اعداد:حساين محمد
تناول الدكتور منير القادري بودشيش، مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأور ومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، في مداخلته في الليلة الافتراضية الثلاثين المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع مؤسسة الجمال، السبت 5 دجنبر الجاري، موضوع ” الطرق الصوفية في الصحراء المغربية تاريخ من الأمجاد والنضال”.
استهل مداخلته بالتذكير بأن المملكة المغربية تعتبر مصدرا للولاية والصلاح وأرضا تنبت الأولياء والصالحين، كما تنبت الأرض الكلأ، كما نبه على دور رجال الأخلاق في تثبيت عقيدة الإسلام في النفوس وتجذير مكارم الأخلاق في الأذهان والوجدان، والإسهام في إشعاع روحي عرفاني رباني تفرد به رجال التربية والصلاح والدلالة على الله من أهل المغرب.
و أشار إلى الدور الذي يلعبه ثابت التصوف كمكون روحي في التأسيس لهوية وحضارة المغاربة، يشهد بذلك الآثار المرسومة والأعمال المشهودة، والتي تعتبر بحق مصدرا لتاريخ الأخلاق والتربية على القيم والأذواق تاريخا مشرقا لا يمكن لأحد أن يغيبه أو يرفضه.
و بين أن التربية الصوفية تعمل أساسا على زرع بذور التدين في قلوب الأفراد، فهي رسالة روحية من الفطرة و إليها، ولعل هذا هو السر في تعدد المشارب التخليقية والمدارس الصوفية التي تجِدّ و تجتهد انطلاقا من خبراتها الروحية والمتجددة، والتي تعمل على تذليل الصعاب، حتى استوى الخطاب الصوفي خطابا معتدلا جامعا بين الشريعة والحقيقة والذوق والسلوك وإصلاح الفرد والمجتمع، كما أشاد بالدور الريادي الذي اضطلع به رجال التربية في التحريض على الجهاد و تحرير الثغور، حيث كانت الزوايا رباطات و قلاع متقدمة في مواجهة الغزاة دفاعا عن حوزة الوطن و سيادته.
وأكد أن المناطق الجنوبية للمغرب وخاصة الأقاليم الصحراوية المغربية، وعلى غرار باقي مناطق المغرب عرفت حضورا بارزا ومتميزا للطرق الصوفية ولشيوخ التربية الذين كرسوا حياتهم للدعوة إلى الله وتخليص النفوس من الشوائب كي تصل إلى أعلى مراتب الإيمان، وبناء الإنسان بالطريقة الصحيحة والسليمة، فكانت زواياهم مراكز للذكر والتربية وتهذيب النفوس وتزكيتها، وكانت كذلك مراكز للعلوم الإسلامية ورباطات للجهاد.
وذكر أن من بين الزوايا التي انتشرت طريقتها التزكوية في الصحراء المغربية، الزاوية الناصرية لشيخها سيدي أحمد بن الناصر الدرعي، صاحب الدعاء الناصري الذي انتشرت طريقته بمنطقة درعة وتخوم الصحراء الكبرى، بالإضافة إلى الزاوية الوزانية التي أشرف عليها الشريف مولاي علي الوزاني الذي كانت تأتيه الوفود من بلاد الصحراء والسودان، والزاوية التيجانية التي لها العديد من المريدين والأتباع من الصحراء الكبرى وافريقيا.
كما ذكَّر بشيوخ الطريقة القادرية بهذه الربوع، ومنهم السيد ادريس الفاسي الذي أسس الطريقة الأحمدية المنتشرة من الصحراء إلى السودان، والشيخ سيدنا الكبير بالصحراء المغربية وموريتانيا، والشيخ محمد الأغضف دفين طانطان، وزاوية الشيخ ماء العينين التي امتد تأثيرها من الصحراء المغربية إلى الجزائر وموريتانيا ومالي، لمؤسسها الشيخ ماء العينين، والذي كان له الفضل في توحيد القبائل الصحراوية في مواجهة القوى الأجنبية الفرنسية والإسبانية والبرتغالية، والذي لم تعقه العوالم الطبيعية للصحراء ووعورة المسالك الرملية في مد جسور التواصل بين القبائل والعرش العلوي، فقد كانت للشيخ ماء العينين علاقة بيعة وولاء مع ملوك الدولة العلوية، حيث عاصر الشيخ رحمه الله خمسة منهم.
وأضاف إلى أن النضال استمر في الأقاليم الصحراوية مع أبنائه، الذين حملوا راية الجهاد مع باقي أقطاب المقاومة في جميع ربوع المملكة، والتي كانت تربطهم مع الزاوية القادرية البودشيشية أواصر المحبة عبر مراسلات وزيارات متكررة.
وأورد أن الصحراء المغربية تعتبر كذلك نبع الشعر ومصدر الخير وصلاح أهلها وصدق وطنيتهم، وهو ما سجله التاريخ المغربي من خلال أسماء لامعة في مجال التصوف، كعلم وأسلوب حياة ورؤية للكون والوجود، وذكر في هذا الباب كذلك الزاوية البصيرية لمؤسسها الشيخ سيدي إبراهيم البصير رحمه الله، الذي ينتمي لأسرة عريقة في منطقة الصحراء والساقية الحمراء وموريتانيا والسودان، وقد عرف بجهاده ضد الاستعمار الفرنسي الذي كان يلاحقه طول الوقت، فخرج قاصدا جبال الأطلس واستقر به المقام ببني عياط وبنى فيها زاويته.
وركز على أهمية التربية الصوفية والإحسانية في تحقيق العبودية لله عزوجل، وفي بناء قيم المواطنة التي تجعل من الفرد مواطنا نافعا لنفسه ولغيره، مضطلعا بالواجبات الملقاة على عاتقه، ومشيرا إلى أن الصوفية لم يكونوا أبدا منفصلين عن هموم الحياة، ولا تعلقوا بالكرامات لأنهم دائما يرددون”الاستقامة خير من ألف كرامة”.
وأبرز دور الطريقة القادرية البودشيشية في تربية مريديها على قيم المواطنة الصادقة، تحت رعاية فضيلة الشيخ الدكتور جمال الدين في نشر القيم المحمدية، واعتبار هذه القيم عاملا مسهما في تحقيق التساكن بين المسلمين ونبذ التناحر بينهم، دون إقصاء لأي كان، و في التزام تام بكل ما من شأنه أن يحفظ لهذا الدين أسسه و قيمه، و مذكرا بحرص شيخ الطريقة القادرية البودشيشية الراحل سيدي حمزة و نجله على حث المريدين داخل البلاد وخارجه في جميع مقرات الطريقة بما فيها تلك المتواجدة بالصحراء المغربية على تخصيص سلك القرآن الكريم والصلاة على النبي الحبيب وذكر اللطيف وأذكار خاصة وصدقات لحفظ الصحراء وإظهار الخيرات فيها.
واختتم كلمته بتجديد فروض الطاعة والولاء وتأكيد موقف الطريقة القادرية البودشيشية الراسخ للتجند دفاعا عن الوطن الحبيب خلف القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، خدمة للصالح العام ودفاعا عن الوحدة الترابية للمملكة.