ناظورسيتي | محمد مقرش
وجه المتدخلون والحاضرون في الطاولة المستديرة التي نظمتها جريدة الريف المغربية يوم السبت 27 يونيو الجاري، حول موضوع “ما الذي سيتحكم في الإنتخابات القادمة بإقليمي الناظور والدريوش: المال، الدين السياسي، العلاقات الزبونية والقبلية، البرامج الإنتخابية”، رسائل قوية للمثقفين والسياسيين والأحزاب والسلطات، وذلك بخصوص الطريقة التي تمر بها الإنتخابات في المنطقة.
الطاولة المستديرة التي قدمها وسيّرها محمد بولعيون مدير جريدة الريف المغربية، والذي قال ضمن كلمته التمهيدية، أنها تأتي في إطار الأنشطة الموازية التي تقوم بها الجريدة، سعيا منها وراء فتح النقاش العمومي حول عدة مواضيع تهم قضايا مختلفة، مبرزا أن الجريدة اختارت هذا الموضوع وذلك مع إقتراب موعد الإنتخابات الجماعية بالمغرب، والتي تثير مع إقترابها مجموعة من الأسئلة، ومن بين أهم هذه الأسئلة التي يبحث لها المتتبعون والمهتمون عن أجوبة مقنعة، هي “ما الذي سيتحكم في الإنتخابات المقبلة بإقليمي الناظور والدريوش: هل المال أم القبلية أم الدين أم البرامج الإنتخابية…؟”.
وأضاف مدير الجريدة محمد بولعيون، أن المال السياسي الذي يتمظهر في المال النقدي والولائم وتوزيع الهدايا والأكباش في بعض المناسبات الدينية وبعض “الحملات الخيرية”، استعماله في هذا الصدد يشكل أحد أصعب التحديات التي تواجه الانتخابات الجماعية بإقليمي الناظور والدريوش، وذلك من خلال شراء الذمم وأصوات الناخبين، معتبرا أن المال يبقى أحد أهم محددات النتائج الإنتخابية.
أما فيما يخص الدين السياسي والعلاقات القبلية، قال بولعيون فهي كذلك من بين أبرز المحركات في العملية الإنتخابية بالمنطقة، حيث يتم توظيف الدين بشكل كبير من طرف البعض، مستغلين في ذلك العاطفة الدينية للمغاربة وإستمالتهم ودفعهم للتصويت عليهم، مستغلين في ذلك بعض المساجد والجمعيات الإسلامية وبعض الزوايا مع دعوتهم لأداء القسم على كتاب الله للتصويت على أحد المرشحين.
ويضيف المتحدث أن الإنتماء لإحدى العائلات الكبرى بالمنطقة، تساهم بشكل كبير في كسب مجموعة من الأصوات، بإعتبار أن ما هو سائد في فضائنا “الناظور والدريوش” هي العلاقات القبلية التي هي عبارة عن نظام سياسي يتمحور أساسا حول تضامنات “القرابة” أو العصبية الدموية كما يقول علماء الإثنولوجيا، مؤكدا على أن مفهوم الجماعة لا يزال إلى اليوم لم يخرج عن معناه التقليدي القبلي، خاصة لدى بعض المجموعات الإجتماعية ذات نفس أصول وروابط القرابة.
وبالنسبة لمدير جريدة الريف المغربية فإن الحلقة الأضعف في العملية الإنتخابية، تبقى هي البرامج السياسية والإنتخابية، سواء للأشخاص أو للأفراد إضافة إلى ضعف مستوى بعض الرؤساء والمستشارين ونقص التكوين في شتى المجالات “الإدارية والمجالية والمالية…”، مما يؤدي الى اختلالات واضحة في تدبير الجماعات الترابية، وضعف التداولات وغياب ثقافة المبادرة وانتشار وهيمنة الصبغة الإلتماسية كمؤشر للضعف.
فيما أكد الفاعل الجمعوي محمد الحموشي، في مداخلته، أن الإشكال الذي يطرح في العلاقة في ما هي المحددات التي يعتمدها المواطن لإختيار ممثل له في المجالس المنتخبة، يطرح سؤالا عن طبيعة الأحزاب الممثلة للمشهد السياسي في البلاد؟ وما هي الجهود التي يقوم بها الفاعلون السياسيون من أجل دفع المواطنين للذهاب نحو صناديق الإقتراع؟ وما هي القوانين التي أفرزتها المؤسسات التشريعية لتنظيم الإنتخابات؟ وما هي الضمانات التي تعطى للناخبين من أجل أن تكون الإنتخابات نزيهة وشفافة.
وشدّد الحموشي على أنه في الدول الديمقراطية يكون الرهان على البرامج الإنتخابية، على التقسيم، على نمط الإقتراع، وتنظيم الحملات الإنتخابية، وهذه التركيبة التي تتحكم في العملية الإنتخابية، قبل أن يسترسل أنه في وضع مثل الوضع المغربي وبالخصوص بمنطقة الريف، تطرح إشكالات حقيقية مع هذه القوانين الإنتخابية، مرجعا ذلك إلى الكتلة الناخبة التي تُصوّت، مبرزا في الآن ذاته أن نسبة الأمية مرتفعة في المنطقة وأن التأطير السياسي شبه غائب في المنطقة، ما يجعل المال السياسي والقبلية تتحكم بشكل كبير في العملية الإنتخابية.
بدوره قال الدكتور مومن شيكار، أن الناخب والمنتخب في إقليمي الناظور والدريوش، يلتقيان في فقر ثقافي وفكري، مؤكدا على أن الإنتخابات في الناظور، لم تفرز لحد الساعة ترسانة مناسبة، وأفرزت إنسانا لا حس له ولا فكر ولا وعي، معتبرا أنه من الصعب جدا التواصل مع إنسان ليس له مستوى تعليمي.
أما فيما يخص الناخب فقد أردف شيكار، أن لا حول ولا قوة له لكون الفقر منتشراً، وعند إغراء إنسان فقير ومعدم بالمال، سيقوم بطبيعة الحال بأخذه، معتبرا أن الأمر في مدينة الناظور جدّ صعب وأن فيه تكريس للعبث، وأن الإنتخابات لا تفرز الشخص المناسب في المكان المناسب، قبل أن يختم مداخلته بالقول أن الحل الوحيد لتجاوز هذا الإشكال هو الإستثمار في الإنسان، وذلك بتوعيته وإنشاء مراكز ثقافية وموسيقية ومرافق عمومية.
الأستاذ محمد ميرة قال بأن المال في العملية الإنتخابية باق لا محال، وأنه سيزيد أكثر طالما هناك إنتخابات أخرى على مستوى الجهة، والسبب في ذلك على حدّ قول ميرة يتمثل في عدم وجود بوادر لمعالجة هذا الموضوع من أساسه، ولا وجود لنص إلزامي يردع استعمال المال، وأكد ميرة أن الفئة التي تذهب إلى صناديق الإقتراع، هي الفئة التي تحصل على المال، في حين أن الشباب غائب عن العملية الإنتخابية لا يشاركون، أما بالنسبة للدين السياسي فقد أوضح ميرة أن هناك عاطفة دينية والمغاربة يتعاطفون مع كل ما هوي ديني، مورداً أن لا أحد يصوّت على البرامج الإنتخابية ولا وجود لهذا النوع من التصويت، معتبرا أن الأحزاب خذلت مناضليها وتبحث فقط عن مقاعد داخل المجالس المنتخبة.
من جهتهم عبر أغلب المتدخلين في أشغال الطاولة المستديرة التي نجحت في إستقطاب نخبة من السياسيين والشباب والفاعلين الجمعويين، على أن عملية الإنتخابات في إقليمي الناظور، يتدخل فيها المال بشكل كبير، وما جعل الأميين يصلون بسهولة إلى المجالس المنتخبة، كما وجهوا إنتقادات لاذعة إلى الأحزاب السياسية التي تخلت عن دورها في تأطير المواطنين وتوجيههم…
إلى ذلك، إختتم مدير جريدة الريف المغربية الطاولة المستديرة، بالقول أن الإنتخابات المقبلة ستعرف نفس الأخطاء والممارسات السابقة وبالتالي علينا أن نتخوف من أن تصبح مرة أخرى سوقا لشراء الأصوات تهتم بها فئات تتوخى من خلالها ربحا ماديا، مما سيؤدي إلى عزوف عن الإنتخابات، ولمحاربة هذه السلوكات، دعى بولعيون جميع المثقفين والغيورين على إقليمي الناظور والدريوش، إلى مواجهة هذه السلوكات المشينة واللاديمقراطية، من أجل ترسيخ ثقافة الأمل والنضال لاستئصال هذا الداء الذي يتجلى في استغلال المال الحرام والدين السياسي والعلاقات الزبونية والقبلية، لأنه لا شيء يتحقق أو ينطلق بداهةً، كما أن لا شيء يعطى هكذا مجانا، بل كل شيء يبنى وينتزع إنطلاقا من استحضار ضمائرنا وغيرتنا على هذين الإقليمين العزيزين ونحن نمارس عملية الإنتخابات.