في التاسع من يوليوز 1956، أعلن المغرب عن عيد الشباب للمرة الأولى في تاريخه. مناسبة خصّصها الملك الراحل محمد الخامس للاحتفال بعيد ميلاد ولي العهد آنذاك الحسن الثاني الذي ازداد في اليوم نفسه من عام 1929. استمرت الاحتفالات بهذه المناسبة في هذا الميعاد إلى غاية 1999، العام الذي توفي فيه الحسن الثاني، ليتغير التوقيت إلى 21 غشت، عيد ميلاد الملك محمد السادس.
تعود أصول عيد الشباب إلى اقتراح قدمه وزير الشباب في عهد أوّل حكومة بعد استقلال المغرب، أحمد بن سودة إلى الملك محمد الخامس، إذ يقول في شهادة نشرتها مجلة دعوة الحق التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إن وزارة الشباب تحوّلت إلى معسكر ضخم تدفقت إليه أفواج الشباب المغاربة سواء من التنظيمات السياسية أو خارجها، متحدثًا أن وفود الشباب رغبت في أن تكون مناسبة عيد ميلاد الأمير مولاي الحسن هي فرص تجمع الشباب المغاربة لأجل احتفال وطني كبير، وهو ما استجاب له الملك محمد الخامس.
وكان ممّا جاء في كلمة وجهها محمد الخامس لولي عهده: ” “يا بني لقد اخترت لك من الأسماء (الحسن)، لأربط بين حاضر البلاد وماضيها القريب والبعيد، وليكن لك في جدك المولى الحسن خير أسوة وأعظم قدوة، فلم تكد تطل على السادسة من عمرك حتى قدمتك للمعلم ليلقنك آيات القرآن، وليغرس في قلبك الطاهر الفتى حب الدين وعزة العروبة والإسلام. ولما ترعرعت يا بني اخترت بقاءك تحت سماء المغرب ليتم تكوينك الثقافي في بيئة مغربية (..)، يا بني قل للشباب إن الجيل الحاضر كافح في سبيل الاستقلال وعليهم أن يتابعوا الكفاح بتتبيث هذا الاستقلال ولازدهار البلاد ورفاهيتها وتقدمها في عهد الاستقلال”.
يتذكر الكثير من المغاربة الأجواء التي صاحبت الاحتفالات التي كانت تنظمها الدولة بهذه المناسبة. أوّل احتفال كان في ملعب سباق الخيل بالرباط، حيث احتشد ما يقارب من 2500 شاب لإنجاح استعراض بالمناسبة حسب شهادة أحمد بن سودة، بينما كانت أعداد المتفرجين أزيد من ذلك بكثير. ارتجل ولي العهد حينها خطابا مرتجلًا أظهر ملكاته الكلامية، واستمر ذلك الحدث في جو حماسي كان بمنزلة انطلاقة احتفالات عيد الشباب.
ويتحدث الباحث المغربي في التاريخ، المعطي منجب أن إقرار عيد الشباب اندرج في البداية داخل صراع بين الحركة الوطنية من جهة، وبين القصر الملكي من جهة ثانية، لغاية السيطرة على مجال الشباب وتقريبه من معسكريهما، وهو ما يظهر في عدم قبول الدولة لاحتفالات 11 يناير التي تصادف ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، إلّا بعد مرور سنوات طويلة على الاستقلال، إذ كان القصر لا ينظر بعين الود إلى الأيام التي تجعلها الحركة الوطنية حكرًا على نضالاتها.
ويضيف منجب في تصريحات لهسبريس أن الصراع بين القصر والحركة الوطنية فيما يخصّ استقطاب الشباب، ظهر أكثر بين شخصيتين بارزتين، الأولى هي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، والثانية هي القيادي الاشتراكي المهدي بن بركة، لا سيما مع قوة حزب الاستقلال وبعده الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في تلك الفترة، لذلك ركز القصر جهوده نحو الشباب غير المسيّس، وكذلك الشباب التابع لتنظيمات تخالف توجهات الاستقلاليين والاتحاديين.
كان الحسن الثاني يعكف في عيد ميلاده على تنظيم احتفال بهيج بقصره يستدعي له الكثير من أصدقائه وأصدقاء المغرب، وكثيرًا ما التَقطت الصور بذاخة الاحتفالات وحِرص الملك على الاستمتاع بهذه المناسبة. غير أن عام 1971، كان يخبئ مفاجأة غير سارة بالنسبة للقصر الملكي، فقد كان عدد من جنرالات الجيش، يعدون لمحاولة انقلابية من أهم مهندسيها محمد اعبابو، مدير المدرسة العسكرية بأهرمومو، وهي العملية التي اختير لها يوم العاشر من يوليوز، إذ كانت الاحتفالات لا تزال قائمة بقصر الملك بالصخيرات.
فشلت العملية بسبب صراع داخلي بين قائدي الانقلاب وبسبب تدخل قوات أخرى من الجيش بقيت على خط الولاء للملك، إلّا أن العملية لم تنتهِ بهدوء، إذ قُتل الكثير من المدعوين والضباط والعاملين داخل القصر الملكي، وصل عددهم إلى قرابة مئة شخص حسب أرقام هيئة الإنصاف والمصالحة، وتم بث بيان المتمرّدين في الإذاعة الوطنية، وألهمت العملية جنرالات آخرين للقيام بمحاولة انقلاب ثانية بعد ذلك بعام، لتمتزج ذكرى عيد الشباب بميلاد الملك الراحل وبأوّل محاولة انقلاب عسكرية من نوعها في تاريخ المغرب الحديث.
بيدَ أن دلالات المناسبة لم تتوقف عند هذا الحد، بل استثمرها الملك الراحل لأجل إلقاء خطابات على الشعب، وحتى في يوم التاسع من يوليوز 1999، أيًاما قليلة قبل وفاته، تحدث الحسن الثاني للمغاربة عن مشكل البطالة، وبطالة الشباب المتخرّج بصفة خاصة، معتبرًا أن هذه المعركة تعد الهدف الأسمى للمؤسسة الملكية بعد القضية الترابية، وقد استعرض خلال ذلك الخطاب مجموعة من الأرقام التي تبرز جهود الدولة، متحدثًا عن العراقيل التي تواجه الدولة كصعوبة إيجاد شغل لمن يحوز على شهادات في علوم دقيقة.
ويظهر أن الملك الراحل كان مصرًا في إيجاد حلول لمشكلة البطالة، إذ انتقد في خطابه بشكل واضح التعليم، قائلًا إنه لم يأخذ بعين الاعتبار ظاهرة العمل والتشغيل، وإن الموجهين التربويين لم يقوموا بدورهم في توجيه الطلبة نحو المياديين التي تناسب قدراتهم، قبل أن يؤكد أنه سيخاطب الشعب في 20 غشت القادم، حول موضوع برنامج التعليم بعد توصله بدراسة لجنة اهتمت بهذا الأمر، بيدَ أن القدر كان أقوى منه، واختطفه الموت بعد الخطاب بأسبوعين.