حوار خاص مع وزير الصحة الاسبق اناس الدكالي

Mohammed12 مايو 2020آخر تحديث :
حوار خاص مع وزير الصحة الاسبق اناس الدكالي

وزير الصحة الأسبق أناس الدكالي لـ “الأيام”
هذا موقفي من النقاش الدائر حول مسألة احتكار قطاع الصحة من طرف الدولة
عندما قررنا أن نخصص حيزا للسيد أناس الدكالي، للحديث عن القطاع الصحي في المغرب والتدابير التي اتخذتها المملكة في مواجهته لفيروس “كورونا”، فلأنه يحمل الكثير من القبعات وله شرعية الحديث عن هذا القطاع. فهو وزير سابق لقطاع الصحة، وأستاذ بكلية الطب والصيدلة في الرباط لمادة الكيمياء التحليلية، وسبق له أن أشرف في بداياته المهنية على مختبر للتحليلات البيئية، علما أنه حاصل على دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية، ويعرف جيدا خبايا قطاع الصحة ببلادنا.
في هذا الحوار يجيب أناس الدكالي، الذي كاد أن يكون هو الوزير الذي يشرف حاليا على قطاع الصحة في ظل هذه الجائحة، لولا أن حزب “التقدم والاشتراكية” الذي كان ينتمي إليه قرر الخروج من حكومة سعد الدين العثماني، (يجيب) عن الكثير من الأسئلة الراهنية، ويبدي رأيه بخصوص مستوى قطاع الصحة بالمغرب، ونجاعة التدابير التي اتخذها المغرب لمواجهة هذا الوباء، ويدلي بموقفه بخصوص الأصوات التي تتعالى في المغرب وأكثر من دولة في العالم حول ضرورة أن يبقى قطاع الصحة حكرا على الدولة فقط ولا أحد غيرها.

**********
+ ما رأيك في التدابير التي اتخذها المغرب لمحاربة جائحة كورونا؟
المغرب اتخذ إجراءات مبكرة، استباقية وجريئة لتطويق الوباء والحد من انتشاره بفضل القيادة الرشيدة لجلالة الملك الذي يقود بشكل مباشر تدبير الأزمة ويتخذ قرارات تلو الأخرى لمواجهة آثارها الوخيمة على صحة المواطنين والمنظومة الصحية وعلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي ببلادنا.
منذ اندلاع الوباء بإقليم “هوبي” بالصين بدأ المغرب في تتبع الوضع، ولعل قرار إعادة المواطنين المغاربة العالقين بفعل الحذر الصحي الذي هو في حد ذاته قرار جريء، دليل على إبداء المغرب استعداده للتعامل مع فيروس كورونا المستجد.
منذ ذلك الحين كثف المغرب من المراقبة الصحية على مستوى حدوده وقام بإلغاء الرحلات الجوية القادمة والمتوجهة إلى الصين ثم شمل هذا القرار بعد ذلك بعض الدول الأوروبية، تزامنا مع ظهور أول حالة ببلادنا لمغربي قادم من إيطاليا، إلى أن جاء الإغلاق الكلي للفضاء الجوي، بعد ذلك، تم إلغاء التظاهرات وإغلاق الأماكن العمومية ثم المدارس والجامعات، وصولا لاتخاذ إجراءات الحجر الصحي، إلى الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية.
+ أين تتجلى أهمية هذا القرارات؟
المغرب استخلص الدروس بسرعة من تجربة الصين، واعتبر أن العزل الصحي هو الطريقة الأمثل للحد من انتشار الفيروس، وبفضل اتخاذه لكل تلك التدابير وبشكل مبكر فقد ربح أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع مقارنة مع دول أخرى وتمكن من تمديد المرحلة الأولى المتميزة بتشخيص الإصابة لدى الحالات الوافدة ومخالطيهم وتأجيل المرحلة الثانية المتميزة بانتقال العدوى في محيط المصابين بحكم مخالطتهم للحالات الوافدة. وهذا التمديد ساهم في تسطيح منحنى الإصابات بفيروس “كورونا” المستجد، وبالتالي ترك المجال للمتدخلين في مواجهة الوباء لتدبير هادئ وسلس وأداء أفضل لحد الآن.
هناك كذلك تعبئة لا مثيل لها للأطر الصحية المدنية والعسكرية المتواجدة في الصفوف الأمامية للمعركة ضد الفيروس وتجندها لمواجهة الفترات العصيبة من مراحل تطور الوباء التي قد نعرفها. فعلى مستوى البنية الاستشفائية جرى تعبئة أكثر من 1600 سرير للإنعاش واليوم المغرب بصدد رفع السعة إلى 3000 سرير، مع إقامة وحدات استشفائية خارجية ومستشفيات ميدانية خاصة بالتكفل بمرضى “كوفيد 19”. نفس التعبئة نجدها لدى السلطات المحلية ورجال ونساء الأمن والدرك والوقاية المدنية والقوات المساعدة والجيش، فهم كذلك مجندون في المقدمة. دون أن ننسى جنود الخفاء من عمال النظافة والحراسة والعاملين بالمحلات التجارية ومجال نقل و توزيع البضائع و المواد الغذائية و كذا الصحفيين في الميدان وغيرهم ممن يسهرون على أمننا وطمأنينتنا، فكل هؤلاء يستحقون منا اليوم كل الشكر والتنويه، والشعب المغربي اليوم ممتن لهم وقدرهم لا يمكن إلا أن يرتفع لديه.
من الملاحظ كذلك وعبر العالم أن الأزمة عمقت من الفوارق الاجتماعية. فإذا كانت الفئات الميسورة قد استطاعت التكيف بشكل أيسر مع الحجر ووجدت بدائل للأنشطة التي تميز حياتها الاجتماعية، فالأمر ليس كذلك بالنسبة للفئات المعوزة، وهذا يقتضي إبداع مقاربة شاملة لا تقتصر فقط على الدخل بل تتجاوزه إلى الولوج إلى الوسائل المعلوماتية والربط عبر الإنترنت والولوج إلى ما هو ثقافي بشكل عام. دون أن ننسى أن السياسات العمرانية والسكنية ذات الطابع الاجتماعي المعتمدة لا تترك كثيرا من الاختيار لهؤلاء. وبالتالي أعتقد أن المصاحبة الاجتماعية قد تكون ضرورية وهنا يكمن دور المجتمع المدني المتميز بالقرب، الذي يمكن أن يبدع أساليب جديدة للتأطير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بتأطير من السلطات العمومية.
وأخيرا، يمكننا القول أن المغرب رجح كفة حماية صحة مواطنيه على كفة حماية اقتصاده وبمعنى آخر رأسماله البشري على رأسماله المادي، وهذا ما عزز ثقة المواطن في الدولة، ولقي استحسانا واسعا لدى الرأي العام الوطني والدولي.

===========================================
لا يوجد أي نظام صحي في العالم قادر على القضاء نهائيا على “كورونا”

+ أنت خبرت قطاع الصحة وتحملت حقيبة الوزارة لفترة معينة. هل نحن اليوم قادرون بإمكانياتنا التي تعرفها أنت تمام المعرفة على محاربة هذا الوباء؟
المغرب تعامل بشكل جيد في السنوات الأخيرة مع عدة أوبئة كوباء “إيبولا” و”زيكا” وفيروس “كورونا” المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS-CoV) وفيروس الأنفلونزا H1N1 من خلال وضع نظام شامل للرصد والتتبع والتكفل بالحالات المحتملة لكل واحد منها.
وبشكل عام فالمغرب أبان عن تدبير جيد لحالات الطوارئ الصحة العامة من خلال قوة ومصداقية نظامه للرصد والمراقبة الوبائية واعتماده منذ 2009 للوائح الصحية الدولية ووضع الآليات المناسبة لتطبيق مقتضياتها. ففي شهر شتنبر 2019 أعلنت وزارة الصحة عن إحداث مركز وطني ومراكز جهوية لعمليات الطوارئ في مجال الصحة العامة في إطار تفعيل مخطط الصحة 2025، بهدف تعزيز قدرات بلدنا في مجال الرصد المبكر والاستعداد والاستجابة السريعة. كما حظيت هذه السياسة الوطنية باعتراف من لدن منظمة الصحة العالمية التي عبرت على لسان مديرها العام خلال زيارته المغرب بمناسبة اليوم العالمي للصحة في أبريل 2018، عن رغبتها في تعميق التعاون مع بلدنا في مجال الاستعداد والرد اتجاه حالات الطوارئ الصحية. وخلال لقائه مع وزير الخارجية تم الاتفاق على تعزيز التعاون في تنزيل مقتضيات اللوائح الصحية الدولية لما لذلك من ارتباط بالتجارة الدولية والتحركات عبر الحدود. كما طلب من المغرب مساعدة دول أخرى لتجاوز مشاكلها في هذا المجال.
في هذا الصدد لا بد أن أشير كذلك إلى أن المغرب يتوفر على كفاءات عالية في المجال الوبائي، سواء على مستوى مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض، أو معهد باستور أو المعهد الوطني للصحة أو المختبرات التابعة للطب العسكري دون أن ننسى الخبراء على مستوى الجامعة المغربية.
اليوم نحن أمام صنف فيروسي جديد، صحيح أننا نعرف جيدا إلى أي عائلة من الفيروسات هو ينتمي ولكن نجهل الكثير عن طريقة انتشاره السريع (انتشاره أسرع من فيروسات كورونا الأخرى) وعن مختلف أعراضه وكيفية علاجه وتقوية المناعة ضده عبر لقاحات مضادة.
وكجواب مباشر على سؤالك، أقول أنه لا يوجد اليوم أي نظام صحي في العالم قادر على القضاء نهائيًا على هذا الوباء. فالكل يحاول الحد من انتشاره بالأساس عبر العزل الصحي الكلي أو الجزئي. فالحجر الكلي يمكن من الحد من الانتشار على نطاق واسع للعدوى لكن لا يعفي من ظهور بعض البؤر خاصة داخل الأسر، وهذا ما بدأنا نلاحظه في الأيام الأخيرة بدخولنا للمرحلة الثانية للوباء. وميزته كذلك أنه يمكن من تجنب الذروة في التكفل بالمرضى داخل المستشفيات وبالتالي تقليص الضغط على الأطقم والتجهيزات الطبية خاصة غرف الإنعاش والعناية المركزة.

+ ما رأيك في استراتيجية العزل الجزئي؟
العزل الجزئي توفقت فيه لحد الآن بعض الدول المتقدمة بآسيا في حين تراجعت عنه دول أخرى بأمريكا الشمالية وأوروبا، فهذا النوع من العزل له شروط لكي ينجح: أولها التشخيص المكثف والمتكرر، وتعميم وضع الكمامات، وتكثيف التتبع الإلكتروني لتحركات المواطنين، ثم توفير العدد الكافي من المعدات الطبية الخاصة بالتكفل بالحالات التي تظهر عليه أعراض وتحتاج إلى التنفس الاصطناعي.
كل الأنظمة الصحية في العالم، بما فيها نظامنا تسارع الزمن من أجل توفير تلك الشروط. وهذا خلق نوعا من التدافع في الأسواق العالمية للحصول على تلك المنتوجات والمغرب منذ البداية نهج خيارا سياديا وهو التصنيع المحلي رافعا تحديًا جديدًا يبرز من تفرده في مواجهة الجائحة مند البداية، وأتمنى أن نتوفق في ذلك.

+ هل يمكن أن يكون الكلوروكين خيارا ناجعا للقضاء على الفيروس؟
المغرب كان من الأوائل في اعتماد بروتوكول علاجي بواسطة الكلوروكين في عز الجدل الواسع والحاد الذي صاحب هذا الخيار العلاجي، وحصن في نفس الوقت احتياطه من هاته المادة عبر مصنع محلي وهذا يبين مرة أخرى الاختيارات الصائبة لسياسته الدوائية.

===========================================
هذا رأيي في قدرة منظومة الصحة في المغرب على مواجهة التحديات

+ هل مشكل قطاع الصحة في اعتقادك هو الميزانيات أم الحكامة أم أشياء أخرى؟
المغرب قام في العقدين الأخيرين بمجهودات مهمة في المجال الصحي ولو أنها تبقى غير كافية بسبب الخصاص الكبير في الخدمات والطلب المتزايد عليها والراجع للتحول الديمغرافي والوبائي الذي يعرفه. ولعل ما يدل على ذلك الارتفاع المهم في متوسط العمر المتوقع (أمل الحياة) إلى أكثر من 76 سنةً. ولقد ركزت بلادنا خلال العشر السنوات الأخيرة على أربع أولويات أساسية.
أولًا، تعميم التغطية الصحية مما ساهم في تجاوز نسبة التغطية لـ 60 في المائة من الساكنة. إلا أن الملاحظ أن هذا الورش يعرف صعوبات و تأخرًا في التنزيل بالنسبة للمستقلين، مما قد يدفع إلى إعادة النظر بشكل شمولي في نظام التغطية الصحية الأساسية.
ثانيا، تعزيز الولوج للعلاجات، وهنا لا بد أن نسجل الاستثمارات غير المسبوقة للدولة والتي أدت إلى إحداث مستشفيات إقليمية ومحلية في مناطق لم تكن من قبل تتوفر على عرض استشفائي ملائم بعضها فتح أبوابه والباقي في طور الإنجاز، إضافة إلى مستشفيات جامعية جديدة بكل من طنجة وأكادير والعيون. وفي هذا الشأن ونظرًا لارتباطها بالتكوين الطبي بالأساس واعتبارًا للخصاص الحاصل في الموارد الطبية وتفاوتها من جهة لأخرى، من الواجب أن نخص كل جهة بمستشفى جامعي.
ثالثًا، الاهتمام أكثر بصحة الأم والطفل، فرغم التقدم الملحوظ في هذا الشأن، حيث انخفضت نسبة وفيات الأمهات والأطفال حسب المسح الوطني للسكان وصحة الأسرة لـ 2018 بنسبة 35 بالمائة و38 بالمائة على التوالي في ظرف 7 سنوات، إلا أن هذا التطور الإيجابي يخفي تفاوتات صارخة بين الوسطين الحضري والقروي، مما دفع بالسلطات العمومية إلى خلق تقارب بين البرامج الاجتماعية والصحية الخاصة بالأم والطفل لتحقيق نجاعة أفضل.
رابعًا، تقوية الموارد البشرية وهنا تجدر الإشارة إلى أن مجهود التوظيف تضاعف خلال الثلاث سنوات الأخيرة حيث وصل عدد المناصب المخصصة للقطاع إلى 4000 منصب، مع العلم أن عدد المحالين على التقاعد لم يتجاوز 2000 مما مكن من تقليص نسبي للخصاص الحاصل، مع العلم وكما ذكرت سابقًا أن سياسة التوظيف المكثف يجب أن تواكبها سياسة تكوينية ملائمة.

+ لكن الملاحظ أن كل هذه الأمور التي ذكرت لم يكن لها أي وقع إيجابي على المواطن؟
هذا راجع إلى مسألة الحكامة، ومخطط الصحة 2025 ركز كثيرا على هذا الجانب. فالاستثمار يجب أن يكون في العنصر البشري، ولعل أزمة كورونا ستؤكد لكل من لازال مترددا حول هذا الأمر أن تحسين أوضاع الشغيلة الصحية وتحفيزها بات أمرا ضروريا لرفع نسبة الإنتاجية، وبالتالي تحقيق مردودية أكبر لمجهود الدولة والرفع من نسبة رضى المواطن وثقته في منظومته الصحية.
هناك مسألة أخرى في غاية الأهمية، وهي المرتبطة بالبعد الجهوي واللاتمركز، فالقطاع بشقيه العمومي والخاص يجب أن يدبر على مستوى الجهات بتعزيز دور المديريات الجهوية وتحويلها إلى وكالات عمومية مستقلة، وكذلك إعطاء استقلالية إدارية ومالية أكبر للمستشفيات وتقوية جاذبيتها.
وللإشارة، فلحد الآن لم نضع إطارا استراتيجيا بعيد المدى لإصلاح نظامنا الصحي يحظى بتوافق واسع على غرار ما قمنا به بالنسبة للتربية والتكوين.

+ هل يمكن اعتبار الدولة مقصرة في ما يتعلق بقطاع الصحة، كون هذا القطاع لا يكتسي أهمية كبرى بالنسبة لها؟
لقد أشرت من قبل إلى المجهود الذي بذلته الدولة في السنوات الأخيرة من أجل الرفع من مستوى وجودة الخدمات الصحية، والذي لا ينحصر فقط في مخصصات قطاع الصحة بل يتجاوزها من خلال برامج اجتماعية من قبيل برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية والمرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذلك الاستثمارات المهمة لمؤسسة محمد الخامس للتضامن.
ومن غير المستبعد أن يحظى القطاع مستقبلًا بدعم من صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في نموذجه الجديد. كما أن الجهات والجماعات الترابية أضحت تستثمر في الصحة أكثر فأكثر. أما بالنسبة لميزانية القطاع فتظل الوحيدة التي عرفت ارتفاعًا معتبرًا تجاوز 10 في المائة سنويًا خلال السنتين الأخيرتين، إضافة إلى العدد القياسي للمناصب التي حصل عليها كما ذكرت من قبل.
أعتقد أنه إذا استمر هذا المجهود في السنوات المقبلة سنقلص بشكل مهم من الخصاص في هذا القطاع، شريطة أن نتمكن من إصلاح نظام حكامته، من أجل تحسين ولوج وجودة وسلامة الخدمات الصحية، وبالخصوص تحفيز الشغيلة الصحية.
وعلى العموم لا يمكن أن نقارن المغرب بالدول المتقدمة التي أخضعت ميزانيات أنظمتها الصحية لتخفيضات غير مسبوقة مما نتج عنه تقليص في عدد الأسرة وتجميد التوظيفات وبالتالي النقص من مستوى الولوج للخدمات الصحية بشكل عام. ثم، لا بد أن أشير أن الصحة العمومية لا تعني فقط الأمراض والمرضى، ولكن أيضا الوقاية، والأمن الصحي، والتربية على الصحة، وهي أشياء ليست مكلفة وفي المتناول تتطلب فقط العزيمة، ورب المثل القائل “درهم وقاية خير من قنطار علاج”.
وهنا لابد من الإشارة إلى مقاربة “الصحة في كل السياسات العمومية” التي اعتمدتها منظمة الصحة العالمية سنة 2014، وهي مقاربة بين قطاعية تروم تقوية التآزر بين السياسات العمومية من أجل تحسين الصحة العامة والرفاه مع الأخذ بعين الاعتبار الآثار على الصحة العمومية في كل القرارات المتخذة. والمغرب دشن هذه المقاربة في أبريل 2019، بعد توقيع عدة شركاء من بينهم 13 قطاعا حكوميا على الميثاق الوطني للوقاية ومكافحة الأمراض الغير السارية، في إطار الاستراتيجية الوطنية المتعددة القطاعات التي وضعها المغرب في نفس السنة.
إضافة إلى ذلك، هناك اليوم مقاربة جد مهمة ولها راهنيتها، بحكم علاقتها بالأمراض المعدية الناشئة من أصل حيواني، تسمى بمقاربة “صحة واحدة” (One Health) والتي على بلادنا اعتمادها بقوة عبر تعزيز التعاون بين القطاعات المعنية المهتمة بصحة الإنسان وصحة الحيوان.

===========================================
موقفي من النقاش حول ضرورة احتكار قطاع الصحة من طرف الدولة

+ الكثير من الأصوات في مختلف دول العالم اليوم تقول أن قطاع الصحة يجب أن يبقى قطاعا تابعا للدولة، ولا يجب خوصصته. ما رأيك في هذا الطرح ؟
هذا الموضوع جد معقد ولا يجب معالجته بالسهولة التي قد تبدو لنا. فالأساس بالنسبة لي هو تحديد الهدف والاتفاق حوله ثم بعد ذلك اختيار الوسيلة الأنسب. فالهدف هو تحقيق الولوج لخدمات صحية ذات جودة بالنسبة للجميع والوصول إلى التغطية الصحية الشاملة والتي تعني أن كل شخص يمكنه الاستفادة من الحماية الطبية حسب حاجياته وأن يساهم حسب إمكانياته، وهذا الهدف رسمته منظمة الصحة العالمية والجمعية العامة للأمم المتحدة وانخرط فيه المغرب. لكن يبقى لكل بلد حسب إمكانياته ومؤهلاته ووضع نظامه الصحي والسياسة الصحية المتبعة أن يختار الوسيلة التي يراها أنجع للوصول إلى هذا الهدف.
بطبيعة الحال ونحن نعيش جائحة القرن والتي انتشرت في كل بقاع العالم، وتركيزنا منصب الآن على الخروج منها بأقل خسائر في الأرواح، من المشروع أن ينصب التفكير حول النظام الصحي الأمثل. وكما قلت في السابق، فالدول التي كانت لها أنظمة صحية قوية باتت تتراجع اليوم بفعل السياسات الليبرالية المتزايدة والغير المتحكم فيها، والتي تمارس ضغطا على الميزانيات الاجتماعية التي تتطلب في المقابل مجهودًا ضريبيًا مرتفعا نسبيا. والتزايد المستمر لانتظارات الصحة العمومية تصطدم لا محالة بمحدودية مساهمات مختلف الفاعلين العموميين وكذا الأشخاص. ومن الطبيعي إذن في هذه الظرفية أن ترتفع أصوات تطالب بالمحافظة على المستشفى العمومي ومساهمة أكبر لميزانية الدولة في المجهود الصحي.
أما نحن فلا زلنا بصدد تطوير نظامنا الصحي ولابد أن نعتمد على كل طاقاتنا في هذا المجال. فالاستثمار في المؤسسات الصحية العمومية لا زال مستمرا ومهما كما قلت، وتشجيع القطاع الحر يجب أن يكون جد مقنن والدولة اليوم يمكنها أن تدعم أكثر القطاع الحر غير الهادف للربح، كقطاع ثالث بدأ يحتل مكانة متميزة في نظامنا الصحي على مستوى الخدمات العلاجية وكذلك التكوين والبحث في المجال الصحي.
كما رأيتم، فأنا أفضل أن أتكلم عن القطاع الحر بدل القطاع الخاص في المجال الصحي، والقطاعان مقننان ومعهود لهما بالخدمة الصحية العمومية ويراقبان من طرف الدولة وأثمنة الخدمات محددة بتسعيرة مرجعية. والواقع أن القطاع الحر متواجد عندنا منذ عقود ويتطور باستمرار وهناك خدمات صحية يكاد يوفرها بشكل شبه كلي كتوزيع الأدوية وطب الأسنان على سبيل المثال. وما دمنا نتعامل مع القطاع الحر من الزاوية الاقتصادية فقط فلن يكون ذلك مفيدا لزرع الثقة ودفعه لبذل مجهود أكبر والانخراط في السياسة الصحية العمومية.
ليس لدينا حل سوى تحقيق التقارب بين القطاعين من خلال توفير نفس الشروط ونفس الإمكانيات وتطبيق نفس الآليات ومحاولة تعزيز التآزر بين القطاعين وإشراكهما في مجال محاربة الأمراض والأوبئة من خلال وضع نظام معلوماتي وطني شامل لا يستثني أي متدخل حتى يتسنى للدولة وضع السياسات الاستراتيجية الصائبة والمناسبة. يجب كذلك على الدولة أن ترفع من مستوى ضبط القطاع الخاص ومراقبته شأنه شأن القطاع العام من خلال تعزيز آليات الاعتماد ومراقبة الجودة وإدماجه في الخريطة الصحية ومخططات العرض العلاجي.
على القطاع الحر أن يتطور وفق إرادة الدولة وليس وفق مصالحه الخاصة، كما أن الدولة عليها أن تولي اهتمامًا بمسألة المردودية والنجاعة وتحرص على تدبير المؤسسات الاستشفائية تدبيرًا مقاولاتيا وهذا يستدعي بالأساس إعادة النظر في مفهوم الوظيفة العمومية الصحية. وأعتقد أن أنظمة التأمين الصحي يمكنها أن تلعب دورا أساسيا في هذا التحول إلى جانب السلطة الصحية، لكن هذا يبقى رهينا بمدى تعميم التغطية الصحية الأساسية على جميع المواطنين وهذا الورش أعتقد أنه لا يستحق التأخير بعد اليوم.

الاخبار العاجلة