد، شهادات تبرز المناقب العلمية والإنسانية “لرجل دولة من الوزن الثقيل”، كان “منخرطا حتى النخاع في خدمة المرفق العمومي” [9].

ولعله من باب الاستعارات السارة أن يكون هذا الرجل الذي أجمع على نقاء سريرته كل من تعرف عليه أو تعامل معه، ينحدر من جهة مغربية ظلت تئن من ضعف البنى التحتية والتهميش والإقصاء، لكن المناطق التي جبلت على التضحيات لن تشل أرحام نسائها من تقديم الرجال تلو الرجال الذين يقدرون الكفاءة ويضعونها حيث تثمر الخير للوطن، وإن كان هذا المسار لم يعجب بعض الذين كانوا يحسون بسحب البساط من تحت أقدامهم وأقدام لوبياتهم، لذلك سعت هذه اللوبيات إلى انتقاد عبد العزيز عبر الجرائد التي كانت تمولها خدمة لمصالحها [10] .

حال عبد العزيز مزيان بلفقيه لا يختلف من حيث مبدأ خدمة الوطن أولا ، عن حال المستشارة الراحلة زليخة الناصري في الشأن الاجتماعي، ولا عن حال المستشار الملكي السابق علال السي ناصر في الشأن الثقافي… هؤلاء شخصيات كلها تنحدر من الجهة الشرقية وكلها عرفت بنقائها وإخلاصها، وقد يكون أمرا ملاحظا بالتكرار والتواتر ، أن المراكز الحساسة التي يشغلها رجال منحدرون من الجهة الشرقية غالبا ما تبقى بصماتهم حاضرة ولو بعض مضي ردح من الزمن.
المتتبع لمسارات حياة السي عبد العزيز رحمه لله، يدرك أنه لم يحاول أبدا استغلال منصبه وسلطته في استفادات شخصية أو عائلية بمدينته الأصلية في الوقت الذي كانت فيه مدينة تاوريرت مصدر اغتناء لكثير من المسؤولين الجماعيين وأباطرة الأراضي السلالية والأحياء الصناعية[11]… بل إن الطلب الذي تقدمت به جمعية قدماء تلامذة تاوريرت التي كان يرأسها السيد عبد العزيز إلى المجلس البلدي السابق من أجل تفويت المسبح البلدي للجمعبة قصد استغلاها ناديا لها قد قوبل بالرفض وذلك مؤشر آخر على تفهمه وتغلبه لمنطق الحوار…

طوال هذا المسار السياسي والإداري سيكون الإسمنت المسلح لعبد العزيز بلفقيه هو احترامه للكفاءات واكتسابه لعلاقات طيبة مع الحزبيين والمعارضين فقد كان وراء استقدام العديد من الكفاءات من بينهم الوالي الحالي للجهة الشرقية محمد امهيدية، وجلس لأعضاء قياديين في حزب العدالة والتنمية مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية التي سبقت حكومة جطو وكان مع استوزار كريم غلاب وعبد الكبير زهود من الاستقلال وخالد عليوة، والحبيب المالكي من الاتحاد الاشتراكي.

فمن التجني عليه وعلى ما تركه إن استشهدنا بنماذج بعينها من محطات حياته العملية، إذ يمكن  ودون تردد أن نرى في مجمل سيرته ملحمة واحدة، ملحمة اختزلت صراع الوطن ضد موجبات التخلف وتوقه إلى وضع تكون فيه الكفاءة والجدية والإخلاص عنوان المرحلة، وبهذا المعني فهو سيكون الحاضر فينا بالرغم من غيابه الجسدي، كلما ذكرت الرزانة والاستقامة وحب الوطن.

فهو إذن قامة سياسية سامقة تركتنا فجأة وغادرت، وقامة عالية مثقلة بالوطنية وجميل الخصال، ولقد كانت برقية التعزية التي بعث بها صاحب الجلالة إلى عائلة الفقيد تستحضر جملة من خصاله العالية، ويكفي التاوريرتيين وسكان الجهة الشرقية فخرا أن هذه البرقية الملكية التي تلاها المستشار الملكي محمد معتصم بمقبرة تاوريرت، قد أثنت على هذا الإبن التاوريرتي البار بعبارات ستبقى خالدة، يتغنى بها أبناء هذه المنطقة كلما تذكره المتذكرون، أو تجاهله المتجاهلون، فقد استحضر جلالة الملك في هذه البرقية “بكل تأثر وتقدير، ما عهدناه في شخص الفقيد العزيز، كأحد مستشارينا الأوفياء، من خصال إنسانية نبيلة، شهامة وإباء، وتحملا للابتلاء، وتبصرا وأناء، واستقامة ورزانة، ومن المؤهلات الرفيعة لخدام العرش الأصفياء”، مضيفا أن المغرب فقد برحيله “أحد أبنائه البررة ورجلا من رجالات الدولة الكبار، الذين قلما يجود الزمان بمثلهم، لما هو مشهود له به من كفاءة وتجرد وإخلاص في أدائه للواجب المهني، مكرسا حياته لقضايا الوطن بنظر حصيف، ومشورة صادقة، ووفاء مكين لمقدساته وثوابته”.

سيظل الراحل الكبير ، “خالدا في ذاكرة جلالتنا، وفي السجل الذهبي لتاريخ المغرب، بما أسداه لوطنه من أعمال مبرورة، وخدمات جليلة، في  كل المسؤوليات السامية، التي أنيطت به، مستشارا نصوحا، لجلالتنا ولوالدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، ووزيرا مخلصا في عدة حكومات وقطاعات، مؤديا بأمانة وحكمة وحنكة، وخبرة واسعة، وتفان نكران ذات، وتواضع لله، ما أنيط به من مهام وطنية كبرى. فكان نموذجا لجيل جمع بين الغيرة الوطنية الصادقة والمواطنة الملتزمة”.

وتكاد تجمع كل الشهادات المصاحبة لرحيل الابن التاوريرتي أنها تلتقي عند الجدية والهدوء والاتزان والانضباط والصدق في العمل، ولا تزال بعض المواقف السياسية لهذا الرجل شاهدة على جملة من هذه الصفات، فقد أكدت مصادر إعلامية أن المرحوم عبد العزيز عندما كان وزيرا للفلاحة على عهد جلالة الملك الراحل الحسن الثاني عارض مدير ديوانه حول الصورة الوردية التي كانت تراد أن ترسم لقطاع الفلاحة، فالسيد عبد العزيز كان متيقنا أن قطاع الفلاحة مليء بالمشاكل وجيوب المقاومة وكان أيضا متيقنا أن حل مشاكل هذا القطاع ليست بالأمر الهين، وبذلك فاق مدير ديوانه في الوضوح والواقعية، بل انتصر على كل الأبواق التي تريد اجترار نفس الأسطوانة التي شاعت يومها وتتغنى بجمالية العام والتصفيق على كل منجز كيفما كانت قيمته .

لقد قيل قديما من الشرق تأتي النبوءات كما السموم، وشرق المغرب أنجب العديد من الشخصيات الوازنة على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي والتحرري لكن نموذج مزيان بلفقيه يبقى نسيج وحده، وتظل طينته خاصة كرست مرة أخرى تلك التمثلات المحفورة في الذاكرة الشعبية المغربية التي تربط بين أبناء شرق المغرب وبين صفات الإخلاص والوطنية والدقة والصبر، فبالرغم من المرض الذي ألم به في آخر عمره فقد قاومه بعزيمة قوية ولم يمنعه من الوقوف على أكبر الملفات الشائكة التي كان يتتبعها، فحتى وهو على فراش المرض كان يبوح للذين زاروه وعادوه أن قضية التعليم قضية شائكة ومعقدة لا يمكن حلها إلا بتطور ودمقرطة المجتمع والدولة، وأن الخوف كل الخوف على المدرسة المغربية من مزيد من انهيار قيم المجتمع، ولنقل إنه مات وفي نفسه شيء من المدرسة المغربية، وشيء من المجتمع المغربي.

فهذا هو عبد العزيز مزيان بلفقيه الذي أبدع في العديد من المشاريع المصيرية للوطن، وآراؤه تدخل القلب ثم العقل، هذا هو المرحوم، وطنه هو الشجر الأخضر الذي لا يموت.

مقتطف من مؤلف: ملامح من تميز نخب الجهة الشرقية لصحافي المميز الأستاذ عبد المنعم سبعي

%d9%85%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%ad-%d9%85%d9%86-%d8%aa%d9%85%d9%8a%d8%b2-%d9%86%d8%ae%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82%d9%8a%d8%a9

الاخبار العاجلة